صدر عن مركز أبعاد للدراسات المستقبلية في إسبانيا أول مرجع موسوعي توثيقي تحليلي معرفي مكون من 800 صفحة يوثق ويحلل مسيرة ونتاجات أحد عشر مركزا للدراسات والأبحاث في المنطقة العربية، وذلك للأهمية الكبرى التي تلعبها مراكز الدراسات أو كما يسميها الكتاب مراكز التفكير وصناعة العقول في مأسسة السياسات وعقلنة الاختيارات والمساعدة في اتخاذ القرارات الصائبة.
وقد عمل فريق عمل بحثي من عدة دول عربية وزود بحرية منهجية لتقديم قراءة تحليلية لنتاجات هذه المراكز والانتشار والتشبيك داخليًا وخارجيًا، والقدرة على استثمار ذلك في إحداث تأثيرات اجتماعية وسياسية وثقافية، وهذه المراكز هي: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، مؤمنون بلا حدود بالمغرب، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، "المنازل الأمريكية" الجديدة: مركز بروكنجز بالدوحة أنموذجًا، منتدى الفكر العربي بالأردن، مركز دراسات الخليج بالسعودية، مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية بالمغرب، مركز عصام فارس للسياسات العامة والعلاقات الدولية، مركز كارنيجي للشرق الأوسط ببيروت، مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية للسياسات العامة والعلاقات الدولية للسياسات العامة والعلاقات الدولية.
يكتب الأستاذ عبد الحق الزموري مدير مركز أبعاد للدراسات المستقبلية في تقديمه لهذه الموسوعة المعرفية، مشيرا إلى دور مراكز الدراسات في استيعاب التحولات الكبرى ورسم خطوط سير الجماعات والدول، ومدى تأثير هذه المراكز الكونية في صناعة العقول والأذواق وتشكيل البناءات النفسية الفردية والاجتماعية وإنتاج القيمة. لقد ركز تقديم الزموري لهذا الكتاب على نقاط محددة هي:
1- أن البلاد العربية من بين أكثر المناطق فقرًا في التعويل على مخرجات البحث العلمي واعتماد تلك الوسائل في بناء الإنسان وإدارة شؤونه.
2- لم تعرف دولنا اهتمامًا واضحًا بمراكز الدراسات ومحاضن التفكير إلا في العقدين الأخيرين لجهة تكوين كوادر الدولة أو التخطيط الاقتصادي والاجتماعي.
3- تشير الإحصائيات إلى أن عدد مراكز التفكير والبحث العلمي في المنطقة العربية يناهز 300 مركز، أغلبها حديث النشأة.
4- نشأت مراكز الدراسات العربية التي ظهرت بحدود عام 2000 بأغلبها في حضن الدولة وتحت سيطرتها، للبحث في السياسات العامة ورصد التحولات الاقتصادية والاجتماعية.. يعرفها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بكونها "هيئات وسيطة" بين المعرفة والسلطة أو بين السياسيين والأكاديميين.
5- وأخيرًا فإن الكتاب يحاول البحث عن إبداعية المقاربات والحلول التي تقدمها مراكز البحث الجديدة ومدى استقلاليتها في بناء أجندتها البحثية.
إن الدراسات التي قدمها بجدارة عدد من الباحثين الشباب من شتى الأقطار العربية وهي بحوث أكاديمية منهجية الملتزمة استعانت واستفادت من الدراسات والتقارير الدولية مثل التقرير السنوي الذي تصدره جامعة ماك كاين بنسلفانيا منذ عام 2008.. ففي عام 2018 درس هذا التقرير حوالي 250 مركزا عربيا لم تدخل في التصنيف سوى 59 مركزا من بينها.
ويرى الكتاب أن مؤشر جامعة بنسلفانيا كان رافعة ذات تأثير حاسم في توجهات البحث العلمي في المنطقة العربية وفي مستواه الأكاديمي وقابلية منتجاته للتطبيق.. وقد ساهم في تأسيس فروع لمراكز تفكير عالمية في المنطقة العربية على غرار بروكينج الدوحة وكارنيجي بيروت، حتى أصبح الاهتداء ببوصلة مؤشر بنسلفانيا وعيًا ثقافيًا وسياسيًا متزايدًا في الدول العربية. وقد تطرق الزموري إلى واقع التعليم العالي والبحث العلمي العربي وأشار إلى ثلاثة عوائق هي:
أولًا: ضعف حجم الإنفاق الحكومي عليه قياسًا بالناتج المحلي الإجمالي، فهو يقل عن 8و0 بالمائة في المغرب وتونس وعن 5و0 بالمائة في مصر والأردن وعن 2و0 بالمائة في السعودية والعراق والجزائر والكويت. ويتبين ضعف الإنفاق العربي بمقارنته بنسبة 6و2 بالمائة في إسرائيل.
ثانيًا: غياب الحرية في التفكير والتعبير والتطوير في المدخلات والمخرجات.
ثالثًا: ارتباط ذلك الإنفاق بميزانية الدولة وضعف علاقاته بالقطاع الخاص وذلك بسبب صعوبة التفكير من خارج الصندوق، وهو ما يعني القبول الضمني بمحدودية الحرية الأكاديمية من خلال الرقابة الذاتية أو السياسية أو الدينية أو الاجتماعية.
ويلاحظ الكتاب الانزياح التدريجي في وظائف مراكز البحث المنضوية في ظل الدول من محاضن التفكير وإنتاج المعنى وصناعة العقول إلى تبني مقاربات وقيم بحثية جاهزة والتسويق لها.
وقد استوقفني طرح الزموري لسؤال كبير قال: هل تصنع المعرفة في الفضاء العربي انطلاقا من حاجيات محلية أم بفعل تأثيرات خارجية؟ سؤال نجد إجابته في قراءة هذا الكتاب الموسوعي، فتحية لمركز أبعاد للدراسات المستقبلية ولراعيه المفكر التونسي عبد الحق الزموري.



