
أشجان

قصة: جمال بكري
هي امرأة في الخمسينيات من عمرها ترملت في سنٍ صغيرة بعد أن أمضت القليل في بيت الزوجية، ثم مات عنها زوجها وترك لها "نبيل"، وهو كل ما ورثته منه فلم يترك لها أي أموالٍ تعينها علی المعيشة وعلی تربية ولدها.
كدت "أشجان"، وعملت خادمة بالمنازل كي تربي نبيل، وواصلت الليل بالنهار حتى لا تحرمه من أي شيٍء يطلبه، خاصة في تعليمه، فهي تأمل أن يعوضها الله به عن كل ما عانته في حياتها من مشقةٍ، وأن يصبح في أعلی المناصب.
تقدم الكثيرون للزواج من "أشجان"، فهي تملك الكثير والكثير من مقومات الأنوثة والجمال مما جعلها مطمعًا لهم.
فهي جميلة المحيا وجهها كالبدر ليلة التمام، تری في عينيها صفاء السماء، وإذا ضحكت وجدت لؤلؤًا قل أن يجود به الزمان.. شعرها ليل طويل تسبح فيه أيامًا وأيامًا إلی أن يصبح الصباح.

ولكنها أبتْ أن يصبح لولدها زوج أم قد لا يعامله معاملة حسنة، مما قد يدفع "نبيل" إلی عدم التركيز في دراسته أو إلی ترك الدراسة.
ولكنها فضّلت واختارت أن تعيش لولدها وحده دون غيره، داعية الله أن يعينها علی تربيته، وأن يصبح يومًا ما ذا منصب رفيع ليعلو شأنه بين الناس.
وبالفعل اهتمت "أشجان" بتعليم "نبيل" اهتمامًا بالغًا، فهي تقتطع من قوتها حتى تستطيع أن تعلم ابنها، وأن يستمر في دراسته.
ومرت السنون و"أشجان" في عملها كخادمة في المنازل و"نبيل" في دراسته إلی أن تفوق "نبيل" في الثانوية العامة، والتحق بكلية الطب البشري، وهنا بدأت المشاكل تدب بينه وبين أمه.
فهو الآن بكلية قل من يستطيع الالتحاق بها، وهو علی أعتاب تحقيق حلم أمه في أن يصبح ذا منصب رفيع.
تفوق "نبيل" في دراسته الجامعية إلی أن تم تعيينه معيدًا بكلية الطب البشري، وبدلًا من أن يرد الجميل لأمه قام بإيداعها في دار للمسنين، وأشاع بين الجميع بأن أمه قد توفيت، وقام بعمل سرادق عزاء لها، وبذلك فإنه قد دفن أمه وهي علی قيد الحياة.
حزنت أمه حزنًا شديدًا وارتضت بما هي فيه، وتمنت السعادة لـ"نبيل"، الذي هو اسم علی غير مسمی.
ولكن "أشجان"، كانت تدعو له وتتمنی له كل خير، بالرغم مما فعله بها.
تقدم "نبيل" لخطبة إحدی زميلاته، التي تعمل معه في المستشفی نفسه.
وهي أيضًا ابنة لأكبر وأشهر الدكاترة، وهو أيضًا المشرف علی رسالة الدكتوراه الخاصة بـ"نبيل"، التي يحلم بأن يحصل عليها.
تزوج "نبيل" من زميلته الطبيبة، وأعلمها بأن أمه توفاها الله منذ أن كان صغيرًا.
نسى "نبيل"، أن له أمًا علی قيد الحياة، فهو لا يذكرها لزوجته مكتفيًا بقوله "الله يرحمها".
ومنذ أن أودعها بدار المسنين امتنع عن زيارتها، وكانت "أشجان"، تعيش في صمت ولا تحكي لأحد من النزلاء معها عن ابنها حتى لا تشوه صورته أمام أي شخص مهما كان متمنية له دوام التوفيق والرقي.
وفي يومٍ من الأيام مرضت "أشجان" مرضًا شديدًا، مما دفع القائمين علی أمور دار المسنين لنقلها إلى المستشفی.
وفي قسم الطوارئ فوجئت "أشجان"، بما لم يكن في الحسبان فإحدی الممرضات كانت تسكن بالقرب منهم، وعندما رأتها عرفتها وظهر علی وجهها علامات التعجب!
تحدثت معها "أشجان"، والألم يعتصرها "لم هذا التعجب؟"، ردت عليها الممرضة قائلة: "إنك متوفاة وأنا حضرت عزاءك بنفسي".
فابنك قام بدفنك وأقام عزاء لك.
بكت "أشجان"، بكاءً شديدًا وعجز لسانها عن الكلام وفي هذه الأثناء جاءت الطبيبة لتوقيع الكشف الطبي علی "أشجان"، فإذا هي زوجة ابنها "نبيل"، وبعد انتهائها من الكشف الطبي عليها أخبرتها الممرضة بأن هذه الطبيبة زوجة ابنها فما كان من "أشجان"، إلا أن تغلبت علی آلامها الجسدية، وتركت السرير وانصرفت مسرعة صوب الباب.
وعند الباب إذ فوجئت بمن يربت علی كتفها قائلة لها: "لماذا انصرفت يا أمي؟".
إنها الطبيبة زوجة "نبيل"، بعدما عرفت كل شيء من الممرضة وأخبرتها بأن هذه السيدة هي أم زوجها، وأنه أنكرها وتبرأ منها لفقرها.
وقالت لها أرجوك سامحي "نبيل" عما فعله بك.
ردت "أشجان"، وكيف أسامحه، وأنا لم أغضب منه أصلًا فأنا الذي ابتعدت حتى لا أسبب له المشاكل، ولا أكون سببًا في تعاسته.
قامت الطبيبة باصطحاب "أشجان"، إلی المنزل وبمجرد أن رآها "نبيل" خر تحت قدميها وأخذ يجهش بالبكاء، وقال لها سامحيني يا أمي وقال لزوجته.
إنها أمي
إنها تاج علی رأسي.