الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

ليس من المنطق أن نتعامل بالمنطق في ما لا منطق فيه، وليس من الممكن التفاعل مع قضايا ثقافية مصرية عربية وفقًا لمنطق مشجعي كرة القدم أو محبي مباريات المصارعة، فلسنا فريقين متصارعين.  مندهش جدًا من صياغة طلب تحديد المواقع في الخلاف الدائر بين الفنان المصري العربي الكبير محمد صبحي، والوزير السعودي ترك آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه السعودية.  فالأول رمز مصري بلا منصب حكومي، ولكن ليس هناك أرفع من تكريم الدولة المصرية له مؤخرًا كي يحصل على حماية رمزية لا تحتاج للشرح، في أداء يجب أن نفهمه على أنه إشارة لتقدير فنان مصري كبير، وهو ما يفتح الباب لثقة تنهي هذا الجدل الغريب. والثاني ملقب بلقب المستشار ترك آل الشيخ، وهو يشغل درجة وزارية تدمجه في سياق الوزراء في المملكة العربية السعودية، وهو سياق رفيع المستوى. 

 

الأخير معروف عنه ولعه بالإعلام وقدرته على صناعة المشاهد التي تثير اهتمام الرأي العام.  وهو لم يبدأ تلك المشاهد هذه المرة، فالفنان الكبير أعلن رفضه الذهاب لموسم الرياض لكونه ليس "مرفهاتي" في إشارة للهيئة، وبالتالي الإشارة تشمل رئيس هيئة الترفيه السعودي. 

 

فرد السيد الوزير ترك آل الشيخ ردًا متجاوزًا ومدهشًا بالنسبة لموقعه الوزاري المهم، واصفا الفنان الكبير بـ"المشخصاتي"، وشكك في صحة العرض والمبلغ الكبير الذي أعلن صبحي رفضه له، وهو أربعة ملايين دولار، ومزح بسخرية المولعين بالترفيه بأنه يجب الكشف على قواه العقلية. 

 

فرد صبحي مستخدمًا تعبيرات الجاهل، ونقود الجاهل لا ترفعه وما إلى ذلك.  صمت الرجلان واشتعلت حروب وسائل التواصل الاجتماعي الغرائبية.  ودخل البعض ومنهم كتاب كبار ومثقفون ونقاد لإدماج الدور الريادي المصري ومحاولة سحبه في المعركة. 

 

ودارت أحاديث عن تقدمهم في هذا الشأن وعن تراجعنا، ما أحدث التباسًا كبيرًا أود أن أحلله إلى عناصره المنطقية، حتى نعود بالمنطق إلى أحاديث المنطق.  أولًا: الفنان الكبير يحيى الفخراني ذهب للرياض بفنه المسرحي الجميل وعاد بمنتهى الهدوء.  ثانيًا: الذي استخدم تعبيرات غير نقدية وتحتمل السخرية هو الفنان محمد صبحي في البداية عندما استخدم تعبير "المرفهاتي".

 

المشكلة الأكبر أن ما لا يعرفه الفنان محمد صبحي أن المسرحيين السعوديين في الداخل يوافقونه الرأي، وأن رأيه في العلاقة بين الترفيه والمسرح، هو رأي معظم الجماعة المسرحية السعودية، وسأدلل على ذلك بما كتبته سيدة المسرح السعودي د. ملحة عبد الله في جريدة الرياض السعودية 20 يناير 2017 بعنوان: "المسرح ليس دارًا للترفيه"، وهو مقال قديم يعبر عن رأي الأغلبية المسرحية هناك، وهي تقول: "المسرح يا سادة لم يكن دارا للهو والترفيه، ولعل ما رسخ ذلك في عقول بعض العامة هو ما يكتب على قاعات الحفلات أو على الملاهي الليلية (لافتة) مسرح.  وهذا خطأ كبير، المسرح هو دار الوعي والمعرفة والقيم، وقد أضيف أنه مكان لصناعة الإحساس الشفيف وتهذيبه". 

 

فماذا لو كان حديث الفنان الكبير محمد صبحي بهذه الطريقة الواضحة التي تختلف مع مفهوم الترفيه.  وكنت قد تأملت الأمر سابقًا في مقالي ببوابة روزاليوسف بعنوان المواسم "المسرحية في القاهرة والرياض"، وقد جاء المقال برجع صدى على ما به من إشارات للأنواع الرديئة في معظمها من الفنون المصرية التي تذهب لهناك من المسرحيات الضاحكة المعدة خصيصًا للرياض إلى مطربي المهرجانات. 

