الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

خبراء تونسيون : خارطة سياسية جديدة تتشكل مع تعديلات دستورية مرتقبة

خبراء تونسيون : خارطة
خبراء تونسيون : خارطة سياسية جديدة تتشكل مع تعديلات دستورية
كتب - ا.ش.ا

مع انطلاق الجلسة العامة بمجلس نواب الشعب التونسي، صباح اليوم الجمعة، للتصويت على منح الثقة للحكومة التي شكلها الحبيب الجملي بعد مشاورات شاقة، تبدو ملامح خارطة سياسية جديدة تتشكل بعدما انتهت أغلب الأحزاب والكتل البرلمانية من إعلان موقفها النهائي بشأن هذه الحكومة التي تضم 28 وزيرا و14 كاتب دولة. 

وأعلنت أغلب الأحزاب والكتل السياسية رفضها التصويت لصالح الحكومة، وآخرها كان حزب "قلب تونس" ثاني أكبر الأحزاب الحاصلة على مقاعد بالبرلمان التونسي “38 مقعدا"، والذي حسم موقفه بشكل نهائي، بعد ساعات من المشاورات انتهت في وقت متأخر من مساء أمس الخميس بالرفض التام للتصويت لهذه الحكومة، ولم يتبق سوى ائتلاف الكرامة “20 نائبا” والذي لم يعلن موقفه بعد رغم قرب انطلاق جلسة التصويت، لكنه ألمح أمس إلى ارتباطه بقرار "قلب تونس".

ورأى "قلب تونس" أن عدم استقلالية عدد من الوزراء الذين تم اقتراحهم، وعدم تحييد وزارات السيادة، وعدم وجود برنامج وطني واضح يتناسب مع دقة المرحلة، إضافة إلى تضخم عدد الفريق الحكومي بما لا يتناسب مع السياسة العامة في الحد من المصاريف واعتماد الحوكمة الرشيدة، هي الأسباب التي دفعته إلى هذا القرار، مجددا انفتاحه على كل الأحزاب السياسية في المرحلة المقبلة.

وقال رئيس الحزب نبيل القروي، إن حزبه لا يمكن أن يكون شاهد زور، ولا يمكن لحزب يتحصل على 25 بالمائة فقط من مقاعد البرلمان أن يتغول في المشهد السياسي، وحمل حركة النهضة مسؤولية المنهجية الخاطئة في اختيار تشكيل الحكومة، مشددا على أن حزب قلب تونس "لا يمكن أن يسلم النهضة صكا على بياض".

وبحسب الدستور التونسي، فإنه في حالة عدم حصول الحكومة على ثقة البرلمان، يجري رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام، مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف "الشخصية الأقدر" من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر، وهو الخيار الدستوري الثاني الذي بدأ بالفعل قبيل التصويت على هذه الحكومة بحسب محللين سياسيين تحدثوا عن مرحلة جديدة انطلقت في تونس وستشهد تغيرات جذرية وعميقة في المشهد السياسي.

ويرى مراقبون أن اللجوء إلى هذا المسار أفضل بكثير من الذهاب إلى الخيار الثالث دستوريا الذي سيكلف البلاد ما لا تتحمله، وهو أن يحل رئيس الجمهورية البرلمان ويدعو إلى انتخابات تشريعية جديدة في حال مرور أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة.

وفي حديث لوكالة أنباء الشرق قال الخبير في الشؤون السياسية محمد صالح العبيدي، إن حكومة الحبيب الجملي لم يبق لها نظريا إلا كتلة حركة النهضة “54 نائبا” وهو ما لا يكفي لمنح الثقة في حكومة الحبيب الجملي التي تحتاج وفقا للدستور إلى الحصول على موافقة الأغلبية المطلقة من الأعضاء، أي 109 أصوات.

وأشار العبيدي إلى أن ما جرى من مشاورات خلال الساعات الأخيرة قبل التصويت على الحكومة، هي للتحضير لما بعد حكومة الجملي والانتقال إلى الخيار الثاني المسمى إعلاميا بـ"حكومة الرئيس"، والتي يقوم خلالها الرئيس قيس سعيد وفقا للدستور بتكليف "الشخصية الأقدر" من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر. 

وأوضح العبيدي أن حكومة الحبيب الجملي هي وفقا للدستور من طرح حزب "حركة النهضة" التي حصلت على المركز الأول في الانتخابات التشريعية ولكنها فشلت في التوافق داخل المشهد السياسي، وأصبحت عنصرا سياسيا منفرا لأي عملية تحالف معها.

