هل نحن نعيش بالفعل على حافة الزمن؟ هل نحن حقًا قد أنتجنا أنظمة إنسانية راسخة للتعبير عن القسوة الإنسانية؟
أسئلة تطرحها الحرب الروسية الأوكرانية عبر عيون مليون طفل لاجئ أصبح مشردًا خارج وطنه، وبعضهم بلا عائلة.
حرب تذكرنا بالمأساة المعاصرة لكل ضحايا الحروب في الوطن العربي والعالم.
لقد أصبحنا نعيش عالمًا يهددنا بمزيد من القسوة، بمزيد من الدمار النووي المحتمل، ونقص الغذاء والوقود، واحتمالات التشرد.
ولذلك يبدو أن حديث المسرح مجردًا منفصلًا عما يدور في عالمنا، لهو نوع من الترف الاستثنائي، إلا أن كلمة الهيئة الدولية للمسرح، التي هي رسالة سنوية عادة ما يتم إطلاقها في كل مسارح الدنيا في يوم واحد، وهو السابع والعشرين من شهر مارس، قد أعلنها المهندس محمد سيف الأفخم، مبكرًا عن ميعادها هذا العام، ربما لتكون استباقًا يهدف للتفاعل مع الأحداث الدولية.
وقد كتب رسالة اليوم العالمي للمسرح 2022 المخرج المسرحي والأوبرالي ومدير المهرجانات المسرحية بيتر سيلرز، من الولايات المتحدة الأمريكية، وترجمتها الإمارتية حصة الفلاسي، من مركز الفجيرة التابع للهيئة الدولية للمسرح إلى اللغة العربية.
وفيها يتم طرح الأفكار والرسائل الإنسانية الضرورية الآن عن إدراك الزمن والألم والسعي المهم للنجاة من المصير الأسود الذي يهدد مستقبل البشرية.
ولعل عالم المسرح والدراما بطبيعته التاريخية هو عالم يعيد طرح الواقع أو يحاكيه عبر إعادة تنظيم الأجزاء المبعثرة، يمكنه حقًا رسم صورة للحياة أكثر وضوحًا، وربما أكثر تخلصًا من الأوهام والخداع والادعاء.
ولذلك فإن كلمة المسرح هذا العام، وهو عام الحرب القاسية والصراع الدولي المتجدد، الذي يحاول استعادة تقسيم العالم إلى معسكرين متخاصمين، لإعادة إنتاج أجواء الحرب الباردة القديمة بين روسيا وأمريكا، وحلفاء للمعسكرين، مما يهدد التقدم النسبي لفكرة التعاون الدولي، وهو الأمر الذي تحاول القوميات المتصاعدة في جميع جهات المعمورة الهروب منه.
ولعل الرؤية الدرامية الإنسانية للزمن المعاصر، ووصفه في كلمة المسرح العالمية بأنه زمن ملحمي لهو وصف دقيق لاستعادة الملاحم القديمة، والحروب المدمرة للقوميات التاريخية، حروب تصنع الأبطال المرعبين.
حروب تنسينا رغبتنا في العيش السعيد الممكن، وإطلاق العلوم والفنون من أجل المستقبل المشترك.
كما أن شعورنا العام عبر عالم تغذيه نشرات الأخبار بالتنقيط كل ثانية، هو شعورنا بعالم يغمرنا في تفاصيل لا نهائية، تضيع معها الحقائق ويختفي الألم الإنساني في فيض من المعلومات المتكاثرة بشكل لا نهائي ينسينا جوهر الحياة الإنسانية.
لتصبح التفاصيل اليومية متاهة تعيسة، كما يصفها وليم شكسبير في مسرحية ماكبث:
"ألا أنطفئ، يا شمعة وجيزة، ما الحياة إلا ظل يمشي، ممثل مسكين يتبختر ويستشيط ساعته على المسرح ثم لا يسمعه أحد، إنها حكاية يحكيها معتوه، ملؤها الصخب والعنف ولا تعني أي شيء".
ولذلك فإن الروح الإنسانية والأهداف الواضحة التي تدرك جوهر الزمن الذي يغمرنا جميعنا ويحيلنا إلى نسخ مكررة تغرق في التفاصيل، ليحجب عنا الحقيقة المؤكدة ألا وهي أننا سراب نعبر ونغادر، وأن الصبر الإنساني ضرورة من أجل حياة أفضل.
إن المسرح والدراما هما التعبير الأفضل والأكثر عمقًا للتجربة الإنسانية، وليس ضجيج الأخبار المتلاحقة.
إنه النداء الأكثر أهمية كي نتجاوز التكرار اللانهائي للأخبار وللأرقام وللاحتياج اليومي الإنساني لندرك أهمية ما يضيع من بين أيدينا، وهو ما حدث خلال عامين من انتشار وباء كوفيد 19، وما تلاه من إيقاظ لنزعات عدائية قديمة، إنه التواصل الإنساني.
إنه القدرة على إضعاف حواس الناس عبر العزلة القاسية للاستحواذ على إدارة البشر خارج إرادتهم الإنسانية.
ولذلك فالمخرج الأمريكي بيتر سيلرز، يتجه رغم موقعه الغربي المركزي شرقًا نحو التفكير الإنساني المتطهر من الآثام، ولعل إشارته إلى ديانة الشمس وتعاليم بوذا الباحثة عن الرحمة والتعاطف والمحبة، وهي ذات الأهداف المشتركة في الديانات السماوية وفي جوهر العمل الإبداعي، لهي إشارة إلى ضرورة النظر بعمق إلى الزمن، حتى يمكننا التخلص من شعور التوتر الناتج عن البقاء على حافة الزمن مغمورين بالتفاصيل اللانهائية، وكي ندرك أن المسرح ليس احتياجًا ثانويًا أو أمرًا ترفيهيًا، فالإنسان لم يحافظ على المسرح عبر تاريخه الطويل كي يمارس الترفيه.
إن جوهر المسرح هو أنه ذلك الفضاء الإنساني الذي يجتمع فيه البشر لممارسة المساواة والتعبير الحقيقي عن عمق التجربة الإنسانية، وما هو حادث الآن تكرار معاصر لتجارب التمزق الروحي العميقة، التي علينا إدراكها والتعبير عنها بصور وكلمات ومشاعر تساعدنا على إعادة ترتيب الزمن المبعثر، والمشاهد القاسية اللانهائية التي تعبر كفيض لا نهائي أمام أعيننا، وتخلط ما بين الوهم والواقع.
وهكذا تذكرنا كلمة الهيئة الدولية للمسرح هذا العام بدور المسرح والفنون التاريخي المستقبلي معًا، وهو العمل على التعبير عن عمق المشترك الإنساني والتعبير عن التجربة الإنسانية الحقيقية، في إصرار على الدور الثقافي الإنساني للفنون والذي يعبر عن تراكم معرفي ووعي يعبر عن إدراك خاص للزمن، وللصور وللأحداث اللانهائية.
إنه يوم المسرح العالمي يعود ليذكرنا بمشتركات مهمة، وليؤكد لنا أهمية المسرح والفنون في القدرة على حل النزاعات القاسية، إنها قوة بشرية قادرة تلك التي تفسر الزمن وتعبر عن الأفكار والعواطف التي لا يستطيع أحد التعبير عنها.



