ما الذي جرى في الردهات الخلفية لاجتماعات الحلف الأطلسي وفي اللقاء الثنائي بين الرئيس الأمريكي بايدن والرئيس التركي أردوغان؟ وهل نجح بايدن بإقناع اردوغان بضرورة عودته الى بيت الطاعة الأطلسي؟ وماذا لو تحررت تركيا من التزاماتها الأطلسية بعد اتهامها بإبادة الأرمن أن الأمريكيين والإوروبيين؟ أسئلة باتت تقلق الكثير من المراقبين الدوليين.. فالخلافات التركية الأمريكية اتسعت وتعددت إلى درجة ما عادت التنازلات ممكنة إذا كان بعضها متعلق بالأمن القومي، هناك حاجة لمعجزة لإصلاح ما فسد!!.
إن تركيا بأسرها وليس حزب أردوغان فقط تعارض بشدة إعلان الرئيس بايدن بأن الاتراك العثمانيين قاموا بإبادة جماعية للأرمن، كما أن الاتراك جميعهم يعارضون تسليح امريكا لقوات حماية الشعب الكردي في سوريا لإيمانهم بأن ذلك يهدد أمنهم القومي، والأتراك كافة يعارضون الإجراءات الجنائية الأمريكية ضد "خلق بنك"، أحد أكبر المصارف التركية، المتهم بانتهاكه العقوبات المفروضة على إيران، لأنها تعني افلاس البنك وتدمير الاقتصاد التركي..
هناك بالقطع عقبات يمكن تجاوزها وتذليلها وعقبات راسخة لا يتقبل الاتراك كافة تلبيتها مثل الطلب الغربي المتكرر بالانسحاب التركي من قبرص، فقد رفضت الحكومات التركية المتعاقبة الليبرالية واليسارية والإسلامية والوطنية كلها منذ بداية سبعينات القرن الماضي وحتى اليوم مناقشة هذا الامر الذي تم بإنزال عسكري تركي رغم معارضة الحلف الأطلسي.
لقد رصد مقال نشر في مجلة "ناشيونال انترست" حرره: أستاذ العلوم الإنسانية بجامعة ستانفورد والباحث بمعهد هوفر راسل إيه بيرمان، والباحثة دانية قليلات الخطيب، يدعوان فيها الرئيس بايدن لاصلاح العلاقات مع تركيا، وحددا 7 طرق لتطوير إستراتيجية دبلوماسية شاملة لرأب الصدع في علاقة واشنطن بأنقرة وهي: على واشنطن تبديد مخاوف تركيا من الإرهاب الكردي، إيجاد حل سريع لقضية صواريخ اس 400 واقتراح واشنطن صوارخ باتريوت كبديل والعودة الى برنامج اف 35، تسليم فتح الله جولن الذي تعتبره انقرة مدبر انقلاب عام 2016، اجراء تقارب تركي سعودي وتركي إسرائيلي، تشجيع الحل التعاوني والتقني وإزالة توترات الحدود البحرية شرقي المتوسط، وأخيراً على بايدن أن يوضح أن اعترافه بمعاناة الأرمن لم يكن هجومًا على جمهورية تركيا.
كما أسلفنا فإن اغلب هذه العقبات غير قابلة للتجاوز، فقوات حماية الشعب الكردي في سوريا حلفاء للولايات المتحدة، وقد وعدت إدارة أوباما التي كان بايدن الرجل الثاني فيها بتدريب 30 ألف مقاتل كردي لمحاربة الإرهاب، وقد أبقت الولايات المتحدة قوات لها في منبج وكوباني ومعها قوات فرنسية لاكمال المهمات التدريبية.
ولا يبدو ان تركيا التي اشترت المنظومة الروسية للدفاع الجوي اس 400 على استعداد لإعادتها الى روسيا بعد ان رفضت إدارة أوباما بيعها منظومة باتريوت او تزويدها بمقاتلات اف 35 التي تساهم تركيا بصنع قرابة 80 بالمائة من قطع غيارها.
اما قضية فتح الله جولن فهي شبه مستحيلة لأنه لاجئ في أمريكا ولا سبيل لادانته الا برفع قضية ضده في المحاكم الامريكية وتوفير الأدلة.
تبقى ممكنة تسويات التقارب مع بعض القوى الإقليمية، بيد أن المستحيل الاخير هو التراجع الأمريكي و الأوروبي عن ادانتهم للابادة الجماعية للارمن.. وقد سخرت صحيفة إندبندنت البريطانية عندما جعلت أحد عناوينها "بايدن اعترف بإبادة الأرمن.. فليعترف أردوغان بإبادة الأميركيين الأصليين!".
وعلى طريقة "يبقى الحال على ما هو عليه" سيبقى هذا الحال، فتركيا التي يعتمد 62 بالمائة من اقتصادها على استثمارات دول الاتحاد الأوروبي وتستهدف تركيا زيادة حجم تبادلها التجاري مع الولايات المتحدة، إلى 100 مليار دولار أمريكي خلال السنوات المقبلة لن تتمكن من تعويض ما يمكن ان تفقده عند القطيعة مع الغرب الا اذا استعانت بالصين وكلفتها الأخيرة باعمال وتوكيلات في مشروعها الهائل الحزام والطريق الذي بلغ رأسماله قرابة 1000مليار دولار.
ولكن هل تستغني الولايات المتحدة عن الحليفة التاريخية تركيا ولها فيها 26 قاعدة عسكرية؟.. ان هناك حاجة غربية ملحة ومتزايدة لتركيا في الشرق الأوسط، وفي شرق المتوسط، وفي دول الاتحاد الأوروبي، وفي منطقة البحر الأسود، وكذلك في القوقاز وآسيا الوسطى حيث لن يبقى في أفغانستان بعد انسحاب القوات الغربية سوى القوات التركية.
وعلى ما يبدو ستلبي تركيا الطلبات الغربية مع ان كل المؤشرات تدل على انها تود ان يجري التعامل معها كشريك على غرار التعامل الغربي مع اسرائيل وليس كتابع.
تركيا اردوغان على مفترق طرق وامريكا بايدن تنوي التفرغ للتحديات الصينية والروسية قبل ان يتجاوزها المارد الأصفر ليس في آسيا فحسب بل في القارات كافة!! ولا مجال والحال هذه سوى المساومة مع تركيا التي باتت تنتظر ذلك قبل فوات الأوان.



