عصام شيحة يكتب "الاتجار بالبشر.. عار الحضارة الحديثة"
بغرض دعم وتعزيز التنمية البشرية، وتحقيقًا لقيم السلم والأمن، اعتمدت الأمم المتحدة عام 2010 خطة عمل عالمية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، وحثت الحكومات كافة على اتخاذ تدابير مُنسقة ومُتسقة لمحو جريمة تاريخية لطالما شكلت ماضيًا مُخزيًا للبشرية، لم تبرأ منه بعد للأسف. وأوصت الخطة بإدراج مكافحة الاتجار بالبشر في برامج الأمم المتحدة. وفي هذا الإطار تم إنشاء صندوق الأمم المتحدة للتبرع لضحايا الاتجار في البشر، خاصة من النساء والأطفال.
وفي اجتماع عُقد عام 2013 لتقييم خطة العمل الأممية لمكافحة الاتجار في البشر، اعتمدت الدول الأعضاء قرارًا يعتبر يوم 30 يوليو من كل عام يومًا عالميًا لمناهضة الاتجار بالأشخاص. ما مثل إعلانًا عالميًا عبر بقوة عن حتمية زيادة الوعي بحالات الاتجار بالأشخاص، وزيادة الشعور بالمسؤولية عن معاناة الضحايا، وضرورة تعويضهم، وتعزيز حقوقهم وحمايتها.
وقد اعتمدت الأمم المتحدة تعريفًا واسعًا لكل أشكال تلك الجريمة الإنسانية المُهينة للعالم المعاصر؛ إذ جاء في المادة 3 فقرة (أ) من بروتوكول خطة العمل العالمية لمكافحة الاتجار بالبشر: "تجنيد الأشخاص أو نقلهم وتحويلهم أو إيوائهم بدافع الاستغلال أو حجزهم للأشخاص عن طريق التهديد أو استخدام القوة أو أي من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو الابتزاز أو إساءة استخدام السلطة أو استغلال مواقف الضعف أو إعطاء مبالغ مالية أو مزايا بدافع السيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الحد الأدنى من الاستغلال، استغلال الأشخاص في شبكات الدعارة وسائر أشكال الاستغلال الجنسي أو العمالة المجانية والسخرة أو العمل كخدم أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو استعباد الأشخاص بهدف الاستخدام الجسماني ونزع الأعضاء".
وتقدر منظمة العمل الدولية عدد ضحايا العمل القسري في العالم بنحو 21 مليون شخص، بمن فيهم من ضحايا الاستغلال الجنسي. كما أن العمل القسري وحده ينتج أرباحًا سنوية قدرها 150 مليار دولار، ويمكن أن يصل العائد السنوي للاستثمار في ضحايا الاتجار بالبشر إلى 500 في المئة، ويزيد إلى 1000 في المئة لضحايا تجارة الجنس. من جهة أخرى، فإن كل بلدان العالم تتأثر بظاهرة الاتجار بالبشر، سواء كانت من بلدان المنشأ، أو نقاط العبور، أو جهات المقصد. وغالبًا ما يحدث الاتجار بالبشر عبر الدول من الدول الأقل إنماء إلى الدول الأكثر إنماء، ويُعد الفقر والجهل من أهم الأسباب، التي تجعل الأشخاص عُرضة للاتجار بهم.
ولخطورة الظاهرة، وتفاقم آثارها المجتمعية والأمنية والاقتصادية، شكلت الظاهرة محورًا أساسيًا اعتمدته الأمم المتحدة ضمن جدول أعمال التنمية المستدامة 2030؛ إذ تضمنت العديد من الأهداف بشأن الاتجار بالبشر، وحتمية اتخاذ تدابير صارمة لمجابهتها، ومن بينها السعي نحو إنهاء كافة أشكال العنف ضد المرأة والفتاة واستغلالهما.
