الإثنين 22 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

الفدائي يقتحم حصن العدو.. وأحشاؤه في يده

الفدائي يقتحم حصن
الفدائي يقتحم حصن العدو.. وأحشاؤه في يده
كتب - عادل عبدالمحسن

اعبروا فوقي.. اصعدوا لأعلى وأكملوا عملكم.. طهروا النقطة

 

يعز على النفس أن تمر ذكرى العاشر من رمضان دون أن نكتب عن بطولة الشهيد العقيد محمد زرد، كان من المفترض أن يتم إعداد تقرير في يوم استشهاده كما اتبعنا هذا الأسلوب، لكن خطأ منا قد وقع ولا يجب التمادي فيه بعدم ذكر بطولة هذا المقاتل الذي ضرب أروع المثل في البطولة والفداء، هذه مقدمة لابد منها.

كانت القيادة العامة للقوات المسلحة بمنطقة العمليات قد كلفت السرية الأولى من كتيبة الشهيد العقيد محمد زرد بتنفيذ عملية اقتحام وتدمير النقطة الحصينة 149 التي سبق لها التدريب على تنفيذها مرات عديدة قبل السادس من أكتوبر. وتحدد للتنفيذ الساعة الثانية والثلث من يوم 6 أكتوبر ومع بدء الضربة الجوية التي افتتحت مجريات المعركة، ومع التمهيد النيراني للمدفعية المصرية المركزة بدأ التنفيذ بدفع مجموعات اقتناص الدبابات التي كانت أسبق من العدو في احتلال مصاطب الدبابات حول النقطة. وعندما وصلت احتياطيات العدو القريبة من المدرعات كان أبطال مصر من رجال اقتناص الدبابات المترجلين في صبر ورباطة جأش في انتظارهم بصواريخهم الموجهة، فتم تدمير ثلاث دبابات، ما أدى إلى فرار باقي الدبابات وانسحابها شرقًا.

كانت المسافة بين خندق زرد ورجاله وبين النقطة الحصينة لا تتعدى المائة متر لكنها منطقة مكشوفة وشديدة الخطورة. وبنى زرد خطته على التقدم بمفرده إلى منتصف المسافة زاحفا ثم ينهض ويركض بأقصى سرعة إلى دشمة العدو. وبالفعل بدأ الشهيد في الزحف لأعلى بأقصى ما يملك من قوة وهو لا يملك سوى عدد قليل من القنابل اليدوية وسلاحه الشخصي مسدس من عيار 9 مم. وعند منتصف المسافة تقريبا نهض زرد وبيديه قنبلتان كان قد نزع فتيلهما وركض في اتجاه دشمة العدو وألقى قنبلته الأولى في المزغل الأول. ثم اتجه بسرعة إلى المزغل الآخر ليلقي فيه بقنبلته الثانية ليسكت هذا الرشاش اللعين لكن بعدما أصيب بدانة في بطنه، ويهوي البطل بجسده على فتحة المزغل وهو يضغط بكف يده على أحشائه ليعيدها إلى مكانها ويلتفت البطل إلى جنوده وينادي عليهم بصعوبة بالغة:

·  اعبروا فوقي.. اصعدوا لأعلى

·  أكملوا عملكم طهروا النقطة

وأخيرا أمر المقاتل سمير رجاله بنقل قائده الجريح وبالفعل تم نقله على وجه السرعة غرب القناة في محاولة لإنقاذ حياته، وفي مستشفى السويس فعل الأطباء كل ما في وسعهم لإنقاذ البطل لكن شاءت إرادة الله أن ينال أعلى مرتبة يسعى إليها كل مقاتل الشهادة وقد نالها ليكون إلى جوار ربه إن شاء الله في منزلة عالية تليق بفدائيته وتضحيته ففاضت روحه إلى بارئها وتكتمت القيادة نبأ وفاته نظرًا لشهرته الواسعة في ذلك القطاع.

يذكر أنه بعد عبور القوات المسلحة المصرية لقناة السويس أضخم مانع مائي عرفه التاريخ وقف خط برليف المحصن حاجزا أمام عبور القوات المصرية إلى قلب سيناء إلا أن الهجوم الكاسح أسقط كل هذه الحصون إلا نقطة واحدة بقيت مستعصية على السقوط في أيدي القوات المصرية.

وكانت هذه النقطة محصنة بطريقة فريدة وقوية ويبدو أنها كانت مخصصة لقيادات إسرائيلية معينة.. وفشلت المجموعة المصرية في اقتحام هذه النقطة المشيدة من صبات حديدية مدفونة في الأرض.. ولها باب صغير تعلوه فتحة ضيقة للتهوية.. وكان يقلق المجموعة المكلفة بالتعامل مع هذا الحصن أن الإعلام المصرية أصبحت ترفرف فوق جميع حصون برليف بعد سقوطها عدا هذا الموقع الصامد الذي فشلت معه كل الأساليب العسكرية للفرقة المواجهة له.

وإذا بالأرض تنشق عن العقيد محمد زرد يجري مسرعا تجاه جسم الموقع متحاشيا الرصاص الإسرائيلي المنهمر بغزارة من الموقع ومن ثم اعتلاه وألقى بقنبلة بداخله عبر فتحة التهوية وبعد دقيقتين دخل إلى داخل الحصن من نفس الفتحة وسط ذهول فرقته التي كان قائدا لها، وخلال انزلاقه بصعوبة من الفتحة الضيقة وجه له الجنود الإسرائيليون من داخل الموقع سيلا من الطلقات النارية أخرجت أحشاءه من جسده، وفي هذه اللحظات تأكدت فرقته من استشهاده.

وما هي إلا ثوان معدودة وإذا بباب الحصن يفتح من الداخل ويخرج منه العقيد محمد زرد ممسكا أحشاءه الخارجة من بطنه بيده اليسرى واليمنى على باب الحصن تضغط علية بصعوبة لاستكمال فتحه.

واندفع الجنود المصريون إلى داخل الحصن وأكملوا تطهيره، ثم حمل الجنود قائدهم زرد إلى أعلى الحصن وقبل أن يتم نقله إلى مستشفى السويس يلمس البطل علم مصر وهو يرتفع فوق آخر حصون خط برليف أقوى حصون العالم في التاريخ العسكري وفي المستشفى يفارق الحياة بطلا نادر التكرار.

 

تم نسخ الرابط