د.خالد العامري: عمل البيطريين بـ "مقشة وجردل" بالوحدات فضيحة
حوار - محمود جودة
- أيادٍ خفية أوقفت تعيينات الأطباء البيطريين منذ عام 1995
- الصحة تجاهلت الرد بتعيين 600 طبيب بيطري في مستشفياتها
- 150 مفتشًا بيطريًا فقط في مصر منهم 8 في القاهرة كلها
- "نظام التكليف وفق الاحتياج" هو الحل الآمن لسلامة غذاء المرضى
- حجم الإنتاج الحيواني والسمكي يتخطى الـ250 مليار جنيه
كشف عن أمور كثيرة تتسبب في انهيار منظومة كاملة خلال 7 سنوات، وعن حجم التحدي لمهنة معنية بشكل مباشر عن الأمن الغذائي الحيوي للإنسان، وحقائق مهمة أكدها د.خالد العامري، نقيب عام الأطباء البيطريين، نقيب الأطباء البيطريين العرب، عميد كلية الطب البيطري جامعة القاهرة، أستاذ الميكروبات بكلية الطب البيطري جامعة القاهرة، أحد رواد البيولوجيا الجزيئية في الطب البيطري في مصر، في حواره مع "بوابة روزاليوسف".
# ما سبب توقف تعيينات البيطريين منذ 23 عامًا؟
- لم تكن الدولة تستثمر بشكل كافٍ في المجال البيطري، فتوقفت التعيينات، وفي الدولة توجد الهيئة العامة للخدمات البيطرية وهي معنية بتقديم الخدمة البيطرية القائمة على أطباء بيطريين بالدرجة الأولى، ولا يوجد تفسير واضح لتوقف تعيينات البيطريين، وتوجد أيادٍ خفية تدخلت وأوقفت تعييناتهم، رغم أن النقابة عضو باتحاد المهن الطبية الذي يضم الأطباء البشريين والبيطريين والأسنان والصيادلة، وباقي النقابات، يتم تكليف أعضائها الخريجين سنويا حتى الآن.
# لمصلحة من تم وقف تعييناتكم؟
- لمصلحة الأجانب، والدول الموردة لمصر، فمصلحتها أن تضرب الأمن الغذائي الحيوي المصري، مما يضطر الدولة لاستيراد احتياجاتها من الخارج، سواء كان الغذاء من أصل حيواني أو نباتي.
# ما مساعيكم كنقيب للأطباء البيطريمكين لحل تلك الأزمة؟
- طالبت بالتعيين كثيرًا، والتقيت المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء في أغسطس 2017، وأخبرته بأن مهنة الطب البيطري سوف تنهار خلال 7 سنوات، وأن مصر فيها 11 ألف طبيب بيطري في القطاع الحكومي، موزعين على الهيئة العامة للخدمات البيطرية، ومديريات الطب البيطري في 27 محافظة، و1746 وحدة بيطرية، ومعمل بحوث الدقي، والصحراء، والهرم، والعباسية لإنتاج اللقاحات، والرقابة على اللقاحات، وسوف يصل هذا العدد بعد 7 سنوات إلى 4 آلاف طبيب بيطري فقط، بعد خروج الباقي على المعاش، في ظل عدم وجود تعيينات جديدة.
وهناك مشكلة في خريج الطب البيطري، أنه يحتاج بعد التعيين لخبرات عملية يكتسبها من الأقدم والأكبر منه سنًا وخبرة، فهو يتعلم الأساسيات في الطب البشري والبيطري والصيادلة والأسنان، لكنه خلال 5 سنوات من عمله تحت يد البيطريين الذين يعملون في الحقل العملي نفسه، نظرًا لتنوع الأمراض، والرقابة والبيئة نفسها، فهو غير جاهز لسوق العمل فور تعيينه، وفي حالة البدء في تعيين البيطريين بعد 7 سنوات من الآن، فلن نجد وقتها من يدرب الجدد عمليًا على أرض الواقع.
# وماذا حدث؟
- ذهبت لوزير الزراعة د.عبدالمنعم البنا بعد بضعة أيام من اللقاء مع رئيس الوزراء، واستدعى رئيس هيئة الخدمات البيطرية اللواء طبيب بيطري إبراهيم محروس، وقال له الوزير: إنني أعرض أن هناك مشكلة في الطب البيطري في مصر، وعجزًا في الأعداد التي تقدم الخدمة البيطرية مما يسبب أزمة، فكان رد رئيس الخدمات البيطرية بأن كلام نقيب البيطريين صحيح 100%، وأن هناك 6 آلاف درجة شاغرة بالهيئة والمديريات، وطلب الوزير بإعداد خطاب لجهاز التنظيم والإدارة لتعيين أطباء بيطريين.
