في الواقع كنت أخطط لأن أكتب هذا المقال بعد أسبوعين، هما فترة دورة أكاديمية ناصر العسكرية العليا، بمركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة، تحت عنوان "أساليب التفكير والدراسات المستقبلية"، التي تنظمها لجنة تطوير المهنة والتدريب بنقابة الصحفيين، برئاسة حماد الرمحي.
لكن من شدة انبهاري بما لقيته خلال الدورة من قيمة وقامة عظماء قواتنا المسلحة، الذين اخترقوا عقولنا بما لديهم من خبرة عملية وعلمية، والقدرة على استشراف المستقبل، وجدت أنه لا بد من توجيه الشكر لهم رغم أنه مهما كانت كلمات الثناء والشكر فلن توفيهم حقهم.
أتيح لنا من خلال الدورة لقاء خير أجناد الأرض من القوات المسلحة، عظماء وخبراء ومفكرين داخل أكبر صرح استراتيجي في إفريقيا، وكانت البداية مع اللواء أ. ح. عادل الديب، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية، الذي حرص على استقبالنا بشكل مميز من خلال كلمته الداعمة، وتأكيده استمرار متابعته لنا خلال فترة الدورة.
كما فوجئنا باللواء الدكتور أ. ح وائل ربيع بخبراته الكبيرة، وهو القيادي السابق بإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، ومستشار مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة، مشرفًا على الدورة، بدوره الداعم والمساند لتحقيق أكبر استفادة، وقد بدأ في أول لقاء بالجرعة التعليمية المعاصرة، كاشفًا عن أهمية تأهيل جيل قيادة من الشباب قادر على التفكير وعدم الانسياق وراء الأفكار الهدامة التي تفرضها الحروب الافتراضية الخطيرة، والتي هي سمة التكنولوجيا الحديثة.
تطرقت إلى حرب المعلومات الحديثة وآثارها على المجتمع والدول، وكيف يتم تأمين تلك المعلومات (الأمن السيبراني) من الاختراقات، وتم تلخيص الإجابة من جانب اللواء د. عماد حلمي، المستشار بالمركز، في أهمية الوعي والانتباه إلى جهاز المحمول الذي يحوي جميع البيانات، ويمكن اختراقه حال عدم الوعي بأهمية تأمينه.
أيضا انبهر الجميع وأنا منهم بأحد كنوز أبطال حرب أكتوبر، وهو اللواء أ. ح. م. ناجي شهود، قائد إحدى كتائب الاستطلاع بحرب أكتوبر، الذي سرد بعضًا من معجزات حرب أكتوبر، والتلاحم الحقيقي بين الشعب والجيش، مؤكدًا ضرورة مواجهة تحديات الأمن القومي، من خلال أساليب التفكير الحديثة لمواجهة تلك التحديات.
كما ركزت الدورة من خلال اللواء شرطة محمد عبد الواحد، على دور الإنترنت والجرائم الإلكترونية في اختراق العقول، وتوجيه المجتمع، والسعي نحو تغيير الهوية الأصلية.
وكشفت الدورة عن خطورة حروب الجيل الرابع، بعد أن صار العمل العسكري باهظ الخسائر والتكاليف، وهنا كان التحول لاختراق القطاع المدني للدولة، الإنسان وتضليله في منزله وعمله من خلال الإعلام المزيف، الذي يقوم بقلب الحقائق استنادًا إلى قول "جوبلز" وزير الدعاية في حكومة هتلر: أعطني إعلاما بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعي.. وتم التطرق لخطورة التليفون المحمول الذي يساهم في نشر تلك الأكاذيب المضللة من خلال تداولها سريعًا.
كما كشف اللواء أ. ح د. سمير فرج، مدير الشؤون المعنوية الأسبق، وأحد أبطال وقادة حرب أكتوبر المجيدة، عن حروب الجيل الرابع والخامس التي تستهدف تفكيك مفاصل الدولة من الداخل، من خلال العديد من الأساليب التي واجهت بلادنا مؤخرًا، ومنها الإرهاب، وإطلاق الشائعات الكاذبة، ونشر المخدرات، والفوضى الإدارية، وفساد الإعلام الموجه والمضلل، وإنه لا سبيل لمواجهة تلك الحروب إلا من خلال نشر الوعي لدى أفراد المجتمع، وتعريفهم بمدى خطورة ذلك على الدولة.
كما فوجئنا باللواء طيار هشام الحلبي، مساعد رئيس أركان القوات الجوية الأسبق، مستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، لا يتحدث عن قطاع الطيران وتطوراته وكفاءة الطيار المصري حاليًا، لكنه يتحدث أيضًا عن أن الحرب القادمة هي الحرب الافتراضية، مع ارتفاع تكلفة الحرب التقليدية، ومع انتشار التكنولوجيا.
أولستم معي، أن العالم يتغير بصورة حديثة وسريعة، وفي الوقت الذي لا بد أن نتماهى مع تلك المتغيرات التكنولوجية المتلاحقة، إلا أننا في حاجة أيضًا إلى تأمين البنية التكنولوجية لمختلف قطاعاتنا، وذلك من خلال المدن التكنولوجية عالية التأمين، ومن هنا كانت أهمية بناء العاصمة الإدارية الجديدة، والتي ينتقل إليها كافة قطاعات ووزارات الدولة لتوفير التأمين التكنولوجي الخاص بها جميعًا.



