تفاصيل معركة كرامة مصر ضد الاحتلال يرويها مؤرخ الإسماعيلية
25 من يناير يوم ذو طابع خاص للمصريين بوجه عام وأهالي القناة ومحافظة الإسماعيلية بوجه خاص، فهو اليوم الذي استشهد فيه 56 من الجنود المصرية التي أبت والاستسلام للقوات البريطانية، متحدين بذلك أوامر القائد البريطاني بتسليم أسلحتهم "داخل قسم بستان الإسماعيلية" مديرية الأمن حاليا.
يروي أحمد فيصل مؤرخ الإسماعيلية قائلا: تطوع الكثيرين في الكفاح والقتال ضد القوات البريطانية المتواجدة بالإسماعيلية، وتكونت أكثر من مجموعة منظمة ومدربة وقامت هذه المجموعات بأعمال خالدة ومشرفة ضد القوات البريطانية وكانت لهم أعمال كبيرة واسعة المدي وبعيدة الأثر في قتال الإنجليز ،فعلي أيديهم تم نسف بعض المنشآت ومستودعات البنزين في المعسكرات البريطانية وكذلك الاستيلاءعلي الكثير من أسلحة الجنود البريطانيين وقتل عدد كبير منهم وأعمال أخري كثيرة ،أهمها معركة قسم شرطة البستان 25 يناير 1952،الذي راح ضحيتها 56 من ضباط وشرطين رفضوا الاستسلام والخضوع لأوامر قائد القوات البريطانية بتسليم أسلحتهم.
كما أنشئت أيضا مجموعة من مراكز التدريب في بعض المدن كالزقازيق ودمنهور ونظرا للحصار الانجليزي حول منطقة القنال فقد تم اتخاذ قواعد محافظة الشرقية لانطلاق لضرب الإنجليز، وتولي المعتصمين تدريبهم يسافرون في جماعات او فرادي الي منطقة القنال.
أما عن معركة الشرطة 25 يناير أحد المعارك التي ألهبت الحماس الوطني واحد المقدمات التي أدت إلى قيام ثورة 23 يوليو 1952 ففي يوم الجمعة احتشدت قوات ضخمة من الجيش البريطاني مزودة بقوات كبيرة من الدبابات والمصفحات ومدافع الميدان حاصرت مبنى محافظة الإسماعيلية وثكنات بلوكات النظام الموجودة في معسكر المستوصف بقيادة مصطفى عشوب وحسن حسان ابو السعود وفي الصباح الباكر من هذا اليوم وعند منتصف الساعة السادسة صباحاً ذهب ضابطان بريطانيان إلى منزل البكباشي شريف العبد ضابط الاتصال المصري وقدم أكسهام قائد القوات البريطانية بمنطقة القنال له إنذارا طلب فيه تسليم أسلحة جميع قوات البوليس من قوات بلوكات النظام وغيرهم وكذلك جلاء تلك القوات من مبنى المحافظة وعن الثكنات مجردة من أسلحتها ورحيلها عن منطقة القناة.
فأبلغ ضابط الاتصال هذا الإنذار إلى قائد بلوكات النظام اللواء أحمد رائف وإلى وكيل المحافظ على حلمي فرفضاه ، ثم اتصل على الفور بوزير الداخلية في ذلك الوقت فؤاد سراج الدين وأبلغاه الأمر فطلب عدم التسليم ومقاومة أي إعتداء يقع على المحافظة أو ثكنات بلوكات النظام أو على رجال البوليس أو الأهالي والصمود في الدفاع حتى آخر طلقة وطلب بتبليغ ذلك إلى القيادة البريطانية.
وعاد القائد البريطاني وأبلغ قائد البوليس المصري بأنه إذا لم تسلم القوات المصرية أسلحتها فورا فسيهدم مبنى المحافظة والثكنات على من فيها فأصر القائد المصري على رفض التسليم.