# ما الأزمات الفعلية التي ترتبت على نقص أعداد البيطريين المعينين في الحكومة الآن؟
- الكثيرون يتحدثون عن سلامة الغذاء وأنه آمن، وعن حملات تفتيش، والحقيقة أن مصطلح تفتيش موجود، لكن لا يوجد سوى 150 طبيبًا تفتيش بيطري، يعملون في الـ27 محافظة، فيوجد إدارات للتفتيش، لكن لا يوجد أعداد كافية للقيام بمهام التفتيش البيطري، وهذا العدد مستحيل أن يقوم بالتفتيش على الغذاء بشكل كامل، فالقاهرة مثلا فيها 8 أطباء بيطريين فقط مسؤولون عن التفتيش على الغذاء.
# توجد إدارة للرقابة على الأغذية في وزارة الصحة، كما يوجد تفتيش على الأغذية في وزارة التموين، والرقابة على الأسواق ومباحث التموين، وقطاع التجارة الداخلية، هل كل هذه غير كافية للرقابة على الأسواق؟
- عندما حدثت أزمة الغذاء في إحدى العوامات في الأقصر مؤخرا، ووقع حالات تسمم غذائي جماعي للسياح، عقد اجتماع طارئ في وزارة السياحة ومسؤولي الوقاية والصحة وخلافه، وتم استدعاء نقيب الأطباء البيطريين، فوقتها أكد مدير الصحة في الأقصر بأنه لا يوجد هناك طبيب بيطري للتفتيش على الأغذية، فرد وقتها د. شريف وديع مستشار وزير الصحة للرعايات الحرجة والخدمات الإسعافية، بأنه لا بد من تعيين أطباء بيطريين في وزارة الصحة للتفتيش على الأغذية، ووقتها أكدت أنني طالبت بذلك رسميًا.
# ممن طلبت تعيين بيطريين في وزارة الصحة؟
- طلبت من د. أحمد عماد وزير الصحة شخصيًا، بخطاب رسمي، ولم يرد الوزير على هذا منذ شهور، فكيف لوزارة الصحة أن يكون بها تفتيش على الأغذية، بينما لا يوجد بها طبيب بيطري، يشارك في ذلك حيث لا توجد الخبرات الكافية في الصحة للرقابة على اللحوم والألبان ومنتجاتها، حيث إن الطبيب البيطري هو المتخصص الوحيد في ذلك، لذلك كان ردي على د. شريف وديع بأن هذا قرار يجب أن تتخذه الصحة، فطلب مني التقدم بخطاب للوزير، فأرسلت خطابًا ثانيًا في اليوم التالي للاجتماع بالأقصر، وخطابًا آخر لوزير السياحة، وخطابًا لرئيس الوزراء بهذا الشأن.
# هل كانت هناك مفاوضات سابقة مع الصحة لحل المشكلة؟
- منذ بضعة شهور حضرت اجتماعًا في وزارة الصحة بنفس الخصوص، حضره نفس المسؤولين بالوزارة، وتم عرض تعيين أطباء بيطريين في الوزارة لتغطية 600 مستشفى بشري حكومي، وطلبوا كتابة مذكرة للوزير، لتعيينهم بنظام التكليف وفق الاحتياج، وبعد فترة حاولت الاستعلام عن نتيجة الطلب، فكان الرد "اكتب خطاب تان لأن الأول ذهب لمكتب الوزير وغير موجود"، فأعددت خطابًا آخر وسلمته، وحتى الآن لم نتلق رد بتعيين الأطباء البيطريين في مستشفيات الصحة بنظام التكليف وفق الاحتياج.
# لكن بالفعل يوجد أطباء تغذية داخل المستشفيات الحكومية مهمتهم مراقبة جودة الغذاء؟
- هناك فرق بين التغذية والرقابة على الغذاء، فالتغذية هي نظام غذائي متبع ويقدم طبيب التغذية بروتوكولات غذائية لكل مريض حسب حالته الصحية والمرضية، لكن سلامة الغذاء نفسه هو المعني به الطبيب البيطري، وسلامة اللحوم وصلاحيتها وهل مذبوحة داخل السلخانة أم لا؟، وغيرها.
