دائما تنعكس آثار الحروب والاضطرابات بصورة مباشرة على الجانب الاقتصادي، سواء في الدول محل النزاع أو الدول الخارجية، فيما يسمى "اقتصاد الحرب".
وعلى الرغم مما تخلفه الحروب من أزمات اقتصادية، إلا أنها في نفس الوقت تترك من العظات والدروس المستفادة ما يجب الانتباه له.. ويصبح التساؤل كيف ذلك؟
بالنظر إلى الحرب الراهنة الروسية الأوكرانية، نجد أن المؤشرات الاقتصادية العالمية كانت الأسرع تأثراً، وانعكس وضع الأزمة على السوق الداخلية المصرية التي لا تعد بعيدة عن التعاملات الاقتصادية العالمية، سواء من حيث ارتفاع سعر برميل البترول، أو القفزة الكبيرة في أسعار المعادن الثمينة والمشغولات الذهبية، أو التوترات في حركة النقل التجارية.
وجاءت تلك التأثيرات لتلقي بظلالها على بعض القطاعات، وهو ما يحتم ضرورة إعادة النظر في بعض الأمور الاقتصادية والتجارية المهمة، على الرغم من أن لدى مصر اقتصادًا قويًا يمكنه امتصاص التداعيات المتوقعة، والتي ربما تكون حدتها كبيرة على كل دول العالم، على اعتبار أن الدولتين المتنازعتين أكبر مصدّر للغاز الطبيعي، ويحصل منهما الاتحاد الأوروبي على 41% من احتياجاته، إضافة إلى أنهما تملكان 17% من صادرات القمح على مستوى العالم.
وبلغة الأرقام فإن حجم إنتاج مصر من القمح يتراوح بين 8 و9 ملايين طن سنويًا، بينما يبلغ حجم الاستهلاك 18 مليوناً، وعلى ذلك تبلغ الفجوة من 9 إلى 10 ملايين طن سنويًا، ما يجعل مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، مع الأخذ فى الاعتبار أن دول روسيا وأوكرانيا ورومانيا تتصدر قائمة المصدرين للقاهرة، وبطبيعة الحال فإن الحرب ستنشئ حالة من التنافس بين الدول المستوردة على المتاح من القمح.
ومع تلك الحقائق، وارتفاع سعر القمح حسب قوانين العرض والطلب، تبرز الدروس المستفادة، والتي يجب أخذها في الاعتبار مستقبلاً، أول الدروس هو العمل على زيادة المساحة المزروعة من القمح لتقليل فجوة الاستهلاك، والثاني ضرورة تغيير ثقافة وسلوكيات الاستهلاك لتقليل الاعتماد على القمح بصورة رئيسية في الغذاء.
كما أفرزت الحرب الروسية الأوكرانية، تأثيرات واضحة على حركة التجارة استيراداً وتصديراً بين مصر وروسيا وأوكرانيا، حيث يعتبران من أهم الشركاء التجاريين لمصر في مجال القطاع الغذائي والحاصلات الزراعية، إلى جانب عدد من السلع والمنتجات الأخرى، وتصدر مصر إلى روسيا محاصيل مهمة مثل الفاكهة والخضروات، وإلى أوكرانيا إضافة للخضروات والفاكهة تصدر الأدوية، والملابس الجاهزة، والزجاج المسطح، والصابون، ومع التوتر الراهن يفقد المصدر المصري تلك الأسواق، وعلى ذلك تصبح من الدروس المستفادة العمل على تنويع الحركة التجارية مع جميع أسواق العالم، وعدم الاعتماد على سوق بعينه.
أولستم معي، أن الأزمات والحروب تخلق فرصاً لإعادة النظر في الأساليب المتبعة لحماية اقتصادنا من التبعية أو الاعتماد على أسواق معينة تجعلها تتحكم في مقدراتنا، كما آن الأوان لأن نتجه نحو سياسة الاعتماد على النفس وتحقيق الاكتفاء الذاتي، فمن يملك قوته يملك أمنه وقراره.



