سر الإشارة الحمراء في معركة المزرعة الصينية
كتب - عادل عبدالمحسن
معركة المزرعة الصينية واحدة من المعارك التي يتذكرها المصريون بكل فخر وإعزاز
بينما تمثل كابوس يعاني منه الإسرائيليون حتى اليوم سواء ممن شارك فيها أو من أحفاد الذين قتل بها حيث كان قد أعد التليفزيون الإسرائيلي فيلمًا وثائقيًا يظهر مدى الكوابيس التي سببتها لهم تلك المعركة.
وخير من يتحدث عن هذه المعركة المقدم محمد حسين طنطاوي، قائد الكتيبة 16التي خاضت تلك المعركة، والذي تقلد لاحقا منصب القائد العام للقوات المسلحة المصرية برتبة "مشير".
ومن حسن الأجيال الحالية وجود مقطع فيديو من سنة 1981 للمشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع والإنتاج الحربي الأسبق، وهو يتحدث بصفته قائد الكتيبة "16 مشاة" في حرب السادس من أكتوبر.
وقال طنطاوي، خلال الفيديو: "بسم الله الرحمن الرحيم، العميد أركان حرب محمد حسين طنطاوي، قائد الكتيبة 16 مشاة في حرب أكتوبر، الكتيبة 16 كانت من أوائل الكتائب التي عبرت قناة السويس، بل هي عبرتها في توقيت قبل العبور بدفع عناصر اقتناص الدبابات، وكانت أحد العناصر اللي رفعت علم مصر في الضفة الشرقية قبل عبور القوات الرئيسية".
وأضاف: "لو تكلمت عن المعارك التي خاضتها الكتيبة الوقت مش هيسعفني إني أقول كل المعارك، لكن بقدر الإمكان هختار معركة من المعارك، وهاستشهد بكتاب كتبه الإسرائيليون اسمه عيد الغفران، وسأقول ما ذكروه بهذا الكتاب، وسأقول ما حدث بعدها".
الكتيبة 16المصرية تدمر قوة المظليين الإسرائيلية
وبدأ طنطاوي يقرأ فقرات من الكتاب حول إحدى المعارك التي دارت في المزرعة الصينية شرق القناة، وسرد القصة كما رواها الكتاب التي تظهر تفوق كتيبته على كتائب الجيش الإسرائيلي. ويقرأ طنطاوي من الكتاب الإسرائيلي نقلًا عن أحد القادة الإسرائيليين- وهنا الكلام على لسان القائد الإسرائيلي: على بضع كيلومترات من القناة كانت المعركة دائرة حول المزرعة الصينية والتي بدأت منذ 48ساعة تهاجم الموقع وعندما حل يوم 16أكتوبر بخسائر فادحة.
ويروي قائد القوة الإسرائيلية فيقول وضعوا أمامنا خريطة وقالوا يجب تطهير هذه التحصينات بأسرع ما يمكن وعندما تقدمت مع وحدات المظليين بضع مئات من الأمتار نحو الهدف كان في استقبالنا وابل من الرصاص وقال أحد ضباطنا قائد القوة الإسرائيلية يقصد أحد ضباطهم: حسنا كيف يمكن أن يكون بين طابورين أسرائيليين وحدة مصرية ولسوء الطالع والكلام هنا للقائد الإسرائيلي أن قوة المظليين اصطدمت مع قوة مصرية مسلحة بـ10مواقع للرشاشات ووحدتي دبابات وفصائل مزودة بصواريخ ضد الدبابات وعلى مقربة من هذا الموقع موقع ثانٍ ثم ثالث ثم رابع واحتدمت المعركة طوال ساعات الليل ولم تتمكن عناصر المظليين من الهجوم والانسحاب وقد استمرت عمليات إخلاء الجرحى طوال الليل كما أن فرق الإغاثة تعرضت أيضا لخسائر فادحة وعند الفجر كان لابد من إنقاذ ما يمكن إنقاذه بإرسال قوة مدرعة
ويقول طنطاوي: ده اللي كتبوه في كتبهم، أما من جانبا في الحقيقة في الأيام دي كان بقالي 48 ساعة مكنتش بنام، فالساعة واحدة شعرت بالهدوء، فقلت هنام شوية، وقولت لزمايلي يصحوني لو حصل حاجة، لم أكد أنام إلا نصف ساعة، وفوجئت بمن يوقظني ويقولي سماع أزيز طيارات فأخدت الموضوع على إنه سهل وقلتلهم زودوا المراقبة وبلغوا القيادة الأعلى، واستمررت في محاولة النوم".