وبعد دقائق نفذ البريطانيون إنذارهم وأخذوا يضربون مبنى المحافظة والثكنات الموجودين بالمستوصف حيث جنود بلوكات النظام بالمدافع ويطلقون عليها القنابل وأنهال الرصاص من الدبابات والسيارات المصفحة على جنود الشرطة والذين ردوا على هذا العدوان بضرب مثله مع الفارق بين القوتين في العدد والمعدات الحربية والأسلحة فإن قوة الشرطة لم تكن تزيد على ثمانمائة جندي بلوكات نظام وثمانين بالمحافظة ، وليس لديهم سوى البنادق "لى انفيلد" ، أما قوات الإنجليز فكانت تبلغ سبعة آلاف جندي مسلحين بالدبابات والمصفحات والمدافع واستمرت المعركة الدموية بين الطرفين أبدى فيها جنود الشرطة وضباطهم شجاعة وتضحية ولم يتوقفوا عن إطلاق النار حتى نفذت أخر طلقة لديهم ، بعد أن أستمرت المعركة ساعتين وعندئذ أقتحمت الدبابات البريطانية الثكنات وأسرت من بقى حيا من رجال الشرطة .
وقاومت القوات المصرية العدوان البريطاني بروح عالية وشجاعة نادرة وهدد الإنجليز بنسف مبنى المحافظة عندما رأوا شدة مقاومتهم ولكن قائدهم اليوزباشى مصطفى رفعت رفض عندما طلبوا منه التسليم وقال : " لن يستلم البريطانيون منا إلا جثثا هامدة " وظل يقاوم ببسالة إلى النهاية ولم يتراجعوا أمام العدوان المسلح .
وقاتل ببسالة مصطفى رفعت ، والنقيب عبدالمسيح مرقص ومصطفي عشوب ، وحسن حسان ابو السعود ، كما قاتل وقتها الملازم ثان فؤاد الدالي في مبني المستوصف "مديرية الصحة القديمة " وأصيب في المعركة حيث انفجرت احدى قنابل الانجليز وأصابت قدمه وإحدى الشظايا في رأسه.
ولأول مرة تجتمع "الشجاعة،البسالة،والشهادة،وأيضا المعجزة العلمية "في ان واحد ،فقد كانت قصة البطل فؤاد الدالي وهو من بين الأبطال الذين حوصروا في مبني المستوصف حتي اقتحمت شظية رأسه واستقرت أسفل قاع الجمجمة ورغم ذلك ظل مقاوما للاحتلال والهجمات البريطانية،وعليه سافر الي الخارج لاستخراجها،وفحصه أكبر جراحي العالم الذين شاركوا في علاج جرحي الحرب العالمية الثانية.
.فالجميع أجمع علي أن ما حدث للدالي معجزة لأنه لم يفقد أي من حواسه الخمسة،مؤكدين علي ان محاولة استخراج الشظية ستفقدة اي من حواسه ،وظل الدالي يقضي حياته بشكل طبيعي حتي وافته المنية وهو في رتبة لواء متقاعد.
وقد سقط في هذه المعركة من جنود الشرطة نحو 56 شهيدا وإصابة نحو 80 جريحا ،وكانت خسائر الإنجليز 13 من القتلي و12 جريحا.
شهادة اللواء مصطفى رفعت قائد معركة الشرطة 1952
ويروي اللواء مصطفى رفعت أحداث ذلك اليوم فيقول : أن يوم 25 يناير كان يوم جمعة ، وكانت قوات البوليس حوالى 700 أو 1000 عسكري موزعة على قسمين معسكر المحافظة ومعسكر المستوصف ، أما نحن الضباط فكنا مقيمين بلوكاندة قريبة من المحافظة ، والتسليح بالنسبة للعساكر البندقية "لى انفيلد" وهذه بنادق قديمة إذا ماقورنت بالأسلحة التي كانت مع العساكر الإنجليز ، وباقى عساكرنا بالخيرزان فقط . لكن روح العساكر كانت عالية جداً ، ومنفعلين تماماً بروح الأهالى حواليهم ، المهم جاء فراش اللوكاندة وأيقظنا وكان متعاونا معنا . . يغطينا عندما يغيب عن اللوكاندة.. كان معى باللوكاندة اليوزباشى عبد المسيح مرقص واليوزباشى مصطفى كمال عشوب والبكباشي حسان أبو السعود.
