عاجل
الخميس 2 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الكتاب الذهبي
البنك الاهلي

أسفل الجدار

رسم: جمال هلال
رسم: جمال هلال

أسفل هذا الحائط تجده جالسًا ينظر يمنيًا وشمالًا، بجواره حقيبة متهالكة من البلاستيك لا تحتوي إلا على حذاء متهالك وزجاجة من المياه، يظهر على جسده ووجهه آثار ضرب مبرح ودماء، يُعاني من حمة شديدة، تجده فتى في الثالثة عشرة أو يزيد. ينظر إلى المارة بنظرات الشفقة راجيًا منهم المساعدة بأي شيء، يرتدي قميصًا خفيفًا وسروالًا من القماش لا يحميه من شر برد ديسمبر الذي تقشعر له الأبدان. جالس هذا الصبي على هذه الحال منذ عدة ساعات يُعاني من الجوع والبرد، يمر الناس من أمامه دون أي اهتمام وكأنه حقيبة من القمامة التي لا قيمة لها، منهم من ينظر إليه بشفقة، ولكن لا يملك مساعدته، ومنهم من ينظر إليه باستحقار كأنه يقول أمثال هؤلاء لصوص لا جدوى فيهم ولا منهم.



الساعة الآن تقارب الثامنة، لا يزال جالسًا في مكانه يشتد البرد شيئًا فشيئًا، كلما أقبل الليل، تجده الآن يبكي بحرقة، يبكي من الألم، يبكي بصمت على حاله، ويتساءل أليس من حقي أن أكون نائمًا الآن في بيتي مع أهلي؟، أن أشعر بالدفء بينهم، أليس من حقي أن أكون الآن أتناول ما لذ وطاب من الطعام في بيتي؟ أليس من حقي ارتداء ملابس تحميني من شدة البرد؟ ولكن ليس كل ما يتمني ينال حتى لو كان أمر من حقوق الإنسان.

ينام على الأرض مغمضًا جفنيه، ينتفض من شدة البرد، يفرض الجوع على بطنه يتناقص عدد المارة شيئًا فشيئًا وتبقى الحال على ما هي عليه، ولكن حتى في أشد لحظات الإنسان ظلمة دائمًا هناك نور. تجد النور مقبلًا عليه، شاب في العشرين من عمره يبدو عليه التعب، يبدو أنه انتهي من يوم دراسي طويل، يحمل حقيبته على ظهره وينظر إلى الأمام، ولكن استوقفه منظر هذا الولد الباكي، حن قلبه له دفعه الفضول والشعور بالشفقة والمسؤولية إلى مساعدته، يقترب منه يسمع صوت بكائه الخافض واصطكاك أسنانه، وارتجاف جسده من شدة البرد يقترب منه يوقظه ويسأله:

نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021
نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021

 

- أنت أيها الفتى يبدو أنك...، خذ هذه السترة لعلها تحميك من البرد.

- شكرًا لك يا أستاذ.

- ما الذي يُجلسك هنا في هذا الوقت؟ وأين أهلك؟ ولماذا أنت هنا؟

- يا أستاذ ليس لي أهل ولا منزل، وهذا أول يوم لي في الشارع.

- ولكن أين والداك؟ وماذا حدث لك؟

- كنت أعيش في مع أمي ولكنها توفيت بالأمس، وأبي قام بطردي أنا وأختي الصغرى من المنزل.

-ولكن لماذا فعل ذلك، وأين هي أختك؟

- أبي مدمن ممنوعات، وكان يُعاملنا بقسوة أنا وأمي، وهو سبب وفاة أمي، أما أختي ففقدتها في الزحام ولم أعثر عليها.

يبكي الولد بشدة على ما انتهت إليه أموره، أب مدمن قاسٍ، أم متوفاة، أخت ضائعة. هل لك أن تتخيل كيف يمكن للأمور أن تنقلب في يوم وليلة، الفقر والجوع هم أعداء أي مجتمع، فلا يمكن لأي أمة أن تقوم حتى تشبع.

يجلس الشاب إلى جواره، يشعر بأنفاسه وحزنه، يفكر قليلًا في صمت، كيف أنه يُريد مثل هذا الولد كل يوم، وفي كل مكان أطفال أنهت الحياة أحلامهم قبل أن تبدأ، تجدهم في الإشارات، في القطارات، في كل مكان.

- حسنًا أخبرني ما اسمك؟

- اسمي عمر. 

- سأعود إليك بعد قليل لا تتحرك من مكانك.

-حسنًا. 

يذهب الشاب، يقوم بإخراج محفظته، يقوم بإحصاء ما بها من أموال، يتوجه إلى أقرب مطعم ويأتي منه بطعام، يذهب إلى أحد محلات الملابس القريبة يشتري منها بعض الملابس الثقيلة لعمر ثم يعود مسرعًا، يجده نائمًا كما لاقاه أول مرة يقترب منه يحاول أن يوقظه. 

-عمر استيقظ. هيا جئت لك بطعام.

يُنادي ولكن ما من مجيب، يضع يده على جسمه ليجده باردًا كالثلج، لا يخرج من صدره أي هواء، ينادي ولا مجيب، يحمله على يده ويسير به مسرعًا إلى أقرب مكان للعلاج، ولكن بلا أمل لقد مات في أول يوم له في الشارع، لم يستحمل جسده الضعيف كل هذا البرد والضرب المبرح.. انتهت حياة الفتي المسكين قبل أن تبدأ.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز