الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

هل يمكن اعتبار وسائل التواصل الاجتماعي امتدادًا لوجودنا الحي، أو النظر إليها كوسيلة للتعبير عن الرأي العام؟ وهل هي وسيلة إعلام خاص تجعل كلًا منا مؤسسة إعلامية مستقلة؟

أسئلة تطرح نفسها بوضوح، مع القول المتكرر الشائع الذي يعتبر السوشيال ميديا كأهم أداة معاصرة تساعد في قياس الرأي العام، وتساند مسألة اتخاذ القرار الرسمي.

وفي ظل الحديث عن اللجان الإلكترونية المتنوعة، والحديث عن المجموعات ذات الميول المتجانسة، ومع إدراكي لوجود حسابات مزيفة لشخص واحد بمئات الوجوة، هل يمكن الارتكان حقاً إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي مجالاً حيوياً لقياس الرأي العام؟ 

في تقديري أن هذا الاعتقاد يجب أخذه مأخذ الحذر، وعدم الثقة فيه، لأن الحسابات الحقيقية لأشخاص معروفين لدى المجتمع تخضع لصورة الشخص عن نفسه، ولدوائر المجاملة والاستقرار والتعبير عن الغضب، ما يجعلها امتداداً افتراضياً للشخصية الواقعية، فكثيراً من الأشخاص الذين أعرفهم جيداً يعلنون على وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من الآراء المخالفة لما يعلنون عنه على أرض الواقع، وفي حياتهم اليومية.

أما الأمر الأكثر خطورة، فهو قدرة تلك الامتدادات الافتراضية على صناعة عالم مزدحم جداً من الأصدقاء والأشخاص الذين يشغلون أوقات الفراغ، لكن كل هؤلاء وكل هذا الزحام– عند الضرورة- لا أحد.

وسائل التواصل الاجتماعي في تقديري أحد أهم أسباب ازدياد شعور الإنسان بالغربة والوحدة والاغتراب في عالمنا المعاصر، خاصة لدى الذين يعيشون في دوائر اجتماعية صغيرة في المدن الكبرى.

المشكلة الأكبر التي لاحظتها أن حرية الاستخدام دون مراجعة، هي مسألة يمكن أن تضع أصحابها في لحظات الحزن أو الضعف أو الغصب، موضع الحرج أو المساءلة القانونية أو المجتمعية، وبعضها مع فرط التكرار والإلحاح يخلق مشاكل كبرى في العالم الواقعي.

ومع الوضع في الاعتبار أن ملاحظاتي محاولة لدعم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي استخداما أفضل، فإن المشكلة الأوضح أن مساحة الحرية لمختلف الثقاقات دفع بمجموعة جديدة من المصطلحات والتعبيرات والمجازات والإيحاءات من العالم الافتراضي للعالم الواقعي، انعكست على طريقة إدارة الحوار بين الناس في الشؤون العادية اليومية، كما فرضت أبجدية جديدة في الكتابة.

المؤكد أن كل تلك المجموعات التي تقوم بالتعليق وتحشد وتشارك، وتضع علامات الإعجاب، تساهم في مزيد من الاستقطاب الافتراضي الواسع، وهو استقطاب ينعكس بالتأكيد على أرض الواقع.

ولذلك وبكل وضوح يجب الحذر كل الحذر من الارتكان إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي هي تعبير حقيقي عن الرأي العام، فهي ليست الوجوه الحقيقية للبشر، رغم أنها بالتأكيد تحمل قدراً من الحقيقة، لكنها في الغالب تعبير عن الأوجه الافتراضية المتعددة لشخص واحد.

وسائل قياس الرأي العام الواقعية لا تزال في تقديري هي الأدق والأوضح لدعم اتخاذ القرار، ولا يزال الواقع والناس والحياة الحقيقية محلاً للتأمل والمتعة، والفهم والدرس والاستلهام.

ولذلك فالاعتقاد أن وسائل التواصل الاجتماعي قادرة على قياس حقيقي للرأي العام ليس صائباً، ولا يمكن الارتكان إليه في مسألة صناعة القرار.

تم نسخ الرابط