استوقفني كثيرا.. انعقاده في ظل ظروف صعبة مع جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" وضرورة الحذر من التجمعات.. والإجراءات الاحترازية والخطوات المطلوبة عند السفر والتنقل بين الدول.. إلا أنه نجح في اجتذاب ممثلي 25 دولة وعدد 1218 دار نشر وشغل عدد 756 جناحًا.. طبعا عرفتم عمن أتحدث؟ إنه معرض القاهرة الدولي للكتاب 2021 في دورته الـ52 الذي يقام حاليا بمركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس بالعاصمة المصرية، ويعد أحد أهم الأحداث الثقافية في المنطقة العربية.
وفي الواقع بعث المعرض والكم الهائل المشارك العديد من الرسائل التي لا بد أن نتذكرها رغم أنها راسخة في الأذهان.. لكن تحتاج بصورة دائمة إلى ذكرها.
وتأتي أولى تلك الرسائل، أن "ثقافة" مصر فريدة من نوعها ومعقدة ومستقرة.. ولآلاف السنين حافظت عليها، بل وأثرت على الثقافات اللاحقة في أوروبا.
وكانت مصر القديمة من أوائل الحضارات في الشرق الأوسط وإفريقيا، ولأنها بلد الثقافات والحضارات، انهالت المشاركات حيث شهد معرض القاهرة للكتاب هذا العام أكبر تجمع فعلي للناشرين على مستوى العالم، بإجمالي حوالي 1218 ناشرًا مصريًّا وعربيًّا وأجنبيًّا.
الرسالة الثانية، التأكيد الذي ليس فيه مجال للشك، أن الشعب المصري أحد أبرز شعوب العالم ثقافة على المستوى التاريخي.. فقد كانت الملاحظة التي شدت الانتباه، أنه رغم درجة حرارة الجو التي تجاوزت الـ40 درجة مئوية مع الاشتداد في معدلات الرطوبة.. إلا أن عدد الجمهور الذي أقبل على زيارة المعرض في أول أيامه تجاوز 72 ألف زائر وتم رصد العدد من خلال المنصة الإلكترونية ما يثبت وعي وحرص أبناء الوطن على القراءة والاطلاع؛ ما يؤكد تعطش المواطن المصري إلى النشاط الثقافي والمعرفة بعد توقف بسبب فيروس كورونا المستجد.
وهذا أبلغ رد على من يشكك في ثقافة المصري، فهو شعب مثقف بالفعل، وأنه ليس مجرد مجموعة من البشر تعيش في مكان ما، بل شعب متحضر ابن حضارة ضاربة في أعماق الأرض، وأنهم بالفعل علموا هذه البشرية، وأنهم في وقت ما حافظوا على نسل الأرض من الفناء.
فالحقائق تؤكد، أن المثقفين والثقافة المصرية لعبوا دورًا مهمًا في أدوار السياسة المصرية منذ مطالع عمليات بناء الدولة الحديثة على عهدي محمد علي وإبراهيم باشا وما بعده، ودور المثقف ابن البعثات التعليمية في أوروبا، في بناء مؤسسات الدولة الحديثة.
إن الثقافة المصرية، ومثقفيها، كانت جزءًا أساسيًا من إمكانات التأثير المصري في المنطقة العربية، ومركزا لاستقطاب العقول العربية اللامعة فقد كانت جزءًا أساسيًا من الدور المصري في الإقليم العربي، من خلال الإنتاج الثقافي الفكري والنقدي، وفي مجال المسرح والسينما والفنون التشكيلية، والصحف والمجلات الثقافية والفنية، والكتب والترجمات عن اللغات الأجنبية الإنجليزية والفرنسية أساسًا.
الرسالة الثالثة، الشعار الذي أقيم في ظله المعرض وهو "في القراءة حياة" حيث يعد أبلغ تعبير لأهميتها، هو أن القراءة لا بد أن تكون منهج حياة وليست هواية مثلما يعتقد البعض، فلا بد أن يخصص بعض الوقت في الجدول اليومي للفرد حتى لو 10 دقائق فقط قبل النوم.. وفي الواقع ليس ذلك بالشيء الصعب خاصة مع التكنولوجيا الحالية من تواصل اجتماعي وسوشيال ميديا، وبالتالي هناك وقت للقراءة حتى لو كان ذلك من خلال الوسائل الحديثة وإن كان يفضل الكتاب الورقي حتى تعود له هيبته وقيمته الثقافية.
وأولستم تتفقون معي أن القراءة فعلا الحياة؛ نتيجة ما تمنحه من مزايا؛ أولها تساعد على توسيع العقل ومنح المزيد من الأفكار، وتجعل العقول شابة وصحية، حيث أنها يمكن أن تساعد في الوقاية من مرض الزهايمر، كما أن القراءة تبرز التفكير الإبداعي لدى الفرد إضافة إلى أن القراءة تجعلك مشاركا العالم الخارجي والتعرف على عاداته وتقاليده وليس بعيدا عنه، كما أنها تعد الطريقة المثالية للاسترخاء وتهدئة الأعصاب.. وغيرها من المزايا التي بالفعل تمثل إكسير الحياة!



