٣٠ يونيو حكاية وطن.. القضاء في خندق مقاومة طغيان الإخوان
إن ثورة 30 يونيو 2013 المجيدة في تاريخ الدولة المصرية قامت لتحمي البلاد من الفكر الإرهابي لجماعة مارقة عن الدين الصحيح وحدود الأوطان، وسجل فيه القضاء المصري بأحرف من نور بحكم قضائي أوقف المداخل إلى الإرهاب، حيث سمحت جماعة الإخوان الإرهابية لأتباعها باستحواذ الأسلحة والذخائر التي سرقوها من اقتحام أقسام الشرطة، وهناك أحكام قضائية تظل علامة أساسية في سجلات الوطنية المصرية، فقد كشف حكم قضائي سابق لم تنشر حيثياته للقاضي المصري المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، كشف هذا الحكم القضائي التوثيقي في تاريخ الشعب المصري عن أن رئيس الجمهورية الإخواني أعفى الإرهابيين من العقاب على السرقة التي تمت للأسلحة والذخائر خلال 25 يناير 2011، وأن ثورة 30 يونيو أنقذت الوطن من جماعة ارتكبت أبشع الجرائم ضد مصالح الوطن ولن يمحو التاريخ أثره من وجدان الشعب المصري، وأن الإعفاء قصد به غسل يد الجماعات الإرهابية مما ارتكبته أثناء 25 يناير من جرائم التعدي على الأقسام والاستيلاء على الأسلحة والذخائر الأميرية منها ومن مخازنها، وأن الرئيس السيسي عام 2014 أصدر قرارين جمهوريين بتغليظ العقوبة لمن يستخدم الأسلحة في الأعمال الإرهابية وموافقة وزارة الدفاع على استيراد الأسلحة النارية وذخائرها والجيش يحمي البلاد ويحفظ أمنها وسلامة أراضيها وأمنها القومي.
وكانت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى بحيرة في يناير 2016 برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة حينذاك أصدرت حكمًا تاريخيًا يسجل في دفتر أحوال الوطنية بتأييد قرار وزير الداخلية بسحب جميع تراخيص الأسلحة التي حصل عليها جماعة الإخوان الإرهابية وأتباعهم خلال فترة حكمهم لاستخدامها في أعمال العنف والإرهاب، ورفض الدعوى التي أقامها القيادي الإخواني الهارب إلى تركيا جمال حشمت ضد الداخلية.
قالت المحكمة إن انتشار الأسلحة واستخدامها في أعمال العنف داخل المجتمع يهدد أمن وسلامة المواطنين وينال من تحقيق الاستقرار والتنمية فيها. ذلك أن حمل وحيازة السلاح واستخدامه في غير ما شرع له بتجاوز حدود الدفاع الشرعي لا يعود على المجتمع إلا بالشرور والمخاطر والآثام، فضلا عما تؤدي إليه من الخراب والدمار والتناحر بين أبناء الوطن الواحد، وما من ريب في أن العنف المرتبط باستخدام السلاح لترويع حياة الآمنين يشكل إساءة بالغة بما يهدد سلامة المواطنين وينال من استقرار البلاد ووحدتها خاصة وأن المجتمعات التي تقوم بالثورات تحتاج إلى استنهاض الهمم لتحقيق التنمية والتقدم والرخاء، مما يجيز لوزارة الداخلية إلغاء تلك الترخيص خاصة في ظل محاربة الدولة لمظاهر الإرهاب وفرض سيادة القانون لتحقيق حق المواطنين الدستوري في الحياة الآمنة من كل خوف.
وأضافت المحكمة أنه بعد قيام ثورة 25 يناير 2011 وبعد اعتلاء حزب الحرية والعدالة- الإخوان المسلمين- سدة الحكم أصدر رئيس الجمهورية السابق آنذاك قراره الجمهوري رقم 90 لسنة 2012 بتعديل المادة 31 (أ) من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر نصت المادة الأولى منه على انه: "يستبدل بنص المادة 31 (أ) الصادر بالقانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر النص الآتي: المادة 31 (أ) "يعفى من العقاب كل من يحوز أو يحرز بغير ترخيص أسلحة نارية أو ذخائر مما تستعمل في الأسلحة الواردة في الجدولين رقمي 2 و3 من هذا القانون إذا قام بتسليم تلك الأسلحة والذخائر إلى أي مديرية أمن أو قسم أو مركز شرطة خلال مائة وثمانين يوما تبدأ من سريان التعديل التشريعي، ويعفى كذلك من العقوبات المترتبة على سرقة الأسلحة أو الذخائر أو على إخفائها خلال تلك الفترة".