وكخطوة واسعة على الطريق ذاته، اعتمدت الأمم المتحدة في التاسع عشر من سبتمبر 2016، مجموعة من الالتزامات لتعزيز حماية اللاجئين والمهاجرين، فيما عُرف بإعلان نيويورك الخاص باللاجئين والمهاجرين، مؤكدًا ضرورة التزام الدول كافة بتقوية وتعزيز آليات حماية الأشخاص أثناء تنقلهم. ومن المعروف أن ظروف الهجرة غير الشرعية توفر مناخًا مواتيًا لعمليات الاتجار بالبشر.
ومن ثم حرص إعلان نيويورك على التزام الدول باحترام حقوق الإنسان للاجئين والمهاجرين احترامًا تامًا، والتضامن العميق مع أولئك الذين أُجبروا على الفرار.
وفي الثلاثين من يوليو من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص، حيث يتم تسليط الضوء على حقائق مؤلمة تتضمنها تقارير لمكتب الأمم المتحدة لمنع الجريمة ومكافحة المخدرات، من بينها أن نحو ثُلث ضحايا الاتجار بالبشر هم من الأطفال، بينما تُمثل النساء والفتيات 79 في المئة من حركة المرور في العالم.
كما توضح التقارير أن أعلي معدلات انتشار الرق في العصر الحديث توجد في هايتي، والهند، ونيبال، وموريتانيا، وباكستان، في حين أن أكبر عدد من ضحايا العبودية الحديثة موجود في الصين، وإثيوبيا، والهند، ونيجيريا، وباكستان. كذلك فإن التقارير تشير إلى أن أوروبا ما زالت هي وجهة ومصدر لاستغلال البشر رغم تقدمها الحضاري وتاريخها الطويل في مكافحة العبودية، ووفقًا لدراسات حديثة للمركز الإحصائي الأوروبي، فإن 65 في المئة من المسؤولين عن العبودية الحديثة أوروبيين. ومما زاد من حجم الظاهرة في أوروبا تزايد تدفق اللاجئين إلى أراضيها بفعل الأزمات الإنسانية التي تعيشها مناطق بعينها من العالم.
ويؤكد المركز الإحصائي الأوروبي أيضًا أن عدد ضحايا ظاهرة الاتجار بالبشر في أوروبا يُقدر بحوالي مليون وربع المليون شخص.
وإذا كان العدد الدقيق لضحايا الاتجار بالبشر إجمالًا غير معروف، إلا أنه يُقدر بالملايين من الأشخاص يتم بيعهم للربح سنويًا في كافة أنحاء العالم. وكمؤشرات دولية مُتداولة يتبين وجود أكثر من 150 دولة متورطة في تجارة البشر، ويبلغ عدد ضحاياها نحو 27 مليون نسمة في العالم، وأن هذه التجارة التي يُقدر حجمها بما بين 152 مليون دولار إلى 228 مليونًا تشهد تدفقًا متناميًا سنويًا. كما جاء في دراسة حديثة لجمعية حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، بيع 20 مليون طفل على مستوى العالم خلال السنوات العشر الأخيرة، ما أدى إلى معاناتهم جراء العيش في ظروف معيشية قاسية جدًا.
وفي العام الماضي 2019، احتفل العالم باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر تحت شعار "اتصل بحكومتك للعمل على القضاء على الاتجار بالبشر"، في محاولة لزيادة الوعي المجتمعي بالظاهرة، وتفعيل دور المجتمع المدني في مكافحتها، وخلق مشاركة مجتمعية فعالة بعد أن ثبت أن الجهود الرسمية غير كافية في هذا الشأن.
ولعل ما يرصده العالم حاليًا من مغامرات أردوغان في نقل وتهريب وتسليح الإرهابيين تدخل في نطاق جرائم الاتجار بالبشر؛ إذ تنهض الجماعات الإرهابية "المرتزقة" بدور بارز في إدارة الصراع الدولي وفق آلية "القوة" بعيدًا عن يد القانون الدولي والمواثيق والأعراف الدولية. وهو ما يؤكد جدوى التوجه بملف الأزمة الليبية التي يؤججها أردوغان بالإرهابيين المسلحين إلى المنظمة الأم (الأمم المتحدة)، باعتبار الأمر يتعارض وصميم قيم ومبادئ الأمم المتحدة.



