الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

صدمتني واقعة غريبة لا أعتقد أنها من صفات مجتمعنا، وأتمنى أن تكون طارئة، إنها محاولة لإرساء أن الغش في الامتحانات هو الأصل، ومنعه يستحق العقاب، وطبعا هذا شيء يدعو للاستغراب والتعجب، فكيف يمكن قلب الحقائق؟!

بدأت الواقعة مع ظهور حالات غش من الطلاب في إحدى لجان امتحانات الإعدادية بمدرسة الشهيد الشقري بالسنبلاوين بمحافظة الدقهلية، وقد يكون ذلك أمرًا عاديًا من جانب بعض الطلبة، لكن  الذي فوجئت به هو تصرف أولياء الأمور المؤسف تجاه المعلمة "وداد" ذات القيم والمبادئ، التي رفضت السماح بالغش، مؤكدة أنها أرضت ربنا بقدر الإمكان وقدر المستطاع.

وعندما انتهى وقت الامتحان تجمع أولياء الأمور  لينهالوا على "الأستاذة وداد" بالشتائم ومحاولة الاعتداء لولا وجود  الشرطة التي أخرجتها من المدرسة في سيارة لحمايتها. 

في الواقع ما أفجعني في تلك الواقعة، هو انحدار مستوى الوعي لدى البعض، وعدم معرفة خطورة الغش والدفاع عنه، وإرساؤه كأساس لدى أبنائهم بدلًا من تعريفهم بأنه خطأ يستحق العقاب، وتعليمهم أن الغش من الظواهر الخطيرة الخاطئة التي تؤثر سلبًا على تعاملات المستقبل، ويمثل بداية لضياع الضمير وبوابة للفساد.

بالله عليكم، كيف يعمل أولياء الأمور على إرساء مبدأ الغش لدى أطفالهم منذ الصغر  وضياع ضمائرهم، هذه جريمة في حق المجتمع، لأن النشء سوف يكبر على الغش والخداع في جميع تعاملاته.. ما يشكل كارثة على المجتمع.

في البداية فإن غش الطلاب ونجاحهم من دون وجه حق سيؤدي إلى حصولهم على شهادات لا يستحقّونها، ما سيترتب عليه شغلهم مناصب ليسوا أهلًا لها.

كما أن التربية المبنية على الغش تزرع خيانة الأمانة، وعدم الالتزام بالتعاقدات، وعدم الثقة في الكلمة، إلى جانب الغش  في البيع والمُعامَلات التجارية، مثل بيع مواد منتهية الصلاحيّة باعتبار ذلك شطارة، أو الغش فى الألبان بإضافة مياه إليها لزيادة وزنها ما يؤدي إلى إفساد قيمتها الغذائية، وأيضًا الغش في الكيل والميزان بصور مختلفة، أو وَضعُ علامات تجاريّة مقلدة على بضاعة رديئة، ومن أخطر التداعيات الغش في أعمال البناء والمُقاوَلات، مثل التقليل من الأسمنت والحديد المسلح لزيادة الأرباح، ما يتسبب في انهيار المباني وإصابة قاطنيها بالأذى الشديد.. وغيرها من الأمور.

لقد فجرت تلك الواقعة العديد من الأمور الخطيرة  غير المرئية، ومنها أن الطالب الذي يقوم على الغش وتدعمه الأسرة يأتي من واقع القناعة التامة بأن الجميع يفعل ذلك، وبالتالي يصبح الغش حقًا من حقوقه، وهذا يشكل ظاهرة خطيرة  لا بد من مواجهتها بكل حزم.

إلى جانب أن في ذلك مهانة للمعلم الذي يلعب دورًا مهمًا في تخريج أجيال مفيدة للمجتمع من دون تزوير، ويمثل احترامه نموذجا يحتذى بالجهاز التعليمي بأكمله، فكيف يترك المعلم فريسة للجهل؟!

أولستم معي في أن من تربى على الغش يصبح قنبلة موقوتة وخطيرة على المجتمع، نشء يزرع فيه بذور البلطجة يمكن أن يقوم بما يضر مصلحة وطنه مستقبلًا، ويمثل ذلك خطوة نحو  الضياع والوقوع في براثن الإرهاب، وبالتالي لا بد أن نتكاتف جميعًا لايجاد حل جذري للتخلص من هذه الظاهرة، بداية من أولياء الأمور والمدرسة، وصولًا  إلى الأبناء.  

تم نسخ الرابط