من المعتاد أن تشد امتحانات الثانوية العامة ونتائجها ونسب القبول بالجامعات والتظلمات وغيرها الأنظار، كونها تحدد مسيرة الطالب التعليمية المستقبلية.. لكن الحقيقة فرغم أهمية ما سبق فإن ما شد انتباهي لدرجة الفخر والانبهار هو الطالب قرني محمد شعبان، الذي حصل على الثانوية العامة وعمره يتجاوز 70 عامًا!
كان من الطبيعي أن أقف أمام ذلك الحدث الذي يدعو إلى التأمل، فلم يكن يهمني المجموع الذي حصل عليه، فما أثار فضولي هو الشجاعة والعزيمة التي تحلى بها، مواجهًا كافة التحديات والصعاب لاستكمال تعليمه، كما شدني أنه من إحدى محافظات الصعيد التي غالبًا ما تشهد النسب الأكبر للتسرب من التعليم، مقارنة بالعاصمة، وهو ما يمثل نجاحًا وتحديًا جديدًا للتقاليد المتبعة.. ويستحق التقدير والتكريم من الجميع، وفي مقدمتهم وزير التربية والتعليم ليكون قدوة يحتذى بها.
وفي الوقت الذي شعرت فيه بالفخر لذلك الطالب، إلا أنني حزنت عندما تذكرت نماذج شبابية في أوائل الثلاثينات على النقيض تمامًا، فهم لا يعرفون القراءة أو الكتابة نهائيًا، وليس لديهم الرغبة في خوض غمار محو الأمية، وأيضًا عندما اكتشفت أن زوجة البواب في الأربعينات من عمرها ولا تعرف القراءة والكتابة، وليست مهتمة رغم تعرضها لمواقف عديدة من الإحراج بسبب عدم قدرتها على قراءة أي ورقة خاصة بطلبات للسكان، ولا تستطيع تمييز الجوابات التي تصل إليهم، في حين يؤكد الطالب "قرني" عدم الاكتفاء بالثانوية العامة، مصممًا على استكمال مشواره التعليمي، كاسرًا بذلك مقولة أن "التعلم في الكبر كالنقش على الماء".
وفي الواقع عندما أحاول معرفة الحافز والدافع وراء إقباله على التعليم في هذه السن المتأخرة، لا أجد سوى أن وراءه شيئًا عظيمًا يسمى الإصرار والعزيمة وتحدي جميع العقبات وتذليلها من أجل تحقيق الهدف، حيث إن العزيمة هي الاقتناع التام بأن الهدف سيتحقق مهما كانت الصعوبات. وهذا ما نحتاجه جميعًا، الإصرار والعزيمة، هما سر تحقيق النجاح في مختلف المجالات، ونحتاج إلى أن نعيد إلى أذهاننا أن الشخصيات الناجحة والمشهورة هم الذين يمتلكون العزيمة، وعلى ذلك فإذا كانت العزيمة مفتاحنا في جميع مناحي الحياة مع الثقة في النفس والإيمان بقدراتنا، فإننا بذلك نخطو نحو طريق تحقيق الأهداف والإنجازات بكل يسر وتحدٍ.
أولستم معي، أن علينا جميعا تشجيع كل من لديه الإرادة والاستعداد للنجاح والتفوق، والتغيير إلى الأفضل، مهما كان "العمر"، وهناك الكثير من النماذج التي تفوقت في عمر كبير لتثبت مقولة أن "العمر مجرد رقم"، من بينها رسامة أمريكية بدأت مسيرتها الفنية في عمر 78 عامًا، وبيعت إحدى لوحاتها مقابل 1.2 مليون دولار، وهي "آنا ماري روبرتسون موسى" المعروفة باسم "الجدة موسى"، وغيرها من أمثلة التحدي والنجاح، وهذا يدفعنا إلى ضرورة الاهتمام بالفئات التي تسربت من التعليم، وحثهم على دروس محو الأمية وقهر الجهل، مهما كانت أعمارهم.