أيقظنا الرجل وقال ألحقوا المدينة احتلها الإنجليز . سألت ماذا نفعل ؟ قال الجميع ننزل مع عساكرنا فوراً . وكالعادة قرأنا الفاتحة . . حتى عبد المسيح قرأ معنا . . كانت الساعة الخامسة صباحاً . . المنظر مرعب . . المدينة محتلة بالكامل بالدبابات . . الطرق مقطوعة بالسدادات . . جو إرهاب فظيع يسيطر على الموقف ، مشيناً نحن جنباً إلى جنباً . . أيدينا متشابكة . . وبكل هدوء نرفع سدادة الطريق ونمر . . ثم نعيدها إلى مكانها . . حتى وصلنا إلى المحافظة . . على باب المحافظة كان أكسهام واقفاً . . سألنى إلى أين انت ذاهب؟ قلت إلى المحافظة . . فهنا مقر عملى . . قال : لكن اليوم الجمعة أجازة . . فقلت له : وأنت ماذا جاء بك . . هنا عملى . . لكن ما عملك أنت ؟ قال : على العموم الآن موجود قطار سكة حديد . . عليكم أن تلقوا سلاحكم وتركبوا القطار . . وتذهبوا إلى القاهرة . . قلت أنا لا أتلقى أوامرى منك . . لى رئاسات أتلقى منها الأوامر.
قال لم أستطع الاتصال برئاستك . . قلت إذن أذهب . قال : سأعطيك خمس دقائق ، وقلت حتى إذا وقفت خمسين سنة . وقال : ماذا ستفعل قلت : إذا ضربت سارد . . . هكذا بينما امامى الدبابان "السنتريون " التي كنت اراها لاول مرة . . دبابة خلف دبابة . . وتركته ودخلت . وجاءالإنجليز بالخونة الذين يتكلمون العربية وبدأوا يطلقون تهديدات . . من الميكرفونات : سلموا . . ستموتون جميعا . . الخ تحمس العساكر عندما راوا وجوهنا . وقالوا : كنا متوقعين ان تاتوا . سالناهم : ما رايكم ؟ قالوا : أبدا لا تسليم . . نخلص كلنا . . ولا نخرج من هنا . ووزعنا انفسنا وذخيرتنا . . وبدا الضرب بالأسلحة الثقيلة بوحشية وبدا القتلى والجرحى يتساقطون .
وفي هذه الأثناء جاء عامل التليفون وابلغنى ان وزارة الداخلية تطلبك فقلت انا ؟ قال نعم لانهم لم يجدوا احداً من الضباط الكبار . . فقالوا نادي الضابط الموجود . كان وزير الداخلية فؤاد سراج الدين باشا هو المتحدث . . قال فيه ايه عندك . . ؟ فوجهت سماعة التليفون ناحية الضرب وقلت له : هذا هو الموجود . . . قال عندك قتلى . . قلت نعم . قال أين الضباط الكبار ؟ قلت : لا اعرف . قال ماذا ستفعلون . . قلت : لن نسلم أبداً وفي هذه اللحظة سقطت قنبلة على السويتش فقطعت المكالمة وكانت أخر كلمة قالها الوزير : شدوا حيلكم وأخذ عدد القتلى والجرحى يتزايد .
وبدأ الجنود والضباط يتساقطون في حرب استمرت 9 ساعات ، واضطررت للخروج . وفوراً رفعت راية ، وتوقف الضرب وجاء أكسهام وسأل : تسلم ؟ قلت : أنا أطلب الإسعاف للجرحى ، قال لن يحضر إسعاف ورفض أن نعالج الجرحي أو ننقلهم بالإسعاف لتلقي العلاج في المستشفى ، وقال سلم أولاً . . قلت : لا . . خبط بقدمه الأرض وصرخ سلم أولاً . . . فقلت له استمر .
