من كان يصدق أن تتحول فترة العقاب إلى فترة تأهيل وعمل وتحقيق عائد مادي، يخصص جزء منه لتغطية احتياجات "النزيل" بعد انتهاء فترة العقاب، والجزء الآخر لتوفير احتياجاته أو منحها لأسرته.
لقد تحول اسمه إلى لقب يطلق فقط على عملاء الفنادق وهو "نزيل"، لقد عرفتم عن ماذا أتحدث.. إنه مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون.
في الواقع لم أستغرب كثيرًا من الخطوة الجريئة نحو تحويل السجون إلى مراكز تأهيل وتوفير حياة آدمية للمسجون "أقصد النزيل"، والسبب في عدم اندهاشي هو أن مصر تعيش حاليًا فترة من أزهى عصورها، في ظل اكتمال جميع أركان الجمهورية الجديدة بجميع أشكالها، تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفي ضوء المبادئ الأساسية للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي تم إطلاقها ضمن نهج الدولة المصرية لتطبيق المشروع القومي "حياة كريمة" لجميع المواطنين.
ولا جدال في أن مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون يمتاز بالعديد من النقاط التي تسترعي الانتباه والتركيز عليها، لكن ما شدني أنه للمرة الأولى يتم منح النزيل الشعور بالحياة خلال قضائه فترة العقوبة من خلال اندماجه في العمل، وتأهيله هنيًا في المجالات المختلفة، وصقل هواياته المتعلقة بالأعمال اليدوية، إلى جانب العمل في مناطق الإنتاج المتعددة التابعة للمركز، مثل الصوب الزراعية، والثروة الحيوانية والداجنة، والمصانع والورش الإنتاجية، كما يتم العمل على تسويق تلك المنتجات لصالح النزلاء، من خلال منافذ بيع تابعة للمركز، أو من خلال المعارض التي يتم تنظيمها، مما يعود عليهم في النهاية بعائد مالي، بالإضافة إلى أن الدخل المحقق سيكون بمثابة حماية لذويهم في الخارج.
والنقطة الأخيرة كانت تمثل مشكلة كبيرة لأسر "النزلاء"، سواء الوالدين أو الزوجة والأبناء، وكان ينجم عن دخول المؤسسة العقابية تحمل ذوي النزيل نتيجة خطئه، وحدوث خسائر لهم من فقد مصدر الإعالة وتعليم الأبناء، إلى جانب أن المركز يضمن بذلك خروج النزيل والعودة للحياة وهو يمتلك حرفة توفر له الرزق والثقافة والوعي، الذي يبعده عن الوقوع في الخطأ مرة أخرى، وتعرضه للعقاب من جديد.
أيضا شدني الشعار الذي يسعى المركز لتحقيقه، وهو "الاستثمار في البشر" من خلال التدريب على الحرف اليدوية، وأيضا العمل على إرساء التعليم بدءًا من محو الأمية إلى وجود مدرسة صناعية داخل مركز الاحتجاز، يحصل منها النزيل على شهادة علمية تؤهله للعمل عندما يخرج إلى المجتمع، وهو ما يساعد على الاندماج المجتمعي.
كما شدني أنه سيتم الاهتمام بالنزيل بعد خروجه من خلال اعتماد برامج للإصلاح والتأهيل، بناء على دراسات علمية بمشاركة متخصصين في التعامل مع المحتجزين، فالمركز ليس فقط لقضاء فترة العقوبة لكن الأهم هو التأهيل، لتمكين النزيل من الاندماج بصورة طبيعية في المجتمع عقب قضاء فترة العقوبة، وكان السجين السابق يشعر بعد خروجه أنه غير مرغوب فيه، وأن المجتمع لا يتقبله ويبتعد عنه، لكن البرامج الجديدة تزيد الثقة في نفسه، وتجعل تعاملاته بعد خروجه طبيعية.
من الأمور التي شدتني أيضًا، توفير مكان ملائم وآدمي لاستقبال أسر النزلاء في أوقات الزيارة، وهو ما جعل هناك راحة نفسية لدى النزيل وأسرته، تمنحهم القدرة على تحمل ما تبقى من فترة العقوبة.
أولستم معي، في أن تغيير مفهوم السجون "المؤسسات العقابية والإصلاحية" إلى مراكز متقدمة ومتطورة للإصلاح والتأهيل طبقًا للمستويات العالمية، يجعل مصر واحدة من أهم وأعرق الدول على مستوى منطقة الشرق الأوسط بأسرها وإفريقيا، في التعامل مع هذا الملف، وأن ذلك يتطلب من منظمات حقوق الإنسان العالمية أن تبرز هذا النموذج بصورة أوضح، وإظهار مدى حرص الدولة على حفظ حقوق الإنسان بشكل كامل، وذلك بدلا من الجري وراء الشائعات التي لا تستهدف سوى قلب الحقائق، والإضرار بالمصلحة العامة للبلاد!



