لا يألو الرئيس عبد الفتاح السيسي جهدًا في اتخاذ الإجراءات التي من شأنها تحسين حياة المواطن، وأن يحيا حياة كريمة آدمية تليق به وبوطنه مصر، لكن في الوقت نفسه فإن هذا الجهد الجبار يقف أمام وصوله للناس بشكل مباشر شيئان أساسيان، هما الزيادة السكانية الرهيبة التي تقف دائمًا حائلًا أمام كل جهود التنمية، وما تسببه أيضًا من ضغط شديد على مؤسسات وأجهزة الدولة الخدمية، والتي من شأنها التعامل اليومى المباشر مع الناس.
والثاني هو البيروقراطية العميقة والعتيقة للجهاز الإداري للدولة، والذي من شأنه أيضًا أن يزيد من عذابات ومعاناة المواطن المصري اليومية، رغم التحديث والميكنة والتحول الرقمي لمعظم أجهزة الدولة التنفيذية، وهذا الكلام أقوله من حيث معايشة الأحداث اليومية.
والحقيقة أنني مررت بتجربتين تحدثان للكثيرين من المصريين، التجربة الأولى كانت في محكمة شمال القاهرة لاستلام الصيغة التنفيذية لحكم قضائي، حيث قضيت أربع ساعات رأيت فيها العجب، بداية من ضياع ملف الحكم والبحث عنه أكثر من ساعتين، إلى أن تم اكتشاف أنه وضع بالخطأ في حفظ القضايا العمالية، وهو حكم مدني، ثم الخطوات الأخرى لحين وصول الصيغة التنفيذية للنسخ والمسح الضوئي، لأن الأحكام لا بد أن تطبع على ورق مؤمن، وهناك يطلب منك ١٥٠ جنيهًا ثمن طباعة عشر ورقات، أي أن الورقة الواحدة بقيمة ١٥ جنيهًا، وليس هذا هو المهم، المهم أن الأجهزة والطابعات في النسخ والمسح الضوئي معطلة، والسبب "مفيش حبر في الطابعة".. "تعال بكرة"، والكثيرون يذهبون يوميًا فيجدون أن الأجهزة معطلة أو "مفيش حبر"، والسؤال المحير: أين الرقمنة التي يتحدثون عنها في كل المؤسسات الحكومية؟! ثم السؤال الأهم: أين تذهب الرسوم والأموال التي يدفعها المواطن للحصول على خدماته؟!
التجربة الثانية، تخص وزارة العدل أيضًا، وعن رحلة العذاب في الشهر العقاري، والتي لا بد أن تبدأها في السادسة صباحًا حتى تحصل على دورك، ورغم ذلك قد تجد نفسك رقم ٣٠ مثلًا، وستفاجأ أن المكتب ينجز الخدمة لعدد محدد من المواطنين يوميًا، وستفاجأ أيضًا أنه عند الظهر أي بعد مرور نحو أربع ساعات في الشهر العقاري، أن عشرين مواطنًا فقط تمكنوا من إنهاء خدماتهم، وستدعو الله أن تنهي مهمتك قبل العصر حتى لا تأتي في اليوم التالي.
الأهم والأكثر مرارة أن التوكيل أو التصديق لا بد من كتابته على الكمبيوتر، ولهذا سيطلب منك الموظف أو الموظفة أن تدفع مقابل ذلك، ولن تعرف هل المبلغ المطلوب رسمي أم لا، لأنك لن تأخذ إيصالًا بالسداد.
والسؤال: ورغم الجهود الكبيرة لاصلاح منظومة الشهر العقاري وبدء وجود فرق بسيارات متنقلة، نحتاج التوسع في مكاتب الشهر العقاري وزيادة عدد الموظفين؟ إلى جانب بعض مكاتب البريد تقدم التي تقدم خدمات الشهر العقاري.. رغم أن هناك زحام شديد في كل مكاتب البريد من الثامنة صباحًا حتى الثالثة بعد الظهر.
الغريب أن أي جهة حكومية تتعامل معها تطلب منك حوالة بالرسوم، دليل على طهارة اليد ومنعًا للإكراميات والرشاوى، لكن في النهاية إذا كان هناك موظف غير منضبط، فإنه سيعيدك بالحوالة، أو سيخبرك بأن "التوقيع مش باين"، وما يحدث في الشهر العقاري يحدث في قطاعات خدمية أخرى، السجل المدني، والتأمين الصحي، وغيرها وغيرها، مما لا يتسع الحديث عنه، نحن للأسف طورنا الأجهزة ولم نطور العقول، التي تتعامل معها، وبالتالي تستمر عذابات المواطن.



