تركز المدارس الدبلوماسية بمختلف أنواعها على دبلوماسية الحديث الذي يعتمد صراحة على عدة أعمدة، منها لغة الجسد/ مخارج الأصوات/ دقة التلفظ/ الجمل القصيرة/ احترام المقابل والسماح له بالتكلم/علم المعنى / النحو الصحيح/ معرفة باللغات الأخرى/ عدم التجاوز على المذاهب الدينية/ عدم التجاوز على استراتيجيات ونظريات الأحزاب/ عدم انتقاد سياسة الدول/ التقرب من الجميع والابتعاد عن الكبرياء والتسلط بالكلام/ التهذب بالكلام/ الاستماع إلى الآخرين بكل احترام/ التحكم بالعواطف/ الابتعاد عن الغرور والأنانية/، بالإضافة إلى مفاهيم أخرى نتطرق إليها لاحقاً.
يعتبر إتيكيت نبرة الصوت من أهم العلامات المدنية الحديثة بفن دبلوماسية الحديث وعلم النفس الاجتماعي، ويقصد بإتيكيت الصوت (نبرة ومستوى الصوت لدى الشخص)، وكان من أهم الدروس التي تُدرس في المدرسة الفرنسية الدبلوماسية في نهاية القرن االثامن عشر، لكونه يعكس شخصية الإنسان في المجتمع، وكلما كانت نبرة الصوت هادئة ومنخفضة كلما دلل على رقي الشخص وأخلاقه وتربيته ومستوى تعليمه، ويعتبر إتيكيت الصوت في السلك الدبلوماسي من أحد أهم الدلائل الإيجابية للدبلوماسي، ورقي معلوماته وحنكته وشخصيته، خاصة في المحافل الدولية والمناسبات الوطنية.
إن هدوء نبرة الشخص ومستوى صوته يسمى في العرف الدبلوماسي (الصوت الملكي أو السلطاني) لكونه منخفض المستوى وهادئ النبرة ومعبراً فى نفس الوقت، وهذا هو المطلوب في كل شرائح المجتمع، بدءاً من العائلة إلى أكبر التجمعات البشرية، مثل الأسواق والمولات ومحطات القطارات وصالات المطارات.
وحسن الصوت وهدوء نبرته ووضوح مخارج الألفاظ من العلامات التي علمنا إياها رسولنا الكريم "صلى الله عليه وسلم" في حديثه الشريف: (زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ) أي بتحسين الصوت عند القراءة، فالكلام الحسن يزيد حسناً وزينة بالصوت الحسن، ولذلك نرى الخشوع وحسن الصوت في الترتيل والتجويد لتظهر نعمة الصوت التي وهبها الله لنا، ولذلك علينا أن نربي أطفالنا وأبناءنا على ذلك، بدلاً من أن نلهث خلف المدارس الغربية.
كانت مدرستنا الإسلامية سباقة، وهي الأولى في هذا المجال حيث حثت على الصوت الهادئ المنخفض، وهناك أيات قرآنية كريمة بهذا الخصوص، وذات دلائل كبيرة، حيث قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ...سورة الحجرات.
وهى مثال ودرس رباني راق وكامل علينا الاقتداء والعمل به جمعيا ابتداءً من الأسرة الصغيرة إلى الرعية والمسؤول، فقد خاطب الله سبحانه وتعالى أصحاب الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" بعدم رفع صوتهم فوق صوت النبي تكريماً لسيد وخاتم الأنبياء، وعليه يجب أن نقتدي، ونجعل من تعاملنا مع الأخرين على منهاج الأدب الرباني.
إن إتيكيت الصوت وما يحمله من أدب التعامل يعكس صورة حضارية وراقية، سوف ينظر لك الجميع بكل احترام وتقدير، لما له من سمات جميلة وحساسة وهادئة، ولا ننسى اختيار الكلمات المناسبة والمتدوالة، على عكس الصوت المرتفع والنبرة العالية المستهجنة، حيث قال تعالى: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴿١٩ لقمان﴾.. فصوت الحمير عالي النبرة ومرتفع.
وقد أكد الخالق على أهمية خفض الصوت لما له من هيبة ووقار، قال تعالى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ (12 لقمان) وهنا كلمة أغضض بمعنى أخفض الصوت على أن يكون هادئاً وجميلاً، كما يقول تعالى: ِأنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ﴿٣ الحجرات﴾
إن هذا التكريم الإلهي يقابله في الدنيا كل الاحترام والتقدير للشخص الذي يجسد ويعمل بما أمره الله سبحانه، وقرآننا الكريم لهو فعلاً أفضل من كل المدارس الدبلوماسية، ولذلك علينا الالتزام والعمل به، فى العائلة وفى الوزارة والأماكن الرسمية بمختلف أنواعها .
وفي الختام فإن نبرة ومستوى الصوت يعكس كاريزما الشخص من حيث انتقاء الكلمة ولباقة الحديث ووضوح مخارج الأصوات، ومعرفة متى يتوقف ومتى يسترسل بالكلام، واضعاً في حساباته طبيعة ونوع المكان الذي هو فيه، بالإضافة إلى نوع الجمهور والاعتماد بصورة كاملة على مهارة الاتصال والتواصل الاجتماعي.
دبلوماسي سابق / كلية على عمان للإدارة والتكنولوجيا



