السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

في السينما المستقلة فتش دائما عن المرأة

بوابة روز اليوسف

في كل مرة أشاهد فيها فيلما مستقلا يناقش قضية مهمة، يتبادر إلى ذهني سؤال حول السر وراء غياب الدعم المادي لهذه الأفلام والذي تحظى به السينما التجارية؟ هذا السؤال يزيد إلحاحا كلما رأيت الاحتفاء الجماهيري بالأفلام المستقلة.

 

ولعل ما حدث في (أسبوع أفلام جوته) الذي انتهى منذ أيام خير دليل على ذلك، حيث تميزت هذه الفاعلية الثقافية بعرض العديد من التجارب السينمائية المختلفة، كان من بينها تجربة الفيلم التسجيلي (ع السلم) للمخرجة "نسرين الزيات" الذي قرر الجمهور ليلة عرضه الحضور إلى مقر معهد جوته، للقاء مخرجته، رغم عرض الفيلم على المنصة الخاصة بالأفلام المختارة بشكل مجاني للجمهور، ولعل التزاحم على حضور الفيلم والنقاش الذي يليه يعود إلى ثقة الجمهور المحب لتلك النوعية من الأفلام إلى أنه ذاهب لمشاهدة سينما حرة، تحررت من كل القيود التي تكبل نظيرتها التجارية، وهو ما انعكس على طبيعة الأفكار المطروحة بها، من حيث تميزها بروح المغامرة، والتي مع الأسف تغيب عن شركات الإنتاج التجارية التي دائما ما تفضل أن تلعب في المنطقة الآمنة.

والحقيقة أن هذا عالم السينما المستقلة يزيد ألقا وتميزا عندما تصنعه السيدات، وعلى سبيل المثال ناقشت "نسرين الزيات" في فيلمها قضية  التشبث بالجذور، والضغوط التي تمارس دوما من أجل الانخراط في عالم المدينة الموحش، والفيلم الذي يعبر عن قصة ذاتية لمخرجته يوضح كيف أنها عكفت على ترميم منزل أسرتها بسوهاج، الذي ظل مهجورا لسنوات، فقط لأنه يحمل ذكرياتها مع والدها الراحل، في حين تصر والدتها على بيعه، حيث الاستقرار بالقاهرة يجعل من بقائه بحوزتهم أمر بلا قيمة.

 

لكنك أثناء مشاهدة الفيلم لا بد أن تذهب بذهنك إلى قضية فرعية لم تقصد "نسرين" أن تجعلها محل اهتمام، وهي قضية صراع العادات والتقاليد الزائف في كثير من الأحيان، الذي يدفعها أن ترتدي حجابا أثناء زيارتها لمدينتها بسوهاج، بينما تتخلى عنه في حياتها العادية بالقاهرة، ما يدلل على كم الصراع الذي تعيشه المرأة في مجتمعنا، وهو ما يتماشى مع كثير من القضايا التي فرضت على وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة التي تتعلق بملابس المرأة، منها مثلا قضية (فتاة الفستان) على الرغم من أن الفيلم قد تم تصويره قبل حدوثها بفترة طويلة، إلا أنه يقدم دليلا ماديا على أن هموم المرأة واحدة، وأنه لن يستطع إبرازها على الشاشة سوى مرأة مثلها.

الأمر الذي تكرر أيضا مع الفيلم الوثائقي حاصد الجوائز (عاش يا كابتن) والذي كان ضمن عروض أسبوع الأفلام لمعهد جوته أيضا لمخرجته "مي زايد" حيث يوثق رحلة فتاة سكندرية تدعى "زبيبة" نحو بطولة العالم في رفع الأثقال، وما يتخلل تلك الرحلة من مصاعب وعراقيل، وذلك بمعاونة مدربها "رمضان" الذي استطاع هو الآخر أن يدفع بابنته "نهلة" لحصد العديد من الميداليات الذهبية رغم أنه كان يدربها وشقيقتها أمام منزلهم بالإسكندرية حيث لا امكانيات مادية تذكر سوى العزيمة والإرادة اللاتي تحلين بها هؤلاء الفتيات.

 

وإذا كان كلا الفيلمين السابقين مجرد نماذج لأفلام مهمة صنعتها سيدات، فإن عالم الأفلام المستقلة مليء بالتجارب الملهمة التي لا بد من دعمها، لا سيما الأفلام التسجيلية التي تعبر عن واقع ملموس، ويستطيع صناعها من خلالها إخراج مشاعرهم وهموهم على الشاشة لتعبر عن قطاع كبير من الجمهور، لكن هذا الدعم لن يتحقق إلا بعد أن تدرك الدولة أهمية هذه النوعية من السينما التي وإن كانت لا تغازل شباك التذاكر إلا أنها تغازل الفكر والوجدان.

 

تم نسخ الرابط