الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

عن صلاح "الفلاح الذي لم تبهره أضواء المدينة"

عن صلاح الفلاح الذي
عن صلاح "الفلاح الذي لم تبهره أضواء المدينة"
كتب - عبد الحليم حفينة

أنّ تحكي عن أحد الناجحين أمر يبدو يسيرًا، خاصة أن هناك ما يقال، وأيضا هناك من ينتظر ليتلقف الحكي عنهم، لكن من ذا الذي يستطيع أن يخلق حكاية مختلفة عن أحد صناع النجاح.. من يستطيع أن ينسج من الكلام عباءة تليق بأحد العظام الذين صنعوا نموذجًا للنجاح على مقاس البسطاء، قصة كفاح من شوارع المحروسة ومن طين قراها البسيطة المتناثرة في بر مصر.

 

 هنا وفي هذه المساحة الصغيرة نحاول أن نسرد القصة من بدايتها وبعين شباب مصر الحالمين بوطنٍ يسع النجاح ويدفعه ويحميه.

 

 

القصة ببساطة اسمها "محمد صلاح"، حكاية بدأت من قرية "نجريج" إحدى قرى مركز بسيون بمحافظة الغربية، قرية تشبه آلاف القرى البسيطة شحيحة الخدمات معدومة الفرص، قرية شبيهة بكل قرانا المعلقة بين حداثة المدن وبكارة الريف، النجاح فيها له ملامح مشوهة ومرتبط بجمع الثروة بشكل أساسي سواء من الغربة في بلاد الله، أو من أي مهنة تجعل من صاحبها رجلًا "كسيب" أو حتى وظيفة تجلب الستر، والاستثناءات بالطبع موجودة، ولكنها نادرة كشح الماء في صحراء قاحلة!

 

عبقرية صلاح لا تتمثل أبدًا في كونه لاعب كرة مميزًا، استطاع لفت أنظار العالم واقتناص بطولات وألقاب، سبقه إليها مئات اللاعبين المحترفين عبر تاريخ اللعبة الأكثر شعبية، لم يكن نجاح صلاح أيضا في قيمته السوقية التي يشهق البعض من "الخضة" عند سماعه قيمة الصفقات التي تلوكها وسائل الإعلام.. صلاح استطاع ببساطة أن يعيد للحياة الشخصية المصرية المكافحة المثابرة التي تشكل ملامحها قيم النبل والتواضع والكفاح ومحبة خلق الله.

 

 

 

 

لم يتوقف صلاح عند نجاحه في اللعبة، بل أصبح أكبر مروج للثقافة المصرية في التاريخ، فتجده ينشر على حسابه على موقع "انستجرام" صورة كتاب فجر الضمير الذي يحكي فيه المؤرخ الأمريكي الشهير جيمس هنري بريستد عن الحضارة المصرية كيف تشكل الضمير الإنساني بين جنبات حضارة الأجداد، وكيف نبتت الأخلاق الإنسانية على ضفاف النيل، بأخلاقه فقط محا صلاح كل ما تعلق في أذهان مشجعيه عن "الإسلاموفوبيا"، فأصبح "مو" معشوق الإنجليز بلا منازع.

 

خطا صلاح بثقة الواثق في ما يطمح إليه من نجاح، وكأنه يعرف أن أقدامه ستقوده من طرق القرية الطينية التي بدأ منها رحلته ليستقر به المقام بمدينة ليفربول؛ حيث لمع وتوهج.. لم تعقه ظروفه المادية الصعبة، أو تكبله دراسته الأكاديمية التي لم يستطع أن ينالها فاكتفى بدبلوم المدرسة الصناعية، وتعلم في طريق النجاح الإنجليزية والإيطالية، وأصبح متحدث لبق أمام وسائل الإعلام، استطاع أن يصنع نموذجه الخاص ببراعة هداف، فقدم للشباب القدوة والمثل؛ شاب بسيط يصارع الصعاب متمسكًا في طريقه بقيمه وتقاليده.

 

 

 

 كان يعرف طريقه جيدًا، وعندما بلغ المجد أبرز هويته المصرية بكل فخر، عبر عنها بأخلاقه قبل موهبته، لم تأخذه الأضواء لينسى أهله وناسه، فلم يكن صلاح كما يقال في التعبير الدارج "الفلاح الذي أبهرته أضواء المدينة" بل كان الفلاح الذي أضاء سماء العالم بتحضره ورقيه وتواضعه وتمسكه بأخلاق القرية التي ظننا يومًا أنها دفنت تحت ثوب الحداثة السميك، وثقافة السوق الذي شوهت الشخصية المصرية.

 

لم ينته الحكي بعد عن محمد صلاح، وإنما هي البداية.. فكل ما قيل سيظل الكلمة الأولى في فصول السردية التي مازال "مو" يثريها يومًا بعد الآخر.

 

 
تم نسخ الرابط