الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

نحتفل هذه الأيام بذكرى عطرة وحدث تاريخي جلل غير مجري التاريخ الإنساني وهي ذكرى هجرة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) لن أتكلم كثيرا عن سيرته (صلى الله عليه وسلم) فسيرته العطرة تكاد أن تفوح  من خلال حروف هذه الكلمات ولكني سأعقد مقارنة بسيطة بين الهجرة في عصرنا الحالي وهجرته (صلى الله عليه وسلم) فالهجرة في عصرنا الحاضر هي حركة انتقالية للسكان من منطقة ما إلى أخرى وقد يسافر الإنسان من مكان إلى آخر طلبا للرزق أو هربا من كوارث طبيعية أو لجوء سياسيا تتنوع الأسباب فمنها ما تكون اجتماعية ومنها أسباب اقتصادية واخرى سياسية ولكن تشترك في أنها جميعا تخص مصلحة إنسان بعينه فهي في النهاية مصلحة شخصية ومادية بحتة أما النبي (صلى الله عليه وسلم) فهو صاحب رسالة عالمية مأمور بتبليغها فلم تكن هجرته إلا في مصلحة الدعوة الإسلامية.

 

فقد كانت الدعوة في مهدها وكان من الضروري الحفاظ عليها من وأدها على يد كفار قريش لقد كان النبي يحمل رسالة عالمية وهذه الرسالة كالبذرة التي يحتاج الفلاح أن يرعاها ويحميها حتى تكبر وتثمر ولذلك كان بحاجة إلى تربة خصبة وكانت هذه التربة هي يثرب التي سميت بعد ذلك المدينة المنورة من أجل ثبات وانتشار الدعوة الإسلامية ليس فقط في الجزيرة العربية بل في ربوع العالم.

 

فالهجرة النبوية تختلف عن الهجرة في عصرنا الحديث التي تأتي للبحث عن المصلحة الشخصية المادية فهي أمر من أوامر الله لأنبيائه ورسله- عليهم السلام- في سبيل نشر الدعوة إلى الله تعالى، وحمايتها من كيد المعادين لها، ولم تكن الهجرة قاصرةً على النبيّ محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم؛ بل إنّ عددًا من الأنبياء قبله قد هاجروا ممتثلين لأمر الله تعالى؛ لينشروا الدعوة بعيدًا عن تضييق المشركين، فهاجر أبو الأنبياء إبراهيم- عليه السّلام- بعد كيد قومه له وتآمرهم عليه وعلى دعوته، وهاجر لوط- عليه السّلام- كما هاجر عمّه إبراهيم، وهاجر موسى- عليه السّلام- ومن أمن معه من بطش فرعون، وهاجر النّبيّ محمدٍ- صلّى الله عليه وسلّم- في سبيل نشر الدعوة.

 

كما إنّ من أهم أسباب الهجرة النبوية الحاجة لتكوين دولةٍ إسلاميّةٍ، وإقامة أسسها؛ إذ إنّ عالميّة رسالة الإسلام لا تتحقّق داخل نطاقٍ ضيّقٍ بين قبائل قريش، خاصّةً في ظلّ رفض قريش ومعاداتها للدعوة ونشرها، فكان لا بُدّ من تأسيس كيانٍ حضاري مدني تحت نظامٍ سياسيّ، في مكان آمنٍ، على شكل دولةٍ تحفظ الأمن والاستقرار لمواطنيها وتعطي للدعوة الحقّ في الانتشار، وبذلك تتحقّق عالميّة الإسلام المتمثّلة في قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـكِنَّ أكثر النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

 

تم نسخ الرابط