أسئلة مهمة حول تظاهرات هونج كونج.. إلى أين تصل ولماذا كل هذه الضجة؟
كتبت - هدى المصرى
تتجه بعض الآراء حول تقييم ما يحدث الآن من تخريب وعنف وفوضى غير مسبوقة في "هونج كونج"، إلى كون الاحتجاجات التي تأججت في يونيو الماضي مدفوعة بتحريض أطراف خارجية، تهدف إلى نقل الفوضى إلى الأراضي الصينية وخلق مزيد من التوترات في منطقة بحر الصين الجنوبي.. ويتساءل كثيرون: إذا كان هروب شاب قد ارتكب جريمة قتل في تايوان إلى هونج كونج هو حدث جنائي في الأساس وليس سياسيا أو حقوقيا.. فلماذا كل هذه الضجة؟
لماذا كل هذا الغضب تجاه بكين، على الرغم من أن الجريمة ارتكبت في تايوان؟ ولماذا يرفض المحتجون تسليم الجناة إلى الصين بالرغم من أن هونج كونج تقيم معاهدات لتسليم المجرمين مع دول أخرى كأمريكا وبريطانيا وسنغافورة وماليزيا وغيرهم؟ لماذا يتسع نطاق الاحتجاجات يوما بعد يوم رغم تعليق حكومة هونج كونج مشروع قانون تسليم الجناة إلى بكين– (السبب الذي انطلقت لأجله التظاهرات)- ولماذا يسعى المحتجون إلى استفزاز قوات الشرطة ومحاصرة مقراتها ومقرات الحكومة والبرلمان؟
التشابه الكبير بين الاحتجاجات التي تشهدها هونج كونج في الآونة الراهنة من جانب، وما شهدته مناطق أخرى في العالم في السنوات الماضية من جانب آخر، يطرح العديد من التكهنات حول دور القوى الأجنبية، في تأجيج الأوضاع داخل هونج كونج، خاصة وأن التشابه لا يقتصر على مجرد الاشتباكات بين الشرطة والمحتجين، أو تحول المظاهرات إلى أعمال عنف وتخريب وتعدى على المؤسسات العامة، وإنما يمتد إلى تصعيد الأزمة واتساع المطالب فقد اندلعت الاحتجاجات في بداية الأمر بسبب الاعتراض على مشروع قانون لتسليم المجرمين إلى الصين، حيث أحتد المعارضون أن يتسبب هذا القرار في إرسال المواطنين عبر الحدود إلى الصين، لتتم محاكمتهم هناك– مع العلم أن هونج كونج لديها معاهدات لتسليم المجرمين مع 20 دولة.
وبعد ذلك دفعت شدة الاحتجاجات الرئيسة التنفيذية الحالية لهونج كونج، كاري لام إلى الإعلان عن تعليق المشروع.
إلا انه وبالرغم من تعليق مشروع القانون، ومحاولات حكومة هونج كونج بكل الوسائل الممكنة امتصاص غضب المتظاهرين وأغلبهم من الشباب، لا تزال موجة الغضب مُستمرة بل وأرتفع سقف المطالب لتشمل المزيد من الأمور، والتي أبرزها استقالة كاري لام نفسها رغم تأكيداتها على اتخاذ الكثير من الإجراءات لضمان عدم المساس باستقلالية قضاء هونج كونج وان القانون سوف يستثنى أي شخص عقوبته أقل من سبع سنوات ومن قد يعاقب بالإعدام كما أنه لن يتم ترحيل أي معارض سياسي أو ديني أو أي شخص يظهر انه ليس ذا كفاءة قضائية أو قانونية مع الالتزام بمراعاة الشروط الدولية لحماية حقوق الإنسان.
ولكن كشفت التطورات المتلاحقة على الأرض رغبة بعض المحتجين في التصعيد وانتهاج العنف في مقابل الهدوء والحكمة وأعلى درجات ضبط النفس التي تتبعها كلا من حكومتي بكين وهونج كونج في سياساتهما حيال المسألة.
في إلى جانب اقتحام البرلمان ومقر الحكومة، أعلنت شرطة هونج كونج، عثورها مؤخرًا على مصنع للمتفجرات في المدينة إلى جانب منشورات مؤيدة للاستقلال عن الصين.
كل هذا يطرح العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت هناك أيادٍ أمريكية بريطانية تدفع متظاهري هونج كونج نحو هذا المنحدر، بالتزامن مع التطورات التي تشهدها منطقة بحر الصين الجنوبي والممارسات الغربية المعادية لبكين ومحاولة عرقلة تقدمها الاقتصادي والتكنولوجي.
ويعد الحديث عن دور أمريكي بريطاني محتمل في التظاهرات الحالية، والتي حولت الساحات الرئيسية في هونج كونج إلى حالة من الفوضى، لا يرجع فقط للدور الذي سبق وأن لعبته واشنطن من خلال قيامها بدعم نشطاء الفوضى في العديد من دول العالم، سواء في منطقة الشرق الأوسط أو أوروبا أو منطقة شبه جزيرة القرم، وذلك في إطار محاولاتها، لتحقيق أهدافها وفرض أجنداتها الدولية، وتحقيق رؤيتها على حساب أمن واستقرار الدول ولكن أيضا لأن الصين، أصبحت بالنسبة إلى ترامب، أكبر مشكلة وصارت تشكل تهديدًا أكبر حتى من روسيا باعتبارها المنافس الاقتصادي الأول لأمريكا. أما بريطانيا الحليفة فهي إلى جانب مصالحها الاقتصادية في هونج كونج- المستعمرة البريطانية السابقة- لا تريد الاعتراف بهزيمتها ونرى بأعيننا أن الأيادي البريطانية لا تزال تعبث في كل الدول التي كانت واقعة تحت احتلالها.
من هنا يمكن القول، بأن التخطيط لاتساع نطاق المظاهرات، لتصبح غير قاصرة على هونج كونج وإنما لتمتد إلى أراضي صينية اخرى سيناريو طبيعي ومتوقع متسق استراتيجيا مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورؤيته منذ حملته الانتخابية وما قبل توليه للحكم، كما يتفق مع أطماع لندن الاقتصادية وعدم قبولها التخلي عن أمجاد الإمبراطورية التي غابت عنها الشمس.
فالأجندة السياسية لهاتان الدولتان هي نقل الفوضى إلى هونج كونج وغيرها من الأراضي الصينية وخلق مزيد من التوترات في منطقة بحر الصين الجنوبي ورفع ملف حقوق الإنسان في وجه بكين- بالرغم من تأكيدات منظمة العفو الدولية خلال السنوات الماضية على تماشي معدلات حقوق الإنسان في الصين مع الشروط الدولية بشكل كبير.
وذلك ردا على زعامة الصين وتقويض طموحاتها الاقتصادية وخاصة فيما يتعلق بمشروعها العملاق- الحزام والطريق- فإن ما يحدث في هونج كونج الآن هو جزء من المؤامرة الأمريكية البريطانية التي تستهدف الضغط بإن دولة كبرى مثل الصين التي تمكنت من بناء إمبراطوريات في دول آسيوية وإفريقية وحتى أوروبية تحدث تلك الفوضى في أراضيها.. رغبة منهما في إيذاء بكين وعرقلة شراكتها مع الكثير من الدول التي قدمت لهم الصين الكثير من المساعدات والدعم، دون أن تتبنى سياسة فوقية إزاءهم أو تعرقل وصول تقنيات التكنولوجيا إلى تلك الدول مثلما فعلت أمريكا.