واتخذت العملية طابع المذبحة واشتدت ضربات الإنجليز بينما كانت طائرة تطوف بالمكان وتنادي بالميكرفون تطلب تسليماً . . خرجت مرة أخرى وكنت قد جرحت في يدي توقف الضرب . . ويسألنيى أكسهام ماذا ؟ . . قلت الإسعاف ، قال : لا . قلت أذن استمر ، ودخلت . واستمر الضرب حتى حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر وبدأت أجزاء من المحافظة تنهار . . والحرائق تشتعل . . ومواسير المياه تدمر . . وكان أصعب شىء أن تمس المياه جروح العساكر المصابين . . هنا بدا الصراخ من الألم . . وثارت الأعصاب ، وأصعب موقف كان بعد سقوط الضحايا ما بين قتلي ومصابين ، كانت الدماء تنتشر في كل مكان ، هنا تجد ذراعا وهناك تجد قدما أو أحشاء ، لكن الموقف الأصعب عندما انتهت المفاوضات بيني وبين القائد الإنجليزي علي أن أسلم له المحافظة ، في تلك اللحظة سقطت دموع العساكر ، وقالوا : لن نخرج من هنا ، نموت أفضل لازم نكمل المقاومة ، مش مهم مفيش ذخيرة نقاتلهم بالبنادق والطوب والشوم ، حتي نلحق بزملائنا الشهداء ، لقد كان الموقف غريبا وعصيبا ، وأقنعت العساكر بالأمر ، وأننا لن ننجح أن نجرح جندياً واحداً منهم ، لكن في مقدور واحد منهم أن يقتلنا جميعا ، فالذخيرة والأسلحة انتهت وأصبحنا «عُزل» .
وقررت أن أحسم الموقف بالخروج والالتحام مع أكسهام لكن عندما خرجت فوجئت بضابط أخر أكبر من أكسهام ، عندما رأنى خبط رجليه وحيانى تحية عسكرية . . فوجدنى أحييه بدوري .
واتضح أنه الجنرال ماتيوس قائد المنطقة الذي جاء لما طالت المعركة وتكلم فقال : لقد كنتم رجالا بواسل قاومتمونا بشراسة وقوة رغم الفارق في الإمكانات والأسلحة ، عدت إليه للتفاوض والخروج من المكان وكان ذلك بالشروط التي وضعتها رغم الهزيمة ، لكن الرجل وافق علي كل الشروط تقديرا للدور البطولي الذي بذلناه، وكانت الشروط : أن نخرج من مبني المحافظة في طابور طويل وألا نرفع أيدينا مثل الأسري ، وأن يتعامل معنا بـ«كلمة شرف» وألا ينزع العلم المصري من أعلي مبني المحافظة ، ووافق الرجل وتم اقتيادنا إلي المعتقل في صحراء الإسماعيلية .
وقال الجنرال "مالت" قائد أركان حرب منطقة الإسماعيلية قال حينما رأي القتلي والجرحي من شهداء الشرطة المصريين "ما أقذر المهمة التي قمنا بها"؟
وأتذكر أن «ياور» القائد «ماتيوس» دخل إلي مبني المحافظة ، وعندما شاهد الجثث والمصابين وضع يديه فوق عينيه من المنظر البشع ، وقال «هذا عمل قذر ، ما أقدمنا عليه لنحتل هذا المكان» وجدت الرجل وقائده ماتيوس يقف ويؤدي التحية العسكرية لنا وللضحايا .
ولم يستطع الجنرال أكسهام أن يخفي إعجابه بشجاعة المصريين فقال للمقدم شريف العبد ضابط الاتصال : - لقد قاتل رجال الشرطه المصريون بشرف واستسلموا بشرف ولذا فإن من واجبنا احترامهم جميعا ضباطا وجنوداً ، وقام جنود فصيلة بريطانية بأمر من الجنرال أكسهام بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم أمامهم تكريما لهم وتقديرا لشجاعتهم .
