عودة مخطوط "الكافيجي" بعد 50 عامًا من سرقته.. صور
كتبت - كاميليا عتريس
نجحت مصر من استعادة مخطوط نادر للكافيجي محمد بن سليمان، الذي تجاوز عمره ٥٠٠ عام، والذي يحمل عنوان "المختصر في علم التاريخ" من بريطانيا بعد مفاوضات موسعة مع صالة "بونهامز" للمزادات، حيث تعرض للسرقة في السبعينيات من القرن الماضي، مما يفتح ملف عودة كل أمهات الكتب والمخطوطات والوثائق المسروقة، والتي خرجت من مصر دون وجه حق.
بعد مناشدة اتحاد الآثاريين العرب برئاسة د. محمد الكحلاوي في شهر إبريل الماضي لوقف بيع جزء من أحد المخطوطات التاريخية المهمة ذات القيمة الثقافية والتراثية المعروض في صالة المزادات "بونهامز"، مؤكدًا أنه كتب هذا المخطوط في حياة مؤلفه "محيي الدين الكافيجي" 867هـ، وهو من المخطوطات القديمة المسجلة رسميًا. تحركت دار الوثائق القومية للمطالبة بعملية وقف البيع الفوري، وقامت بتقديم كافة الوثائق التي تثبت ملكية مصر للمخطوط.
.jpg)
بعدها تحركت وزارة الخارجة المصرية للمطالبة بعودة المخطوط إلى مصر بعد تسليم نسخ مصورة من فهرس دار الكتب المثبت فيه عنوان المخطوط ورقمه بالإضافة إلى محضر الشرطة المحرر وقتها، واستمرت المفاوضات لمدة خمسة أشهر مع صالة المزادات ومع حائز المخطوط حتى عاد إلى مصر في ١٣ يوليو الماضي.
وبعد أكثر من ثلاثة أسابيع وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته د. إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة بمرافقة د. هشام عزمي رئيس مجلس إدارة دار الوثائق القومية أعلنت عند إيداع المخطوط بدار الكتب والوثائق القومية بعد رحلة استمرت أكثر من خمسين عام وأن المخطوط النادر الذي تمت كتابته يعد تأليفه بثمانية أيام فقط من كتابته في حياة صاحبه الكافيجي يعد جزءا من تراث مصر الفكري والثقافي، وكان لابد المحاربة من اجل عودته إلى الوطن مرة أخرى.
في حين أوضح "عزمي" أن رحلة المفاوضات استمرت أكثر من ثلاثة أشهر بالرغم انه يرى أن عودة المخطوط لم تكن مضمونة أو مؤكدة ووصفها بأنها: "الأولى من نوعها"، وأشار أن مصر تدخلت قبل يومين فقط من البيع ونجحت في وقف العملية في يوم ٢٦ إبريل الماضي. وأكد أن النسخة المعروضة للبيع هي نفس النسخة التي كانت في حيازة دار الكتب وتحمل ختم الكتبخانة الخديوية، وأن تاريخ النسخ والانتهاء منه في ١٦ رجب هو نفس التاريخ المدون على النسخة المفقودة من مصر، كلها دليل على ملكية مصر للمخطوط.
وأشار "عزمي" إلى أن الشخص الذي حاول بيع المخطوط هو من ورثة الصاحب الأصلي وأن جده كان كثير السفر، وأنه اشترى المخطوط دون أن يثبت عملية الشراء.
وأوضح أنه تلقى رسالة من عائلة ورثة المخطوط يعبرون فيها عن رغبتهم في التخلي عن المخطوط لصالح مصر. وبعدها أصدرت "عبد الدايم" لسفر "عزمي" لاستلام المخطوط بنفسه ليعود بعدها المخطوط النادر إلى مصر.
وأكد "عزمي" أن وزارة الثقافة بصدد تنفيذ مشروع متكامل لحماية ما تملكه مصر من وثائق ومخطوطات، وأن المشروع يشمل رقمنة كل الوثائق حتى يكون اطلاع الباحثين على نسخ على ميكروفيلم فقط وليس الأصلي.