وأضاف أن غياب الرؤية والبرنامج الواضح للحكم، يجعل من الأطراف السياسية تفكر ألف مرة قبل الدخول في مفاوضات أو مشاورات في هذه الحكومة، مستشهدا بـ "التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب"، في رفضهما بشكل قطعي الدخول في تحالف مع حركة النهضة.

ورأى المحلل السياسي التونسي في حديثه لـ"أ ش أ" أن لقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد، ورئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي، قبل أيام يدل على أن خارطة سياسية جديدة تتشكل سيكون فيها "قلب تونس" ضمن المعارضة وسيتم عزل حزب "حركة النهضة" سياسيا، مشيرا إلى ما صرح به القروي أمس الخميس بأنه سيعمل ضد تغول "حركة النهضة".

من جانبه، قال الصحفي والمحلل السياسي التونسي أيمن العبروقي، إن الانتقال إلى المسار الثاني في مسار تشكيل الحكومة وفقا للفصل الـ”89” من الدستور، هو السيناريو الأقرب، والمتمثل في اختيار الرئيس لشخصية أخرى لعرضها على البرلمان الذي إذا لم يمنحها الثقة هي الأخرى سيكون الرئيس مجبرا على حل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية جديدة.

وأضاف العبروقي في حديث لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أن ما يسمى بـ"حكومة الرئيس" هي مصطلح إعلامي غير موجود بالدستور ولكنه يلخص حالة دستورية يكلف خلالها الرئيس شخصية بعد التشاور مع الأحزاب، وقد افتعلت هذا الاسم "حركة الشعب" لاستغلال شرعية الرئيس الذي انتخبه الشعب التونسي مباشرة بنسبة 70%. 

وعلق العبروقي على لقاء نبيل القروي ويوسف الشاهد والذي اعتبر أنه "إذابة الجليد" بعد عداء واضح بمعنى الكلمة، مشيرا إلى أنه بحسب مصادر فإن القروي اقترح على الشاهد عدم التصويت على حكومة الحبيب الجملي مع تعهد يوسف الشاهد بعدم التقدم لأي منصب في الحكومة وهو ما أعلنه الشاهد وأكد أن مهمته في الفترة المقبلة هي ترتيب بيت "تحيا تونس" وتوحيد صفوف العائلة الوسطية.

ورأى المحلل السياسي التونسي أن توحيد صفوف العائلة الوسطية انطلق بالفعل مع إذابة الجليد بين حزب "قلب تونس" وحزب "تحيا تونس"، مشيرا إلى أن الفترة المقبلة ستشهد توافقات بين العديد من الأحزاب التي تشترك في نفس الرؤى، مؤكدا أن العديد من أعضاء "قلب تونس" كانوا سابقا أعضاء في "تحيا تونس"، وأن الشاهد والقروي كانا زميلان في "نداء تونس" في عام 2014 و2015، وهو ما يدل على ولادة خارطة سياسية جديدة قريبا.

وكان الرئيس التونسي قال أول أمس الأربعاء إن الوقت حان لمراجعة القانون الانتخابي والدستور وإن الوضع الحالي يجب أن ينتهي حتى تصل إرادة الشعب إلى مرتبة القرار، مشيرا إلى أن تونس دخلت مرحلة جديدة في التاريخ.

وتعليقا على دعوة قيس سعيد، قال أستاذ القانون الدستوري، أمين محفوظ، في مداخلة مع التلفزيون الوطني التونسي، مساء أمس الخميس، إنه ينادي منذ سنوات بتعديلات في الدستور، خاصة في العلاقة بين السلطات التشريعية والتنفيذية، مشيرا إلى أن القانون الانتخابي هو أكثر ما يحتاج إلى إعادة النظر حيث تبنى التمثيل النسبي الذي قدم لتونس برلمانا "فسيفسائي التركيبة".

وذكر الفقيه الدستوري أنه إلى جانب "الآجال الدستورية" يكون الإشكال الأكبر في الدستور الحالي هو غياب المحكمة الدستورية، مطالبا بإنشاء محكمة دستورية في أي تعديلات مرتقبة، مرحبا بكون الرئيس التونسي من المساندين للتعديلات الدستورية التي رأى أنه يجب أن يسبقها مقترحات وتقديم حلول وعدم الاكتفاء بالنقد فقط.

وأضاف أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، أن المرحلة التالية عقب فشل الحكومة في نيل ثقة البرلمان ستكون الذهاب إلى "مرشح الرئيس" وليس "حكومة الرئيس" التي سيكون فيها قيس سعيد مجبرا وفقا للدستور على التشاور مع الأحزاب لاختيار شخصية جديدة بعدما يفشل مرشح الحزب الفائز بأكثر مقاعد البرلمان في نيل ثقة النواب.

 

تم نسخ الرابط