منذ عام 1997 كل أربع سنوات يجد الرئيس الأمريكي المنتخب الجديد، على رأس جدول أعماله في البيت الأبيض، تقريرًا مفصلًا عن أوضاع العالم بعد 20 سنة، وتشكل السياسة الاستشرافية للقوة الأمريكية مركز الثقل الأساسي في أولوياتها.
فإذا كانت المؤسسات المالية الدولية قد توقعت أن تكون الصين هي القوة الاقتصادية الأولى عام 2035، فإن القائد السابق للقيادة العليا لحلف شمال الأطلسي الأدميرال المتقاعد جيمس ستافريديس، يتوقع نشوب حرب أمريكية- صينية طاحنة قد تستخدم فيها الأسلحة النووية قبل ذلك وبالتحديد عام 2034، وفأل الشؤم هذا توقعه قبله هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكية السابق عندما أعلن عن بداية الحرب الباردة مع الصين.
وإذا تمعنا في البيان الختامي لقمة الناتو (الحلف الأطلسي) الأخيرة سنجد هذه التوجهات تذكر رسميًا وبكل صراحة، حيث أعلن عن مشروع دفاعي جديد لمواجهة تحديات الصين وروسيا.
وبشر الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ الصحافة العالمية بأنّ القادة المشاركين في القمة اتفقوا على أهمية تكاتف أوروبا وأميركا الشمالية وكافة الدول الـ30 الأعضاء في الحلف، كما اتفقوا على انهاء خلافاتهم كليًا والتفرغ لمواجهة "النظم الشمولية مثل روسيا والصين".
أما لماذا استشعار الخطر من روسيا والصين إلى هذه الدرجة فيذكره ستولتنبرغ على النحو التالي:
- وسعت الصين ترسانتها النووية بشكل سريع مع رؤوس نووية متطورة.
- تمتلك الصين وروسيا قوة إلكترونية قادرة على خوض حرب سيبرانية مما يشكل خطرًا على الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي.
- استمرار روسيا بانتهاج سياسة توسعية في أوكرانيا والشرق الأوسط وبخاصة بعد ضمها لشبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني، ويذكر الخبير الألماني في الشؤون الروسية توماس فاسبندر أن الحرب الباردة بين الغرب وروسيا قد بدأت منذ عام 2014، أما الصين فهي تتوسع في إفريقيا والمحيط المتجمد الشمالي، وأن توسع نفوذها يمثل تهديدًا لأمن الحلف، لذلك قرر قادة الحلف التصدي للتهديدات الصينية.
وردًا على لقاءات الرئيس الأمريكي جو بايدن مع قادة دول أوروبا الشرقية، مثل رومانيا وبلغاريا ولتوانيا واستونيا، وهم جيران لروسيا وتعهده بتعزيز قدراتهم الأمنية في مواجهة التحديات الروسية، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو عن خطة لبلاده لإنشاء نحو 20 تشكيلا ووحدة عسكرية جديدة للجيش الروسي بنهاية هذا العام للرد على الاستراتيجية التوسعية لحلف الناتو قرب الحدود مع روسيا".
أما الرد الصيني على الحملة الأطلسية، فقد اكتفت البعثة الصينية لدى الاتحاد الأوروبي بالقول إن الحلف يبالغ في اتهام الصين، وبكل نعومة نصحته "بتكريس المزيد من طاقته لتعزيز الحوار".
وقالت في بيان رسمي "إن سعي الصين للتحديث الدفاعي والعسكري مبرر ومعقول ومنفتح وشفاف"، وأنها لا تخفي شيئًا فهي تستعد للاحتفال بمئوية حزبها الشيوعي في الشهر المقبل وتلوح بالحلم الصيني.
التهم الاطلسية للصين وروسيا والردود الصينية والروسية عليها لم تغير من الخطط والبرامج المعدة سلفا لإدارة الصراع أو تفجيره في أي لحظة تجد فيها القوى الكبرى مستفزة، كما يقول القائد الأطلسي السابق ستافريديس ويتوقع أن يكون بحر جنوب الصين البؤرة التي تنطلق منها شرارة الحرب بين البلدين، بسبب المياه المتنازع عليها. المياه التي تدعي الصين أنها ضمن محيطها الإقليمي، وهو ما يمنحها السيطرة على احتياطيات النفط والغاز التي يزخر بها البحر، فضلًا على السيطرة على 40% من التجارة العالمية.
لذلك بحث قادة الناتو مواصلة رفع حجم الإنفاق العسكري للدول الأعضاء، كما استلم الكونجرس الأمريكي طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن زيادة النفقات العسكرية إلى 753 مليار دولار في مشروع الموازنة الدفاعية للعام المالي 2022 من أجل "تطوير القدرات العسكرية لمواجهة روسيا والصين".
خارطة طريق الصراعات والحروب لا تمر هذه المرة عبر الشرق الأوسط الذي يعده الأطلسي بتسويات مع إيران بعد استيعاب قوتها وتوظيفها لـ"السلام"! وتركيا بعد ترضيتها كقوة أطلسية، ومع إسرائيل المدعوة إلى قطف ثمار التنمية الموعودة للمنطقة بالتفاهم، كما يكرر الغربيون، مع "المعتدلين" الفلسطينيين، على ان يجرى ذلك من جديد على حساب حلم الدولة الفلسطينية. انه موسم الهجرة الأطلسية إلى الصين!



