دائما عندما يذكر الفساد.. تتجه جميع الأنظار.. نحو الفساد في الهيئات والقطاعات الحكومية.. وتبدأ الأقاويل والكلام الفضفاض والمتكرر حول ضرورة التطهير وعزل المفسدين
الذين يفتقرون للحس الوطني؛ ولا يرون فقط سوى الحفاظ على الكرسي وتحقيق الجاه والمنصب وكسب المال.. وأن قوام الدولة ونجاحها تتطلب الضرب من الحديد على هؤلاء!
ولكن قبل الاستطراد في الحديث؛ لا يعد مكافحة الفساد من اختصاص الدولة فقط.. ولكنه بصورة أساسية دور كل واحد مننا عندما يرى الفساد والفاسدين ويغض البصر أو يصمت ويفتقر الشجاعة التي تحتم عليه الكشف عن هؤلاء وتكون النتيجة تشجيع الفاسدين للاستمرار بأعمالهم بشكل أكبر.. وبالتالي فالمسألة ليست مسؤولية دولة أو جهة معينة.. ولكنها مسؤوليتنا جميعا.
في الواقع ليس الحديث الآن عن الفساد بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد في 9 ديسمبر من كل عام والذي يحتفل به العالم سنويا من عام 2005؛ للتذكير بخطورته على كافة القطاعات.. ولكن الحديث عن الفساد يتطلب أن يكون أمام نصب أعيننا في كل لحظة! بعد أن زادت أشكاله وصوره في حياتنا اليومية دون الشعور بخطورته وأضراره على الآخرين.
ولا أقصد بذلك؛ فساد مديرين أو مسؤولين حكوميين.. ولكن الأخطر هو الفساد الذي أصبح منتشرًا في التعاملات اليومية والعلاقات الإنسانية والاجتماعية بصورة مباشرة وكثيرة.. لأن الفساد يهدف إلى تحقيق مصلحة لصاحبه بدون وجه حق.. وهذا ما يحدث في صور مغلفة بالغش والخداع.. وتحت بند نوع من أنواع الشطارة وتحقيق الربح السريع، وهو في الحقيقة نوع من أنواع الفساد المضاعف؛ لأن من يغشك هو شخص أنت آمنت له، وأعطيته الثقة وهو خان هذه الثقة وقام بالغش.
ورغم أننا جميعا كبرنا وتربينا مع الحديث النبوي الشريف "من غشنا فليس منا"، ومع هذا فإن الغش في ازدياد مطرد.. فالفساد هو فساد النفس وضعفها.
والغش طبعا أنواعه كثيرة يبدأ من الغش في الطعام والشراب.. وبأمثلة حية منها؛ عندما يقوم أحد الباعة على طريق الإسماعيلية المشهورة بالمانجو ويقف راكب السيارة للشراء بالسعر الذي يحدده التاجر ويشتري صندوق مانجو أيا كان وزنه، وفي الغالب يكون في حدود 5 كيلو وعندما يذهب إلى المنزل ويتم فتح الصندوق يجد المفاجأة المحزنة.. ألا وهى.. الصف الأول للصندوق "وش الصندوق" عبارة عن مانجو جميلة.. وعندما يذهب إلى باقي الصفوف.. لن تصدقوا يا ليت مانجو فاسدة.. !! ولكنها صفوف من الطوب والحجر.. هل أحد يتخيل ذلك النوع من الفساد الأخلاقي الذي سمح لهذا التاجر الغشاش بذلك!
ومن الأمثلة التي أصبحت شائعة أيضا؛ الغش في عداد سيارة الأجرة "التاكسي" كواقعة مررت بها كثيرا بصورة شخصية؛ لأنه من المعروف قيمة المشوار الذي يتم ارتياده بصورة يومية وعندما تفاجأ أن الأجرة زادت في نفس المشوار بأكثر من 20 جنيهًا.. ماذا يعني هذا.. سوى فساد السائق الذي تلاعب في العداد.. ولم يكن مني سوى اتهامه بالسرقة والغش وتحقيق ربح ليس من حقه؟ وعندما عرف السائق أنني كشفته.. قال لي "ادفعي زي ما بتدفعي."
رغم انني لم اكشف له عن شخصيتي بأنني صحفية؛ ولكنني تحدثت له بصوت صاحبة حق.
وهذا ما أريد قوله "لا نسكت على الخطأ حتى لا يتمادى المفسد في فساده".
وعندما تذهب الأخلاق ويتم الإبلاغ عن فتاة تم خطفها وينحسر قلب والديها على اختفائها والبلاغ بأنها أما خطفت أو قتلت! والواقع أنها بمحض إرادتها ذهبت مع صديق لها.. أليس ذلك قمة الفساد.. وعندما لا تصدق الوعد والغش في الكلمة وبث الأكاذيب؛ لتحقيق مصلحة فئة معينة.. وغيره من صور الفساد التي أصبحت آفة في حياتنا.
ألم يحن الأوان أن نتكاتف جميعا لمقاومة صور الغش والخداع وفساد الأنفس المغلف بحجج وأكاذيب في حياتنا.. ويتم مواجهة المفسد سريعًا دون تأجيل أو محاباة؛ حتى يعود إلى صوابه "فالساكت عن الحق شيطان أخرس" حتى تنصلح أحوالنا.. وتحجم قوى الشر التي تريد إفساد أبنائنا ومستقبل حياتهم!



