الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

القصور والمساجد والقلاع العمانية في شرق إفريقيا

أحد القلاع
أحد القلاع

حكم العمانيون شرق إفريقيا أكثر من ثلاثة قرون، ابتداءً من أسرة اليعاربة وحتى أسرة البوسعيد، حتى المؤامرة الدولية على الحكم العربي عام 1964م، وترك العمانيون حضارة زاهرة ما زالت تؤتي ثمارها حتى الآن، هذه الحضارة العمانية هي مزيج من الحضارة العربية والإسلامية، اصطبغت بأخلاق وسلوك الشخص العماني الذي يتحلى بأخلاق الإسلام في التواضع واحترامه الآخر وحسن الخلق.

ولقد كانت تأثيرات هذه الحضارة في جميع نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في منطقة شرق إفريقيا وكانت مركزها جزيرة زنجبار، ثم انتقلت إلى الساحل الشرقي لإفريقيا وتنزانيا ووسط إفريقيا حتى البحيرات العظمى. وكذلك في القرن الإفريقي الصومال وجيبوتي.

 

 

لقد ترك العمانيون العديد من الآثار العمرانية في شرق إفريقيا التي لا تزال موجودة وشاهدة على الوجود العماني، مثل القصور والحصون والمساجد.

 

 

لقد كانت ذروة التقدم المعماري في شرق إفريقيا في عهد السيد سعيد بن سلطان وتركزت حركة العمارة في مدينة زنجبار، حيث كانت العاصمة للممتلكات العُمانية في شرق إفريقيا، فتحولت زنجبار من قرية صغيرة لصيد الأسماك إلى مدينة مزدانة بالمنازل الجميلة ذات الطوابق والحدائق الرائعة، كما تبدلت أكواخها المبنية من الطين والقش والسعف بأبنية مبنية حجرية مثيرة للإعجاب في الخمسينيات من القرن التاسع عشر.

 

 

فقد شيد السيد سعيد لنفسه قصرين أحدهما في زنجبار ويسمى بيت الساحل Bet-el-sahil. وكذلك قصره المتوني Mtoni الذي يعد أقدم وأكبر قصور السيد سعيد في زنجبار.

 

 

بالإضافة للقصور كان السيد سعيد يمتلك بيوتًا أخرى يقيم فيها بعض أزواجه وأبنائه مثل بيت واتورو والبيت الثاني وبيت الرأس الذي كان يبعد مسافة خمسة أميل عن مدينة زنجبار.

 

 

وبنى السلطان برغش بناء القصر الفاخر العجيب المعروف ببيت العجائب، بني هذا القصر على أعمدة ضخمة من الحديد تدور به الرواشن من جهاته الأربع، وزينه بكتابة القرآن الكريم بماء الذهب.

 

 

وفي حوالي منتصف الساحل الغربي لجزيرة زنجبار توجد مدينة زنجبار قلب الحياة الاقتصادية والسياسية على شكل مثلث، وكانت مدينة زنجبار عاصمة لأكبر إمبراطورية تجارية في القرن التاسع عشر وهي المدينة السواحيلية الأكبر والأشهر في شرق إفريقيا وتنقسم المدينة إلى قسمين القسم الأول «مدينة ستون تاون Stone town» على حد الجزيرة التي تظهر بمظهرها الدولي وبشكلها الشرقي ومبانيها ذات الأحجار الكبيرة البيضاء ذات الطابع الإسلامي العربي وبها القصور العربية وبيوت التجارة الأجنبية.

 

 

وتتميز أيضا بشوارعها الضيقة الملتوية وتحتوي على آبار واسعة بها مياه عميقة، وبأنها ذات اقتصاد ناجح، حيث الضخامة في الأعمال خاصة الأعمال البنكية وشركات التأمين وشركات التجارة عبر البحار والمحلات التي تتميز بالمنتجات ذات المذاق الخاص للتجار والسياح العالميين ومعظم سكانها من العرب وجنوب شرق آسيا.