 

وفي حقيقة الأمر يأتي موقعي طالما هي أيام مخصصة لتحديد المواقع في موقع د. ملحة عبد الله السعودية النادرة خريجة قسم الدراما والنقد، والتي ترفض أن يكون المسرح دارا للترفيه.  ويأتي هذا الرفض مع حساسية كونها عضوًا في مجلس هيئة المسرح وفنون الأداء السعودية، التي لا يظهر لها صوت ولا صورة بجوار المحترف في إدارة الصور الإعلامية وفنون التسلية المستشار ترك آل الشيخ. 

 

فقد أطلقت وزارة الثقافة السعودية هيئة للمسرح لم يظهر عملها الواضح للنور بعد، وهيئتها مجلس مكون من د. مايسة صبيح من السعودية ود. ملحة عبد الله، والفنان عبد الإله سنان من السعودية، والمخرجة نضال الأشقر من لبنان، والسيد سيمون فولر من إنجلترا، وهم يعملون الآن على تأسيس مسرح وفنون أدائية محلية وعربية وعالمية، والرئيس التنفيذي للهيئة هو الفنان سلطان البازغي. 

 

وقد حصلت على مجموعة من المعلومات الصحيحة، بشأن ما يحدث في مستقبل الفنون في المملكة السعودية، ومنها إنشاء أكاديمية الفنون السعودية بالرياض بالتعاون مع جامعة يابانية، وقد أوشك افتتاحها قريبًا.  كما يتم العمل على الانتهاء من شارع كامل في الرياض اسمه شارع المسارح، على غرار بوردواي، في إطار الرؤية المستقبلية للمملكة 20/30 وذلك بميزانية مخصصة لهذا الشارع تقدر بـ16 مليار ريال سعودي. 

 

كما قامت وزارة الثقافة السعودية بعملية تجديد وإحلال لأربعين دارا للعروض المسرحية في جميع أنحاء المملكة.  كما أوفدت لجميع أنحاء العالم 220 مبعوث سعودي شاب لدراسة فن المسرح كي يعودوا ليشكلوا القوة الأساسية للعمل المسرحي هناك. وهنا يجب أن يحضر الدور الثقافي المصري المحوري، في دعم المسرح السعودي لصالح الفن العربي كله، ومتابعته ومناقشته وتقديم الخبرة المخلصة.  يعرف السعوديون والعرب جيدًا قيمة مصر الثقافية، وإذ أثمن التغريدات الرائعة والتعليقات المحبة لمصر على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ غرد سعودي محترم وقال: من ينكر أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، والفن المصري مجنون، وغرد آخر مرددًا مصر التي في خاطري وفي دمي، وآلاف من التغريدات الأخرى المحبة.  وعلى هذا الطريق أود أن أسلط الضوء الباهر، فالعرب هم أكثر من يعرفون الريادة المصرية في الفنون، وكونها المنارة الوحيدة في صعود حقبة الحداثة المصرية والعربية منذ عشرينيات القرن الماضي حتى ثورة 1952، ثم الدور الرائد الذي حمل صيغة المشروع التحرري العربي كله من مصر في ستينيات القرن العشرين.

 

  الريادة تاريخ مشرق لا ينكره أحد، ولا يمكن سرقته أو إنكاره.  أما الدور المحوري الثقافي المصري الحاضر والمستمر الآن، فيجب دعمه وبقوة عبر الاهتمام بالمسرح والفنون التعبيرية المصرية في الداخل، لتشع بهجة ومعرفة على المحيط العربي كله، وهو دور يجب أن يضع في تصوره أن النهضة السعودية القادمة ستسهم في نهضة عربية فنية كبيرة، إذا سارت مسارها الصحيح بشكل موضوعي مخلص.  بعيدا عن الضجيج والشخصنة دور يدرك أن المنارة المصرية الكبرى، ظهر معها الآن منارات جديدة، في معظم عواصم العالم العربي، وأن رؤيتنا لتلك المنارات الجديدة بالتفاعل الثقافي الإيجابي معها، لهو أكبر تعزيز لدور مصر الحاضر المحوري في المنطقة العربية.  ولعل أفضل ما يبقى من هذا الجدل، هو إلقاء الضوء على الجانب الثقافي في هيئة المسرح وفنون الأداء السعودية وانتظارنا لثمارها، ودعمنا للإخوة المسرحيين السعوديين في رؤيتهم للمسرح، وخلق مساحة للنقاش الحر في بيئة طبيعة بين فنانين يعيشون في وطنهم العربي الكبير ويرون في جماعتهم المسرحية العربية حقا أن المسرح ليس دارا للترفيه. 

تم نسخ الرابط