الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

عاد مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الثامنة والعشرين بدماء جديدة في إدارته الفنية.

أبرزها د. جمال ياقوت، رئيساً للمهرجان، وسعيد قابيل، مديراً له، مما أدى لتجديد وجوه القائمين على إدارته ولجانه المتعددة، وهو أمر محمود في إتاحة الفرص لأجيال مختلفة.

 

اختزل المهرجان هذا العام فترته الزمنية لخمسة أيام هي من "14 – 19" ديسمبر 2021، بدلاً من عشرة أيام كما كان معتاداً منذ بدايته عام 1988، وبزيادة في قيمة جوائزه المالية تصل إلى مليون جنيه، كما أنه قد استعاد الإطار الهام المصاحب للمهرجان منذ بدايته، والذي كان قد شهد تراجعاً في الدورات السابقة، ألا وهو إصدارات الكتب والترجمات الجديدة. 

 

كما أضاف قسماً اسمه مراجعة إصدارات المهرجان الهامة التاريخية، وإن كنت أفضل في تقديري تعبير استعادة الإصدارات، فهي مسألة استيعاديه لا تحتمل المراجعة لأنها باتت الآن إصدارات تأسيسية تاريخية. 

 

هذا ويجدد مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي النقاش حول قضية التجريب في المسرح والفنون بشكل تخصصي، لكنه أيضاً يمكن رؤيته في إطار تفاعلي أكثر اتساعاً، حيث يمكننا استعادة طرح بعض الأفكار التي يمكنها التواصل مع مسألة التأثير لمصر وعالمنا العربي في العديد من المجالات، ومنها تأثير الثقافة في الاقتصاد، ودور مصر في السياسة الدولية.

 

ذلك أن الحداثة والاقتصاد بالتحديد كجوهر للعولمة، يصنعان ايقاعات متعددة متشابكة، في عالم أضحى التجريب ملمحاً هاماً من ملامحه الأساسية. 

 

ذلك أن معظم مشروعات القرن العشرين وما تلته من سنوات في الحادي والعشرين تعود لجذور قديمة اعتمدت على الصفوة. وإن كانت المشروعات الأخيرة التي شاعت كالعولمة مثلاً تبدو جماهيرية وعمومية، إلا أن صناعتها وفائدتها الكبرى جاءت من وإلى الصفوة.

 

فالصفوة – نخبة النخب – قاسم مشترك أساسي في الحداثة والتنوير والتجريب وما بعد الحداثة، وهي تبدو كمشروعاتها المتعددة ملتبسة للعامة وغامضة لقطاع كبير من الجمهور العام.

 

ومصطلح الصفوة نفسه (Elite) غامض بدرجة كافية تجعله أحياناً يمتزج بمصطلح الرواد (vanguard) .

 

هذا وسواء ما قدرنا أهمية ومصداقية الرواد، إلا أن مفهوم الصفوة في جوهره يعتبر في أحد أهم تعريفاته: الاعتقاد في سلطة الأقلية المختارة، وهو المفهوم الذي يؤدي لنظرة تجعل مفهوم التجريب في الفنون بمعناه الحضاري كقيم جمالية ومعرفية في حوزة مجموعة مميزة بعينها.

 

سواء تم ترشيح تلك المجموعة من الأغلبية، أو أنها هي التي رشحت نفسها كصفوة مهتمة. 

 

وفي هذا تأتي مشروعات التجريب والتحديث لتصطدم مع عقل الطبقة المتوسطة والنخب التقليدية، والتي ظلت لسنوات طويلة مقيدة بالماضي، ومتوحدة مع الأصول القديمة. 

 

وبالتالي فالمسافة شاسعة رغم كل تلك السنين من 1988 حتى 2021 بين التفكير التجريبي والوعي الشعبي.

 

وحقيقة الأمر أن أهمية أية صفوة مجتمعية يمكن قياسها بمدى قدرتها على الحوار الجاد مع الوعي الشعبي، وبمقدار قدرتها على تجديد الوعي.

 

ولهذا فالقدرة على تغيير المشهد المسرحي المصري بالتدريج هو أمر مرهون بقدرة الصفوة أو النخبة المسرحية على نقل المشهدية الجديدة للجمهور العام.

 

هذا وحسناً فعلت إدارة المهرجان هذا العام، عندما حاولت تفتيت مركزية العاصمة في احتواء ثقافة التجريب، إذ تم تقديم عدداً من العروض المسرحية في الإسكندرية وبنها.

 

وهو الأمر الذي يحتاج للتوسع مع الدورات القادمة، وفي الفعاليات الثقافية المختلفة تحقيقاً للعدالة الثقافية.

 

هذا مع الوضع في الاعتبار أن العالم قد تغير، إذ تسبق الفعاليات الحية الواقعية، فعاليات هامة عبر الأثير، وعبر الشبكة الدولية للمعلومات، فالثقافات المتعددة والنخبوية منها باتت على الصعيدين الاجتماعي والثقافي قادرة على فرض وجودها عبر ما يسمى بالشبكة الدولية للمعلومات.

 

إنه عالم جديد مفتوح ومقيد معاً، ملئ بالمخاطر ويحتاج إلى قدرات خاصة في إدارته. 

 

وهذا هو الموقف المزدوج الذي تعيشه مشروعات الحداثة المصرية في عالم معاصر.

 

ومن هنا تأتي أهمية مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وضرورة أن يبقى على تميزه وسط المهرجانات المصرية المسرحية المتلاحقة. 

 

وضرورة وضع ميعاد ثابت سنوي له، كي يتوافق مع الفعاليات الدولية الأخرى، وقد كان ميعاده السنوي الثابت سبتمبر من كل عام، على أن تعمل إدارته عليه بدأب طوال العام.

 

تأتي أهمية استمرار المشروع التجريبي المسرحي المصري في إطار السعي المتواصل لتفعيل دور مصر الريادي الحداثي والمحوري في المنطقة العربية في مجال الثقافة المسرحية والفنون. 

 

وكذلك دعماً لدفع دماء جديدة شابة في المسرح المصري لتصله بالواقع المحيط وتمده بروافد الإبداع الدولي، وهو مشروع هام دعت إليه الدولة شأنه شأن كل المشروعات الثقافية الكبرى.

 

ووضعت قوتها في إدارته وتمويله، وهو ما لا تقدر عليه الجماعة المسرحية المهنية المستقلة أو الخاصة. 

 

مما يدعونا بالتأكيد للاهتمام بجعله مؤسسة ثقافية ذات طابع منتظم، تستعيد بهاء المشروع المسرحي المصري التجريبي، ودوره الهام في خريطة الإبداع المسرحي العربي والإقليمي والدولي.

تم نسخ الرابط