 

 

أما القسم الداخلي (الشرقي) من مدينة زنجبار فيعرف باسم «نجاميو Ngamyo»، وهي تختلف في تركيبها العنصري والقبلي والاقتصادي عن «ستون تاون»، حيث إن معظم سكانها يعيشون مثل الأفارقة في جميع الأحوال.

 

 

وعن مبانيها فهي عبارة عن أكواخ من الطين بها بعض الدكاكين التي تلبي احتياجات الأفارقة اليومية. فتبدو أنها فقيرةً جدًا ولا تختلف كثيرًا عن المقاطعة الإفريقية في دار السلام.

 

 

اهتم السيد سعيد أيضًا ببناء الحمامات العامة والخاصة، فقد بني حمامًا عاما في منطقة (كزمياني) كما بنى حماما لزوجته الفارسية في كيدجي عام 1849، إلى جانب الحمامات الخاصة في القصور، لتكون هذه الحمامات تحفة معمارية فريدة.

 

 

ويلاحظ الزائر لزنجبار الطابع العربي والإسلامي لزنجبار في المباني والطرقات والمساجد. 

 

 

وانتشرت المساجد في سلطنة زنجبار، ففي مدينة زنجبار بالأخص مدينة ستون تاون stone town القديمة الجزء الغربي من مدينة زنجبار تغطي حوالي 80 فدانًا إنجليزيًا هكتار hectares وعدد سكانها 18.000 بها حوالي خمسون مسجدًا، ويرجع ذلك إلى معرفتهم لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنة)، ولأهمية المساجد في حياة المسلمين حيث تعد مراكز تعليمهم وإقامة شعائرهم والاتصالات الاجتماعية المهمة وكان لكل من هذه المذاهب السابقة مسجده الخاص. 

 

 

وكانت المساجد يبنيها العرب العمانيون وغيرهم، فلقد بنى الشيخ محيي الدين القحطاني مسجد الجمعة في ماليندي ثم أعاد بناءه الشيخ سعيد بن سيف المحرومي، وانتشرت المساجد في أنحاء متفرقة من شرق إفريقيا. وتجلت المعالم الإسلامية في مدن كلوه وممباسة وموزمبيق في مبانيها المبنية من الأحجار وبها نوافذها الكبيرة. وبنى السيد ماجد مدينة دار السلام عاصمة تنجانيقا سابقا.

 

 

وبنى سلاطين زنجبار القلاع المتأثرة بالطرز الفنية الإسلامية فمثلا يوجد في قلعة ممباسة عدة أعمدة خشبية تحمل نقوشا لآيات قرآنية ويظهر التأثير العربي من خلال الزخارف المنقوشة على الأبواب والجدران.

 

 

وفي داخل إفريقيا تجد قرى عربية مميزة وهي متشابهة تقريبا، فالقرية العربية كانت مجموعة من البنايات على الطراز العربي وحولها حظائر الحيوانات وأكواخ السكان الوطنيين، الذين يحرصون على بناء مساكنهم حول القرى طلبًا للأمن والحماية، وكان يتوسط القرية منزل الحاكم الذي يتميز بالفخامة والأبواب الكبيرة المصنوعة من الكتل الخشبية، ولم ينس العرب أن ينقلوا إلى داخلية البر الإفريقي أقدس مبانيهم، وهي المساجد الجميلة التي تضم أروقة للدراسة الدينية والعلمية، والتي انتشرت هناك، فقد كان للعرب إنشاء العديد من المدن في ساحل شرق إفريقيا إلى جانب إدخال نظام البيوت المبنية من اللبن والمطلية بالطلاء الأبيض، ليس على الساحل فحسب بل حتى في داخل إفريقيا، إضافة إلى المساجد والقرى والأسواق التجارية، ويعد استخدام الأحجار في بناء البيوت طفرة كبرى في حياة سكان ساحل شرق إفريقيا، بعد أن تبدلت الأكواخ الخشبية بعمارات على الطراز العربي المبني من الحجارة والطوب تفصل بينها الطرق المنتظمة.

 

 

تم نسخ الرابط