وذكرت المحكمة أن قرار رئيس الجمهورية إبان تولى حزب الحرية والعدالة مقاليد الحكم رقم 90 لسنة 2012 قد تضمن شقين خطيرين الأول يحتوى على علة سبب الإعفاء من العقاب وغاية مشروعة لكنها مستترة لما بعدها من غاية أخرى غير مشروعة وتمثل الشق الأول أنه أعفى من العقاب كل من يحوز أو يحرز بغير ترخيص أسلحة نارية أو ذخائر مما تستعمل في الأسلحة الواردة في الجدولين رقمي 2 و3 من هذا القانون إذا قام بتسليم تلك الأسلحة والذخائر إلى أي مديرية أمن أو قسم أو مركز شرطة خلال مائة وثمانين يوما تبدأ من سريان التعديل التشريعي، ومن ثم كانت علة الإعفاء من العقاب تتمثل في تسليم تلك الأسلحة أو الذخائر وأما الشق الثاني لهذا القرار وهي الغاية الحقيقية غير المشروعة التي سعى إليها هذا القرار الجمهوري فقد تمثل في الإعفاء كذلك من العقوبات المترتبة على سرقة الأسلحة أو الذخائر أو على إخفائها خلال تلك الفترة فلا توجد له علة مشروعة للإعفاء من العقاب سوى حماية المجرمين سارقي الأسلحة النارية أو مخفيها إذ أعفى كذلك من العقوبات المترتبة على سرقة الأسلحة أو الذخائر أو على إخفائها خلال تلك الفترة.
وذلك الإعفاء لا يقصد به إلا غسل يد الجماعات الإرهابية مما ارتكبته أثناء ثورة 25 يناير 2011 من جرائم التعدي على الأقسام والاستيلاء على الأسلحة والذخائر الأميرية منها ومن مخازنها وهو ما يعد بحسب الأصل جناية طبقًا لقانون العقوبات.
وأوضحت المحكمة أنه على الرغم من أن هذا القرار الجمهوري الصادر عام 2012 انتهت مدته من تلقاء نفسه بمرور 180 يوما على سريانه إلا أنه في شقه الثاني الذي صدر من أجله يمثل انحرافا تشريعيا إذ خلا من ثمة غاية مشروعة تحمي المجتمع وما كان يجب على رئيس الجمهورية آنذاك إصدار مثل هذا التشريع المخالف للدستور الذي تم وضعه عام 2012 الذي أرسى مبدأ حماية الأموال والممتلكات العامة وما من ريب في أن الأسلحة والذخائر الأميرية من أخص الأموال العامة التي يتعين الحفاظ عليها طبقا للدستور، ومن ثم يكون هذا القرار الجمهوري في هذا الشق ليس له غاية إلا إفلات المجرمين من العقاب والذين قاموا بحسب تعبير نص القرار الجمهوري ذاته بسرقة الأسلحة أو الذخائر أو إخفائها خلال تلك الفترة، وهؤلاء ما كان يجب في أي تشريع يصدر بالتخفيف عليهم بل تغليظ العقوبة بشأنهم لهول ما ارتكبوه من جرم بشأن التعدي على المنشآت الشرطية ومخازنها وسرقة أسلحتها وذخائرها الأميرية.
وأشارت المحكمة أنه وبعد أن قام الشعب المصري بثورته الثانية في 30 يونيو 2013 ضد نظام حكم الإخوان وبعد أن اختار الشعب رئيسا جديدا للبلاد بإرادتهم الحرة أصدر رئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسي قراره الجمهوري بالقانون رقم 128 لسنة 2014 بشأن تعديل قانون العقوبات عندما بات واقعا انتشار الأسلحة في أيدى المتطرفين واستخدامها في الأعمال الإرهابية سيما في سيناء بأن يستبدل بنص المادة 78 بتغليظ العقاب على كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية أو ممن يعملون لمصلحتها أو من شخص طبيعي أو اعتباري أو من منظمة محلية أو أجنبية أو أي جهة أخرى لا تتبع دولة أجنبية ولا تعمل لصالحها أسلحة أو ذخائر أو ما في حكمها بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام وجعل العقوبة السجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به.
وتكون عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد وغرامة لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه إذا كان الجاني موظفًا عامًا أو مكلفًا بخدمة عامة أو ذا صفة نيابية عامة أو إذا ارتكب الجريمة في زمن الحرب أو تنفيذًا لغرض إرهابي.
ومن ثم قام القرار الجمهوري بتغليظ العقوبة لمن يستخدم تلك الأسلحة في الأعمال الإرهابية، وهو لا شك مسلك حميد ممن يتولى سلطة التشريع حينما يبتغى تحقيق الصالح العام فمثل هذه الجرائم تقتضي تشديد العقاب لمرتكبيها لحماية مصالح المجتمع، وليس كما فعل القرار الجمهوري رقم 90 لسنة 2012 الذي انتهج إفلات المجرمين من العقاب وجعلها مكافأة على ارتكابها.