# هناك مستشفيات خاصة تقدم وجبات غذائية؟
- بالفعل يوجد 4900 مستشفى خاص في مصر، وطلبت أيضا من د.أحمد عماد وزير الصحة بإصدار قرار بإلزام المستشفيات الخاصة من خلال إدارة العلاج الحر بالوزارة، بتعيين طبيب بيطري في كل مستشفى خاص لمراقبة سلامة الغذاء، وأرسلت هذا في خطابات رسمية أكثر من مرة، ولكن الوزير لم يصدر القرار.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه وزارة الصحة عن الوقاية لا يوجد في مديرياتها أو مستشفياتها أو حتى المستشفيات الخاصة أطباء بيطريين، للحفاظ على صحة وسلامة المرضى، وتصريحات الوزارة للشو فقط.
# أعضاء اتحاد المهن الطبية من صيادلة وأطباء بشريين وأسنان وغيرهم يتم تعيينهم بنظام التكليف، والبيطريون عضو في الاتحاد، ومن باب أولى تكليفهم فور التخرج مثل باقي الأعضاء.. فلماذا لم يحدث ذلك وكان من باب أولى إقصاء الصيادلة فهم مسؤولون عن ملف أقوى وهو الدواء؟
- لضرب الأمن الغذائي الحيوي المصري، من قبل المستفيدين، ونواجه أزمة وهي أن ترخيص عملنا يصدر من وزارة الصحة، بينما لا يعرف أي وزير صحة ماذا يعني طبيب بيطري، أو أننا نتبعه أساسًا، وفي نفس الوقت نعمل تحت مظلة الزراعة، ودخل المستفيدون وزارة الزراعة منذ التسعينييات، وضربوا المهندس الزراعي والطبيب البيطري في مقتل، لذلك الآن تجد الزراعة المصرية منهارة بسبب عدم وجود مرشد زراعي، وكذلك ينهار الأمن الغذائي بسبب عدم وجود طبيب بيطري، وهؤلاء إما شركات أو جهات أجنبية أو مصرية.
وكان في مصر مثل مشروع البتلو، وتم القضاء عليه، ثم تعمل الدولة على استعادته حاليًا.
# هل اجتمعت مع وزير الصحة د. أحمد عماد، وهو في الوزارة منذ عامين ونصف العام لعرض هذا الكلام؟
- لم أجتمع مع وزير الصحة ولا مرة حتى الآن، رغم أنني طالبت بذلك في مجلس الوزراء وقال لي: إنه سيحدد لي موعدًا ولم يحدث، وذلك رغم أنني قابلت رئيس الوزراء أكثر من مرة، ولم أقابل وزير الصحة د. أحمد عماد.
.jpg)
# هناك مجازر كثيرة داخل الكتل السكنية، وهذا يسبب أزمات كثيرة ؟
- بالفعل هناك مشكلة كبيرة، تتسبب فيها وجود المجازر داخل الكتل السكنية، ومنها التلوث وتوطن العدوى، وكانت هذه المجازر خارج الكتل السكنية وقت إنشائها ولكن الزحف العمراني جعلها وسط المساكن، والحل يكمن في نقلها للصحراء، وسوف يكلف ذلك أموال طائلة، ولكن في نفس الوقت فإن أسعار الأرض الحالية للمجازر مرتفعة للغاية، وسوف تسد تكلفة النقل وتوفر للدولة الكثير، ونحتاج لتطوير المجازر الحالية أيضا، والميكنة وخطوط آلية للذبح، خاصة أن معظم المجازر المصرية يدوية.
# ماذا عن مشكلة الحجر البيطري؟
- الحجر البيطري يقع في المطارات والمنافذ الحدودية، ويدخل فيه الحيوان الوافد من الخارج ويحتجز فيه 45 يومًا، لكي يظهر أي مرض موجود عنده والتخلص منه في حالة وجوده ومنع دخول المرض البلاد، والمشكلة أن هذا الحجر البيطري أصبح موجودا داخل البلد ووسط الكتل السكنية، وبالتالي الحيوان المصاب ينقل المرض فعليا داخل البلد في فترة احتجازه بالحجر البيطري، ولذلك يجب نقله من داخل المساكن.
# ما حجم الإنتاج الحيواني في مصر؟
- عام 2015 كان حجم الإنتاج الحيواني في مصر 121 مليار جنيه، والسمكي 22.3 مليار جنيه بإجمالي 143 مليار جنيه، وبعد تحرير سعر الصرف تعدى حجم الإنتاج الحيواني والسمكي 250 مليار جنيه.
# هل أعداد الوحدات البيطرية في مصر كافية؟
- يوجد 1746 وحدة بيطرية، وهو عدد غير كافٍ بالمرة.