ويروي اللواء مصطفى رفعت أحداث ذلك اليوم فيقول : أن يوم 25 يناير كان يوم جمعة ، وكانت قوات البوليس حوالى 700 أو 1000 عسكري موزعة على قسمين معسكر المحافظة ومعسكر المستوصف ، أما نحن الضباط فكنا مقيمين بلوكاندة قريبة من المحافظة ، والتسليح بالنسبة للعساكر البندقية "لى انفيلد" وهذه بنادق قديمة إذا ماقورنت بالأسلحة التي كانت مع العساكر الإنجليز ، وباقى عساكرنا بالخيرزان فقط . لكن روح العساكر كانت عالية جداً ، ومنفعلين تماماً بروح الأهالى حواليهم ، المهم جاء فراش اللوكاندة وأيقظنا وكان متعاونا معنا . . يغطينا عندما يغيب عن اللوكاندة . . كان معى باللوكاندة اليوزباشى عبد المسيح مرقص واليوزباشى مصطفى كمال عشوب والبكباشي حسان أبو السعود .
أيقظنا الرجل وقال ألحقوا المدينة أحتلها الإنجليز . سألت ماذا نفعل ؟ قال الجميع ننزل مع عساكرنا فوراً . وكالعادة قرأنا الفاتحة . . حتى عبد المسيح قرأ معنا . . كانت الساعة الخامسة صباحاً . . المنظر مرعب . . المدينة محتلة بالكامل بالدبابات . . الطرق مقطوعة بالسدادات . . جو إرهاب فظيع يسيطر على الموقف ، مشيناً نحن جنباً إلى جنباً . . أيدينا متشابكة . . وبكل هدوء نرفع سدادة الطريق ونمر . . ثم نعيدها إلى مكانها . . حتى وصلنا إلى المحافظة . . على باب المحافظة كان أكسهام واقفاً . . سألنى إلى أين انت ذاهب؟ قلت إلى المحافظة . . فهنا مقر عملى . . قال : لكن اليوم الجمعة أجازة . . فقلت له : وأنت ماذا جاء بك . . هنا عملى . . لكن ما عملك أنت ؟ قال : على العموم الآن موجود قطار سكة حديد . . عليكم أن تلقوا سلاحكم وتركبوا القطار . . وتذهبوا إلى القاهرة . . قلت أنا لا أتلقى أوامرى منك . . لى رئاسات أتلقى منها الأوامر .
قال لم أستطع الاتصال برئاستك . . قلت إذن أذهب . قال : سأعطيك خمس دقائق ، وقلت حتى إذا وقفت خمسين سنة . وقال : ماذا ستفعل قلت : إذا ضربت سارد . . . هكذا بينما امامى الدبابان "السنتريون " التي كنت اراها لاول مرة . . دبابة خلف دبابة . . وتركته ودخلت . وجاءالإنجليز بالخونة الذين يتكلمون العربية وبدأوا يطلقون تهديدات . . من الميكرفونات : سلموا . . ستموتون جميعا . . الخ تحمس العساكر عندما راوا وجوهنا . وقالوا : كنا متوقعين ان تاتوا . سالناهم : ما رايكم ؟ قالوا : أبدا لا تسليم . . نخلص كلنا . . ولا نخرج من هنا . ووزعنا انفسنا وذخيرتنا . . وبدا الضرب بالأسلحة الثقيلة بوحشية وبدا القتلى والجرحى يتساقطون .
وفي هذه الأثناء جاء عامل التليفون وابلغنى ان وزارة الداخلية تطلبك فقلت انا ؟ قال نعم لانهم لم يجدوا احداً من الضباط الكبار . . فقالوا نادي الضابط الموجود . كان وزير الداخلية فؤاد سراج الدين باشا هو المتحدث . . قال فيه ايه عندك . . ؟ فوجهت سماعة التليفون ناحية الضرب وقلت له : هذا هو الموجود . . . قال عندك قتلى . . قلت نعم . قال أين الضباط الكبار ؟ قلت : لا اعرف . قال ماذا ستفعلون . . قلت : لن نسلم أبداً وفي هذه اللحظة سقطت قنبلة على السويتش فقطعت المكالمة وكانت أخر كلمة قالها الوزير : شدوا حيلكم وأخذ عدد القتلى والجرحى يتزايد .
وبدأ الجنود والضباط يتساقطون في حرب استمرت 9 ساعات ، واضطررت للخروج . وفوراً رفعت راية ، وتوقف الضرب وجاء أكسهام وسأل : تسلم ؟ قلت : أنا أطلب الإسعاف للجرحى ، قال لن يحضر إسعاف ورفض أن نعالج الجرحي أو ننقلهم بالإسعاف لتلقي العلاج في المستشفى ، وقال سلم أولاً . . قلت : لا . . خبط بقدمه الأرض وصرخ سلم أولاً . . . فقلت له استمر .