وأوضحت المحكمة أنه يبين بجلاء أن هناك فارقا شاسعا بين القرارات الجمهورية التي تهدف إلى حماية الوطن وتأمينه والحفاظ على ممتلكاته ومؤسساته وحياة مواطنيه وعدم التهاون مع من يعتدي على أي منها وبين القرارات الجمهورية الأخرى التي تهدف إلى حماية صالح جماعات من المجرمين ممن قاموا بسرقة الأسلحة والذخائر أو إخفائها فتعفيهم من العقاب بعد أن ارتكبوا أبشع الجرائم وقاموا بترويع الآمنين ضاربا بصالح الوطن عرض الحائط وهو ما سيذكره التاريخ ولن يمحو أثره من وجدان الشعب المصري. وأنه عندما أدركت الدولة المصرية أن الانتهاك الحقيقي لحياة المواطنين يتمثل في فتح الباب على مصراعيه في استيراد الأسلحة والذخائر فأرادت الدولة في محاولة للحفاظ على حياة المواطنين كحق أصيل لهم خاصة بعد الانتهاكات التي يقوم بها قلة لا تريد الاستقرار الأمني في الشارع، عبر تكدير حياة المواطنين وترهيبهم وتخويفهم من خلال الأسلحة التي أصبحت متاحة للجميع بادر رئيس الجمهورية بعد ثورة 30 يونيو مرة أخرى بإصدار قرار جمهوري رقم 129 لسنة 2014 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 394 لسنة 1954 الخاص بالأسلحة والذخائر وتعديلاته ونصت التعديلات التي تم إدخالها على المادتين 12 و16 من هذا القانون على ضرورة الحصول على موافقة وزارة الدفاع على استيراد الأسلحة النارية وذخائرها، وأوكل إليها كذلك مهمة تحديد الكميات المسموح باستيرادها، والغاية من إصدار هذا القانون تتمثل في الحد من احتكار تجارة الأسلحة والذخائر التي تؤدي الإسراف فيها إلى العنف والإرهاب ويمنح الدولة شرعية لمنع تهريب السلاح، ويصب في مصلحة الوطن لمنع الفوضى التي كانت تتم في استيراد الأسلحة ويؤدى إلى حفظ النظام العام وتوفير الأمن لجميع المواطنين وحماية المصالح الجوهرية للمجتمع محل الحماية الجنائية وهي درء المفاسد ووقاية المجتمع من ارتكاب الجرائم، ففي العلم العقابي الحديث لم تعد مواجهة الجريمة تقتصر فحسب على عقاب مرتكبيها وإنما يمتد كذلك غلى الوقاية من ارتكابها بكافة التدابير الاحترازية والأمنية وبحسبان أن الدستور ناط بالقوات المسلحة بموجب المادة 200 منه بحماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها مما يحفظ لمصر أمنها القومي ويحفظ حق الأمة في الحياة الآمنة.
واختتمت المحكمة أن الثابت من الأوراق أنه عقب قيام الشعب بثورة 25 يناير 2011 واعتلاء حزب الحرية والعدالة- جماعة الإخوان المسلمين- سدة الحكم في البلاد تمكن العديد من المنتمين إلى تلك الجماعة وأنصارهم من الحصول على تراخيص بحمل الأسلحة النارية التي لم يستطيعوا الحصول عليها في أي مرحلة من مراحل الدولة المصرية ومنهم المدعى وآية ذلك أن المدعى كان عضوا بمجلس الشعب السابق للفصل التشريعي الثامن برقم عضوية 344 لسنة 2000 دورة 2000 ولم يثبت من الأوراق حصوله على ترخيص سلاح من وزارة الداخلية في ذلك الوقت ثم منح الترخيص بتاريخ 6 مارس 2013 والثابت أنه عقب ثورة الشعب في 30 يونيو 2013 بعزل الرئيس السابق المنتمي لجماعة الإخوان أصدرت النيابة العامة في القضية رقم 11152 لسنة 2013 جنايات قسم دمنهور أمرا بضبط وإحضار المدعي مع مجموعة أخرى من جماعة الإخوان المسلمين لقيامهم عقب صلاة الجمعة الموفق 5 يوليو 2013 باحتشاد أعضاء جماعة الإخوان ومؤيديه والتي أطلقوا عليها "جمعة الرفض"، مطالبين بإعادة الرئيس السابق المنتمي للجماعة رئيسا للبلاد، في ميدان افلاقة بوجود تجمع كبير من أنصارهم وحزب الحرية والعدالة أمام مسجد الهداية دائرة قسم دمنهور وقيامهم بإطلاق بعض الأعيرة النارية والخرطوش في مواجهة أهالي المنطقة وحدوث تشابك بينهم وبين الأهالي مما أثار الرعب والفزع في نفوس أهالي المنطقة كما أثاروا الرعب والفزع بين جموع المواطنين من أهالي المدينة وتعديهم على بعض المواطنين من المارة في الطريق العام بالضرب وغلق كوبري دمنهور العلوي من الناحيتين وتعطيل حركة المرور بالشارع وإتلاف واجهات بعض المحلات والسيارات المارة بالطريق، وقد تمكنت قوات الشرطة من مواجهة تلك الأعمال الخارجة على القانون، فاذا ما سعى وزير الداخلية إلى إلغاء تراخيص الأسلحة للجماعات التي تستخدم العنف ضد المواطنين وتتخذ من الإرهاب سبيلا للوصول إلى مآربها، فإن تصرف وزير الداخلية يكون صحيحا وإعمالًا لما ينص عليه الدستور من واجب نحو تحقيق الأمن والطمأنينة للمواطنين والحفاظ على النظام العام.



