على دقات الطبول "خسوف القمر" في الفلكلور الشعبي المصري
كتب - عبد الحليم حفينة
على دقات الطبول وعلب الصفيح في شوارع القرى والحواري اعتاد المصريون منذ زمنٍ بعيد أن يخرجوا مبتهلين أن يزيح الله الهمة ويزيل "خنقة" القمر، وهو التفسير الشعبي العفوي لظاهرة خسوف القمر فيخرج الأولاد الصغار وهم ينشدون الأهازيج شعبية:
يا بنات الحور سيبوا القمر ينور
وقولهم:
يا رب إحنا عبيدك يا رب
والأمر بإيدك يا رب
وقولهم:
يا بنات يا حور الجنة
ما تسيبوا القمر يتهنى
ربما يرى المتأمل في هذه الظاهرة أنها محض مشاهدة عينية وتفسير عفوي بعيدا عن العلم لظاهرة خسوف القمر، لكن المتأمل في دقائق الأمور يدرك أن للحكاية أصلا فلكلوريا تاريخيا يعود لقرونٍ بعيدة من الزمن، فلماذا اقترن اسم "حور" بالبنات في الأهازيج التي يرددها الصبية والفتيات عند الخسوف، وللوهلة الأولى قد يظن البعض أن هذه الأهازيج ترتبط بالتراث الإسلامي كونهم يقولون في إحداها "يا بنات يا حور الجنة"، لكن الأمر أبعد من ذلك أيضا، فيعود إلى تاريخ مصر القديمة تحديدًا قبل عصر الأسرات.
و"حور" في الديانة المصرية هو إله يرمز له بالصقر، فقد اعتاد المصريون القدماء أن يقدسوا الحيوانات والطيور، وظل "حور" مقدسًا في الدلتا حتى توسعت عبادته بعد عهد الأسرات، فكان أحد آلهة الثالوث المقدس، (أوزير، إيزه، حور)، ويعتبر هذا الثالوث أحد أهم أساطير الديانة المصرية القديمة، فقد انتقم "حور" من عمه "ست" إله الشر والعواصف والرياح عند المصريين القدماء، وكان الخلاف شديدًا بين الإلهين حور وست، واشتد بينهما القتال وقامت حروب عنيفة، فكان حور كلما أراد أن يهوي بخصمه فيقذف به إلى الأرض وقد أمسك بخصيتيه فيربد وجهه ويتغير لونه، ويحاول أن يتخلص من خصمه.
وعندما يرى شعب مصر تغير لون القمر يدركون أن الإله "حور" يحاول أن يقتل غريمه فيفزعون إليه بالصلوات والترتيلات يناجونه ملتمسين أن يترك الإله "ست" فيتركه حور استجابة لرغبة الشعب، وفي روايات أخرى أن الإله "حور" كان يحاول أن يأكل غريمه، ولكن ذلك لا يدوم إلا قليلاً لأن دعاء الناس وغضب الآلهة الآخرين لا يلبثان أن يضطرا حور إلى أن يعيده إلى الحياة مرة أخرى.
ويمكن اعتبار أسطورة حور والثالوث المقدس هي منبت الأهازيج الشعبية، لكن التراث الإسلامي ألقى بظلاله أيضا على تلك الأناشيد، فتم ربط "حور" بالبنات يعود إلى القرآن الكريم عند ذكره لحور الجنة فربط العامة في مصر بين بنات الحور وحور الجنة، بقولهم "يا بنات يا حور الجنة ما تسيبوا القمر يتهنى"
ومن التاريخ المصري بمراحله المختلفة بداية من عصور ما قبل الأسرات وبعدها مرورًا بالتاريخ الإسلامي يأتي تأثر المصريين بالأهازيج التي ما زال يرددها الصغار في جميع نواحي مصر المحروسة.



