رغم أنهم أبطال حفروا روعة التضحيات بأنفسهم فى سجل التاريخ بحروف من ذهب .. إلا أننا ما أحوجنا أن نذكَّرَ أنفسنا بأعمالهم البطولية دائما؛ ونذكَّرَ أجيالنا القادمة .. حتى يكونوا قدوة لهم فى الدفاع عن أرضنا الغالية، طبعا الكل يسأل لماذا هذا الكلام الآن؟ ببساطة لأنها غابت عنا منذ أيام قليلة واحدة من أصحاب البطولات لبلدها .. إنها الفدائية "علية الشطوى"رحمها الله، إحدى فدائيات مدينة بورسعيد الباسلة التي ضربت مثلًا فى الوطنية... فقد بدأ دورها البطولى أثناء العدوان الثلاثى 1956، كفدائية وهى فى الـ17 من عمرها، وتطوعت فى إسعاف الطوارئ، وكانت تنقل هى ومجموعة من الفدائيين؛ المصابين والعائدين من العمق فى سيناء، فى لانشات هيئة قناة السويس وشركة القناة لرباط السفن، وتجيب المصابين والعائدين من الجنود.
وبطبيعة الحال.. لايمكن أن نذكر علية الشطوي فقط ..دون أن نتَذَكَّرَ بطولات عدد من فدائيي بورسعيد وفى مقدمتهم .. البطل الذي فقد عيناه فى سبيل تراب مصر… إنه البطل "محمد مهران " أدام الله عمره فهو من أحد العاملين حاليًا فى المتحف الحربي ببورسعيد.. حيث رفض المساومة على أسرار بلاده مقابل انتزاع عينيه.
فقد كان أحد أبطال معركة 1956 ضمن قوات الحرس الوطني المكلفين بالدفاع عن منطقة مطار الجميل، وانتشر مع زملائه في غرب المدينة يوم 5 نوفمبر 1956 للتصدي لعمليات إنزال رجال المظلات من الطائرات البريطانية، وتمكن من إبادة المجموعة الأولي بالكامل وعند عملية الإنزال الثانية دارت معهم معارك قوية، سقط فيها زملاؤه، وألقى قنبلتين يدويتين واختبأ داخل حفرة ومعه الرشاش أطلق منه الرصاص علي الأعداء، حتى فوجئ بمجموعة من الجنود يحاصروه وصوب الضابط الانجليزي مدفعه ناحيته، ولكن مهران عاجله بوابل من الرصاص، ولكن تم إطلاق النار عليه وأخرجوه من الحفرة والدماء تتساقط منه وظنوا أنه ميت، ولكن تمكن "مهران" من التسلل إلي بورسعيد ولكن للأسف ألقوا القبض عليه بالقرب من المطار.
وحاولوا الحصول علي معلومات عن زملائه الفدائيين وعندما فشلوا عقدوا له محكمة عسكرية صورية أصدرت حكمها باقتلاع عينيه لإعطائها للضابط الذي أصابه في وجهه؛ وتم نقله بطائرة إلي قبرص لإجراء العملية بأحد المستشفيات البريطانية، وحاول الطبيب البريطاني مساومته للإدلاء بحديث إذاعي يعلن فيه فشل القيادة المصرية مقابل أن يتركوا له إحدى عينيه؛ ولكنه رفض فأخذوا منه عينيه الاثنتين!.
وبعد العملية أعادوه إلي بورسعيد ودخل مستشفى الدليفراند؛ حتي تمكن الفدائيون من اختطافه ونقلوه لمستشفي عسكري بالقاهرة لاستكمال العلاج، وقام بزيارته الرئيس جمال عبدالناصر؛ الذي استمع لقصته وعندما وصل لجملة حتى تكون عبرة لأمثالك فى مصر، انفعل الزعيم جداً جداً وثار وقال: إن الأنجليز أخطأوا خطأ كبيراً جداً، وأنهم أخذوا عينيك، فأصبحت "قدوة لكل مصري ولأى شخص فى العالم ".
لا ننسي أيضا واحدة من أهم البطولات النسائية التلميذة "زينب الكفراوى"، التي كانت تهرب الأسلحة والذخائر لرجال المقاومة .
و"أم علي" واحدة من بطلات بورسعيد، وكانت تعمل ممرضة في عيادة الدكتور جلال الزرقاني وكانت العيادة مأوي ومخزنًا لأسلحة الفدائيين؛ وكانت أم علي ؛ تلبسهم ملابس المرضي البيضاء وتخفي الأسلحة أسفل الأسرة؛ بل قامت بنقل الأسلحة للفدائيين التي كانت تهرب عن طريق بحيرة المنزلة وتحضرها إليهم في العيادة، والأكثر من ذلك أنها ضربت مثالًا شجاعًا للمرأة البورسعيدية؛ ففي إحدى المرات كان الفدائيون يختبئون داخل العيادة، وسمعت طرقًا شديدًا علي الباب وكانت دورية بريطانية تريد التفتيش؛ فطلبت من الفدائيين النوم علي الأسرة وفتحت الباب لتجد الضابط الانجليزي في وجهها؛ وتصرفت سريعًا؛ وأخذت في الصراخ؛ وأوهمت الضابط أن أحد المرضي قد توفي، وطلبت منه إحضار الإسعاف لنقله ودفنه وفعلا انسحب الضابط مع جنوده، وتم حماية الفدائيين من القبض عليهم.
كما نذكر البطل الصبى "السيد عسران"، الذي كان عمره لا يتجاوز السابعة عشر عامًا؛ وقام بكل شجاعة بوضع قنبلة لضابط الاتصال البريطانى "الميجر وليامز" فى رغيف خبز.
حيث اشتهر وليامز" بسوء معاملة المصريين وتعقب الفدائيين ورجال المقاومة الشعبية، وفي أحد الأيام فى التاسعة صباحاً وقف عسران؛ في انتظار سيارة ويليامز؛ ودخلت السيارة شارع رمسيس وكان بها ويليامز ومعه الكولونيل "جرين"، والسائق وتقدم عسران للضابط الانجليزي بورقة وكأنها شكوى في يده وفي يده الأخرى رغيف عيش وضع فيه عسران؛ قنبلة يدوية وتظاهر وكأنه يأكل؛ ونزع فتيل القنبلة؛ ووقفت السيارة وفتح ويليامز الزجاج وألقي عسران بالقنبلة إلي داخل السيارة وانفجرت ولم يتمكن الضابط من الهرب، وأطاحت بقدمه اليسري وقتلت الكولونيل جرين؛ وأصيب السائق وسقطوا جميعاً في دمائهم ونقلوا إلي المستشفى ومات ويليامز بعد ذلك.
الكثير والكثير من القصص، التي ضربت ملاحم بطولية دفاعية وسطروا بأرواحهم وبدمائهم بأحرف من تاريخ انتصار بورسعيد عام 1956؛ لا يمكن للتاريخ أن يمحو آثارها بعد أن سطروا أسمهم من نور فى تاريخ المحافظة!! وستظل مصر أم الدنيا منصورة دائما بفضل الله وولادها المخلصين.
وألستم تتفقون معى أنه كان من الضرورى أن نتَذَكَّرَ أبطالنا الذين لن ينساهم التاريخ؛ ولكننا نحتاج إلى القدوة منهم لأجيالنا القادمة.
رحم الله البطلة علية الشطوي، وحفظ الله أبطالنا ممن هم على قيد الحياة.



