لا أريد أن اختزل معاني التقدير والعرفان والإجلال للأم في مناسبة الاحتفال بيوم عيدها فقط .. نعم هي مناسبة حميدة ورسالتها أعظم ، فيها تُبر الأمهات وتُصل فيها الأرحام ، ويُذكر فيها فضل وتضحية من رحلن من أمهاتنا .. لكن الأم صلة لا تنقطع ، هي كل شىء وبدونها الحياة لا شىء ، فريده هي بمشاعرها ، لا يضاهي حبها صلة أخت أو بنت أو زوجة ، فهي الوحيدة التي يبقى حبها مهما شاءت الأقدار أو تغير بك الزمان.
ومع هذا يبقى الاحتفال بيوم الام مناسبة تتعدد دروسها ومعانيها ، ومن الدروس التي أتوقف معها دائما في هذا اليوم ، هي منبع الفكرة ، فكرة الاحتفال بعيد للأم .. المبادرة نفسها التي طُرحت في خمسينيات القرن الماضي من الكاتب الكبير علي أمين في عموده بالاخبار ، بعد أن تلقى رسائل تشكو فيها أمهات من سوء معاملة أولادهن ، ونكرانهم للجميل.
فما كان من الكاتب الكبير سوى أن طرح فكرة الاحتفال بعيد الأم في عموده "فكرة" قائلا : "لم لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه يوم الأم، ونجعله عيدًا قوميًا فى بلادنا وبلاد الشرق، وفى هذا اليوم يقدم الأبناء لأمهاتهم الهدايا الصغيرة، ويرسلون للأمهات خطابات صغيرة يقولون فيها (شكرا) أو (ربنا يخليك)؟ لماذا لا نشجع الأطفال فى هذا اليوم أن يعامل كل منهم أمه كملكة فيمنعوها من العمل، ويتولون هم فى هذا اليوم كل أعمالها المنزلية بدلا منها، لكن أى يوم من السنة نجعله عيد الأم؟".
وبعد نشر المقال بجريدة الأخبار اختار القراء تحديد يوم 21 مارس ليكون عيدا للأم، وتحقق الأمر بالفعل بأول عيد أم فى 21 مارس سنة 1956م، ومن مصر خرجت الفكرة إلى البلاد العربية الأخرى.
ومنذ هذا التاريخ أصبح عيد الأم سُنة حميدة ننتظرها كل عام ، بل تطورت فكرة الاحتفال به بمرور الوقت ، وطرق تعبير الأبناء بالتقدير لأمهاتهم ، وعبّر الفن ايضا عن مشاعر العرفان لتظهر عشرات الاغاني التي تحمل التقدير للأمهات في هذا اليوم ربما أكثرها تأثيرا ملحمة فايزة أحمد الغنائية "ست الحبايب".
وبمرور السنين وتعدد أشكال الاحتفال بعيد الأم ، من المهم التمعن في رسالة الكاتب علي أمين وفكرته التي تعكس دورا حيويا للصحفي والصحافة في التأثير المجتمعي .. ولعل السؤال الذي يراودني دائما كم من جزاء سيُحتسب للكاتب علي أمين في هذا اليوم من كل عام؟ .. فبفضل فكرته كم من الأمهات أُدخل عليهن السرور ، وكم من الأرحام وُصِلت وكم من الأبناء بدلوا قطيعتهم لوالديهم لصلة وعرفان خصوصا من بلغا الكبر منهم عتيا.. " فمن دل على خير؛ فله مثل أجر فاعله".
الرسالة كان منبعها تفاعل الكاتب الكبير مع واقع مجتمعي يشكو منه بعض الأمهات ، فكانت الفكرة من منطلق دور صحفي أصيل ، ثم التأثير والاستجابة من القراء حتى تحقق المراد ، لكنها في نفس الوقت تعدت حدود كلماته من معاني ومشاعر .. رسالة تلخص الدور الأصيل للصحفي والصحافة في التأثر والتأثير بالرأي العام ، هذا الدور وإن اختلفت أدواته حاليا بتطور وسائل الاتصال ، ولكنه جزء أساسي من المسؤولية الوطنية والمجتمعية للصحافة في التفاعل والتعاطي مع قضايا الوطن والمجتمع.
فتحية واجبه للكاتب الكبير علي أمين في هذا اليوم .. وكل عام وأمهاتنا عظيمات بمشاعرهن وتضحياتهن وعطائهن .. كل سنة وكل أمهاتنا بخير.