واتخذت العملية طابع المذبحة واشتدت ضربات الإنجليز بينما كانت طائرة تطوف بالمكان وتنادي بالميكرفون تطلب تسليماً . . خرجت مرة أخرى وكنت قد جرحت في يدي توقف الضرب . . ويسألنيى أكسهام ماذا ؟ . . قلت الإسعاف ، قال : لا . قلت أذن استمر ، ودخلت . واستمر الضرب حتى حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر وبدأت أجزاء من المحافظة تنهار . . والحرائق تشتعل . . ومواسير المياه تدمر . . وكان أصعب شىء أن تمس المياه جروح العساكر المصابين . . هنا بدا الصراخ من الألم . . وثارت الأعصاب ، وأصعب موقف كان بعد سقوط الضحايا ما بين قتلي ومصابين ، كانت الدماء تنتشر في كل مكان ، هنا تجد ذراعا وهناك تجد قدما أو أحشاء ، لكن الموقف الأصعب عندما انتهت المفاوضات بيني وبين القائد الإنجليزي علي أن أسلم له المحافظة ، في تلك اللحظة سقطت دموع العساكر ، وقالوا : لن نخرج من هنا ، نموت أفضل لازم نكمل المقاومة ، مش مهم مفيش ذخيرة نقاتلهم بالبنادق والطوب والشوم ، حتي نلحق بزملائنا الشهداء ، لقد كان الموقف غريبا وعصيبا ، وأقنعت العساكر بالأمر ، وأننا لن ننجح أن نجرح جندياً واحداً منهم ، لكن في مقدور واحد منهم أن يقتلنا جميعا ، فالذخيرة والأسلحة انتهت وأصبحنا «عُزل» .
وقررت أن أحسم الموقف بالخروج والالتحام مع أكسهام لكن عندما خرجت فوجئت بضابط أخر أكبر من أكسهام ، عندما رأنى خبط رجليه وحيانى تحية عسكرية . . فوجدنى أحييه بدوري .
واتضح أنه الجنرال ماتيوس قائد المنطقة الذي جاء لما طالت المعركة وتكلم فقال : لقد كنتم رجالا بواسل قاومتمونا بشراسة وقوة رغم الفارق في الإمكانات والأسلحة ، عدت إليه للتفاوض والخروج من المكان وكان ذلك بالشروط التي وضعتها رغم الهزيمة ، لكن الرجل وافق علي كل الشروط تقديرا للدور البطولي الذي بذلناه، وكانت الشروط : أن نخرج من مبني المحافظة في طابور طويل وألا نرفع أيدينا مثل الأسري ، وأن يتعامل معنا بـ«كلمة شرف» وألا ينزع العلم المصري من أعلي مبني المحافظة ، ووافق الرجل وتم اقتيادنا إلي المعتقل في صحراء الإسماعيلية .
وقال الجنرال "مالت" قائد أركان حرب منطقة الإسماعيلية قال حينما رأي القتلي والجرحي من شهداء الشرطة المصريين "ما أقذر المهمة التي قمنا بها"؟
وأتذكر أن «ياور» القائد «ماتيوس» دخل إلي مبني المحافظة ، وعندما شاهد الجثث والمصابين وضع يديه فوق عينيه من المنظر البشع ، وقال «هذا عمل قذر ، ما أقدمنا عليه لنحتل هذا المكان» وجدت الرجل وقائده ماتيوس يقف ويؤدي التحية العسكرية لنا وللضحايا .
ولم يستطع الجنرال أكسهام أن يخفي إعجابه بشجاعة المصريين فقال للمقدم شريف العبد ضابط الاتصال : - لقد قاتل رجال الشرطه المصريون بشرف واستسلموا بشرف ولذا فإن من واجبنا احترامهم جميعا ضباطا وجنوداً ، وقام جنود فصيلة بريطانية بأمر من الجنرال أكسهام بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم أمامهم تكريما لهم .