والمعروف أن صاحب المخطوط النادر هو الكافيجي محمد بن سليمان بن مسعود الحنفي من أصل رومي، لكنه عاش في القاهرة بمصر في العصر المملوكي أيام الأشرف برسباي (825 ـ841هـ)، فظهر علمه في زمنه، ومن أبرز تلاميذه الإمام السيوطي، ولذلك ولي المشيخة بتربة الأشرف، ثم ولي أيضًا مشيخة الشيخونية لما تركها ابن الهمام، وانتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر. ومن مؤلفاته "شرح قواعد الإعراب"، و"شرح كلمتي الشهادة"، وله مختصر في علوم الحديث، ومختصر في علوم النفس.
.jpg)
وكان الكافيجي كما تذكره كتب التاريخ: "صحيح العقيدة في الديانات، حسن الاعتقاد في الصوفية، محبًا لأهل الحديث، كارهًا لأهل البدع، كثير التعبّد على كبر سنه، كثير الصدقة والبذل، لا يبقي على شيء، سليم الفطرة، صافي القلب، كثير الاحتمال لأعدائه، صبورًا على الأذى، واسع العلم جدًا". وقد ذكره تلميذه السيوطي قائلا عنه: "كان الكافيجي شيخًا إمامًا من كبار العلماء في المعقولات كلّها: الكلام، وأصول اللغة، والنحو والتصريف والإعراب، والمعاني والبيان، والجدل والمنطق والفلسفة، والهيئة، بحيث لا يشقّ أحد غباره في شيء من هذه العلوم، أضف إلى ذلك أنه كان له اليد الحسنة في علوم أخرى مثل الفقه والتفسير والنظر في علوم الحديث والتأليف فيه". ومن أقوال السيوطي في الكافيجي: "لزمته أربع عشرة سنة، فما جئته من مرة إلا وسمعت منه من التحقيقات والعجائب ما لم أسمعه قبل ذلك، قال لي يومًا: أعرب: زيد قائم، فقلت: قد صرنا في مقام الصغار، ونُسأل عن هذا! فقال لي: في (زيد قائم) مئة وثلاثة عشر بحثًا، فقلت: لا أقوم من هذا المجلس حتى استفيدها، فأخرج لي تذكرته فكتبتها منها. وما كنت أعدّ الشيخ إلا والدًا بعد والدي، لكثرة ما له على من الشفقة والإفادة، وكان يذكر أن بينه وبين والدي صداقة تامة، وأن والدي كان منصفًا له، بخلاف أكثر أهل مصر".
والمعلوم أن دار الوثائق القومية تعتبر من أعرق وأكبر الأرشيفات التي تحتفظ بمجموعات وثائقية هي الأندر على مستوى العالم ,أنشأها محمد على باشا عام 1828 تحت مسمى "الدفترخانة" لنصبح أقدم مؤسسة ثقافية تعني بحفظ ذاكرة مصر التاريخية ,وفي عام 1932 أنشأ الملك فؤاد الأول قسم المحفوظات التاريخية بقصر عابدين، ثم صدر قانون 356 لسنة 1954 الذي حدد وظيفتها في جمع الوثائق وحفظها ونقلها من قصر عابدين إلى مبنى المخصص لها بالقلعة حتى جاء عام 1990 لتنتقل إلى مبناه الموجود على الكورنيش وفي عام 1993 تم إعلانها كهيئة مستقلة تضم دار الكتب والوثائق القومية وفصلها عن الهيئة العامة للكتاب، ومن المعروف أن دار الوثائق القومية لعبت دور تاريخي في إثبات الحقوق المصرية في عدد من القضايا الدولية مثل قضية تأميم قناة كالسويس، مشكلة طابا، إلى جانب وجود وثائق الحملة الفرنسية على مصر عام ،1789 الاحتلال الإنجليزي 1882، وثورة 1919 علاوة على إنها تحوي 158 ألف دورية عربية وأجنبية أقدمها صحف نابليون بونابرت أثناء حملته على مصر والشام.
وفى تصريح لـ"بوابة روزاليوسف"، قالت وزيرة الثقافة إنه سيتم افتتاح دار الكتب والوثائق القومية باب الخلق قريبًا، وتكون هذه المخطوطة العائدة ضمن المعروضات المهمة.