# ما أهم التحديات الأخرى التي تواجه وحدات الطب البيطري؟
- يوجد عدد كبير من الوحدات، تم إغلاقها بعد خروج الطبيب البيطري على المعاش وعدم تعيين طبيب بيطري مكانه، وهناك وحدات تعمل بدون وجود تيار كهربائي، وهنا تواجه البيطريين أزمة في حفظ اللقاحات التي تحتاج لثلاجة، ومنها وحدات بدون مياه، وبدون دورات مياه، وبدون سقف، وآيلة للسقوط، ومنها وحدات خرج العامل فيها على المعاش وتم تسليم الطبيب البيطري عهدة، عبارة عن جردل ومكنسة مما يمثل فضيحة وخللًا في منظومة الطب البيطري في مصر، ولا توجد أجهزة في الوحدات البيطرية.
# ما ضمانة نزاهة الطبيب البيطري الذي يسافر على نفقة مستوردي الأغذية للكشف على تلك الأغذية في بلد المنشأ خارج مصر، وعدم اعتماد غذاء غير صالح للاستهلاك الآدمي؟
- كل مهنة فيها الصالح والطالح، والطبيب البيطري مثل باقي المهن، وأفضل شيء هو تشكيل لجان من عدة جهات في وقت واحد، تضم طبيبًا بشريًا وبيطريًا والصادرات والواردات، ويبقى الضمير هو الحاكم الرئيسي لضمانة استيراد أغذية سليمة.
# في ظل ارتفاع مستوى المعيشة وتدني الدخول، هل تعتقد بتفعيل دور الضمير في كل اللجان؟
- أنصح بوجود ممثل لهيئة الرقابة الإدارية مع اللجان، التي تسافر للتأكد من سلامة المنتج في بلد المنشأ قبل استيراده في مصر، ضمانا للنزاهة والأمانة، ونحن لا ندافع عن أي فاسد.
# وافق مجلس الوزراء مؤخرًا على مشروع قانون الدواء.. ما دوركم في إعداده؟
- أتمنى مراعاة رأي نقابة الأطباء البيطريين، حيث نسعى لوجود هيئة للدواء ترسخ استراتيجياته، ومنظومة الدواء في مصر، وتسهل مهمة التصدير، فالدواء سلعة أساسية واستراتيجية تؤثر في القرار السياسي بالدرجة الأولى، فتصدير الدواء لإفريقيا يعني تأثيرها على القرار السياسي الإفريقي، وهو بعد استراتيجي، ونحتاج لتغيير المنظومة، وأدلينا برأينا في اللجنة المشكلة للمناقشة برئاسة اللواء طبيب بهاء زيدان رئيس مجمع الجلاء العسكري، وتفهم الأمر، وطالبنا بتمثيل قطاع الطب البيطري في الهيئة مع الصيادلة والبشريين، كما طالبنا بتطبيق منظومة الدواء في الاتحاد الأوروبي داخل مصر، بأن يكون بها مجلس إدارة وتضم قطاع الدواء البشري يضم الأطباء البشريين والأسنان والصيادلة، والبيطري بوجود الأطباء البيطريين فيه مع الصيادلة للمشاركة في تطوير تلك المنظومة، ولم نر الصيغة النهائية للقانون حتى الآن.
# ما خطكم للمستقبل كنقيب للأطباء البيطريين أولًا، وكعميد لطب بيطري القاهرة ثانيًا؟
- كعميد لكلية طب القاهرة، يوجد مشروع كبير تم تجهيزه لتطوير كلية طب البيطري جامعة القاهرة، ويتعدى تكلفته 400 مليون جنيه، وهو مشروع عالمي، سيعمل على تغيير البنية التحتية وسيغير شكل التعليم البيطري في مصر، وهو أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي الآن، وفي حالة إقراره سوف تكون الكلية واحدة من أهم 10 كليات بيطرية في العالم.
وكنقيب للأطباء البيطريين، نطالب المسؤولين، والأهم أن يسمع هذا المسؤول، ونجتهد لتطوير منظومة التدريب، وبالفعل تم إحداث طفرة فيها الفترة الماضية، وتم تدريب 1000 متدرب في 3 شهور لأول مرة في تاريخ النقابة، ويتم تطوير المركز العلمي من خلال مشروع بقيمة 2.8 مليون جنيه في الأزبكية وينفذه جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، ومشروع ميكنة وربط تكنولوجي، ومشروع قانون الطب البيطري بالتعاون مع وزارة الزراعة وهيئة الخدمات البيطرية، لكنه حبيس الأدراج الآن، وننتظر الانتهاء من قانون الزراعة لدخولهما البرلمان.