طنطاوي: كل همي كان ميرجعش ولا فرد من أفراد القوة الإسرائيلية المهاجمة
واستطرد: "بعد ساعة صحوني مرة ثانية وقالولي إحنا شايفين في أجهزة الرؤية الليلية عناصر من القوات الإسرائيلية بتحاول تعبر حقول الألغام اللي موجودة في الموقع، وعلى الفور صحيت ورحت لأجهزة الرؤية، وأيقنت أن دول عناصر كبيرة من المشاة بتحاول تعبر الثغرة في اتجاه مواقع الكتيبة". فأديت أوامر إلى قادة السرايا بتوجيه كل الأسلحة المدفعية والهاون وجميع الرشاشات حتى الأسلحة المضادة للطائرات ووجهتها صوب القوة المتسللة.
وأمرتهم لا أحد يطلق النار إلا بإشارة حمراء مني شخصيا ثمَّ أعطى طلقة الإشارة، وفتحت جميع الأسلحة النار على القوات الإسرائيلية وعلى أساسها ذكر في كتابه أنهم لا قدروا ينسحبوا ولا قدروا يهاجموا، واستمرت ساعتين ونصف حتى الصباح وبدأ النهار ومن حسن حظ القوة الإسرائيلية أن الضباب خلى تركيز النيران عليهم مهوش بالكفاءة الكافية ما أمكنهم من سحب خسائرهم وبعض من تبقى على قيد الحياة
ويضيف طنطاوي: أنا طبعا كل همي إننا ميرجعش ولا فرد من الأفراد اللي هما جم وهذه معركة من المعارك التي خاضتها الكتيبة من يوم 6أكتوبر حتى وقف إطلاق النار
ويكفي الكتيبة فخرًا أنَّها في لحظة العبور لم تتكبد أي خسائر سوى شهيد واحد، أنا فاكر اسمه "عادل بصطالوس".
وأذكر من البطولات النقيب محمد عبد العزيز الذي استشهد على مدفع دبابات بعد استشهاد اثنين طاقمها ما اضطره يقعد مكانهما
وبيحضرني من البطولات الكثيرة وليس البطولات في الشهداء فقط هناك بطولاء لأحياء كان في قائد سرية اسمه عبد العزيز بسيوني يوم 14أكتوبر وقلت له عد الدبابات يا بسيونى قلى أعداد الدبابات كتيرة وأنا مشغول ومقدرش أعدهم قلت له طيب أنا هعاونك بالمدفعية ومتخليش أي دبابة تعبر حتى لا تطوقنا قالى متخفش يا أفندي لن تعبر أي دبابة إلا على جثتي وجثة 100واحد معايا
معركة المزرعة الصينية بلسان الإسرائليين
وكان التليفزيون الإسرائيلي قد أعد فيلمًا وثائقيًا يظهر مدى ما يعاني منه الإسرائيليون الذين شاركوا في هذه المعركة وذلك بعد مرور 25 عامًا على حرب أكتوبر عام 1973
يقول معد الفيلم: كل ما أتذكره عندما كنت طفلًا يبلغ من العمر 9 سنوات.. أمى التي كانت تبكي في المطبخ عندما تم الإعلان عن أسماء القتلى والمفقودين، ووالدى الذي عاد من الجبهة بعد فترة طويلة
وكان يعاني من كوابيس تؤرقه طوال الليل.. كان يحلم بسيناء وأصدقائه الذين تم دفنهم هناك في الرمال ولحسن حظه وحظنا أنه نجا بمحض الصدفة من سيارته وهكذا ظل على قيد الحياة بعد معركة المزرعة الصينية في ليل يوم 15 أكتوبر 73.. هذه قصة كتيبة مظلات احتياط كان أفرادها في عام 1973 بالغين وكبارا ولديهم عائلات لكن بصفتهم ثعالب حروب محنكين بدءوا في البحث عن الحرب وقد قابلوها مؤخرا بقوة وثمن لم يعرفوهما من قبل وحتى وقتنا هذا لم يتحدثوا مع أحد عما حدث لهم في تلك الليلة كما لو أنه صندوق أسود ظل مغلقًا حتى الآن في الوعي الإسرائيلي العام.



