

محمد هلال
ضحكات النبي محمـد وابتساماته
الجوانب الإنسانية في خاتم الأنبياء محمـد- صلى الله عليه وسلم- لا شاطئ لبحرها، ولا قرار لعمقها، لتكتمل في شخصه الكريم صورة الإنسان الكامل، الذي أرسله الحق- سبحانه- رحمة للعالمين.
وقد استلهم الأدباء والشعراء والفلاسفة، العرب والمستشرقون وغيرهم من شخصيته الكثير من المؤلفات، واتفقوا على وصفه بأعظم شخصية عرفتها البشرية، ومنهم كتاب العظماء مائة وأعظمهم محمـد، لمؤلفه مايكل هيرث، و"حِكم محمـد" للفيلسوف الأشهر تولوستوي، والكثير مما يضيق المجال لذكره. وممن تشرفوا بالكتابة أو على الأحرى بجمع شذرات من سيرة النبي الكريم في بطون الكتب وصفحات التاريخ، عن جانب طريف في حياة الرسول الأعظم، وهو الضحك والابتسامة، أبو إسلام أحمد بن علي، في كتاب اسماه "100 ضحكة وابتسامة للنبي- صلى الله عليه وسلم".
ولا غرابة في ذلك لمن حرض الخلق على الابتسام الجالب للمحبة بين البشر، فقد قال: "تبسمك في وجه أخيك صدقة". والصدقة درب من دروب الحسنات، التي يؤجر عليها الإنسان من خالقه. ولنلاحظ هنا المنطق النبوي أنه صلى الله عليه وسلم قال "أخيك، يعني عموم البشر".
ومن الطريف في هذا المقام إذا كان الشيء بالشيء يذكر، أن أحد جلساء الحجاج بن يوسف الثقفي قال له: لقد أوتيت ما لم يؤته رسول الله. فتعجب الحجاج وقال له: وما هذا يا عدو نفسك؟ فقال الرجل، خاطبه الحق قائلًا: "ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، وأنت فظ غليظ القلب ولا نبرح من حولك".. وكان الحجاج- كما تدل سيرته- شديدًا غليظًا.. معًا نستعرض بعض تلك الضحكات النبوية.
هلكت يارسول الله!
حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: بينما نحن جلوس عند النبي إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت، قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال فهل تجد إطعام ستين مسكينًا؟ قال: لا. قال: فمكث النبي، فبينما نحن على ذلك أتى النبي بعرق فيه تمر، فقال النبي: أين السائل؟ فقال أنا. قال خذ هذا فتصدق به. فقال الرجل أعلى أفقر مني يا رسول الله، فوالله ما بين لابتيها- يقصد المدينة المنورة- أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي حتى بدت أنيابه ثم قال أطعمه أهلك.
(صحيح البخاري ج2/ ص684).
صليت بأصحابك وأنت جنب؟!
روى أبو داود والدارقطني، عن يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، قال: احتلمت في ليلة شديدة البرد، في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك لرسول الله فقال يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب، فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت إني سمعت الله عز وجل يقول (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما)، فضحك نبي الله ولم يقل شيئا، فدل هذا الحديث على إباحة التيمم مع الخوف لا مع اليقين.
تفسير القرطبي ج5/ ص217
نحوا عنه كبار ذنوبه؟
قال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله إني لأعرف آخر أهل النار خروجًا من النار، وآخر أهل الجنة دخولًا إلى الجنة.. يؤتى برجل، فيقول: نحوا عنه كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها؟ قال: فيقال له عملت يوم كذا كذا وكذا وعملت يوم كذا كذا وكذا؟ فيقول: نعم لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئا. فيقال: فإن لك بكل سيئة حسنة فيقول يا رب عملت أشياء لا أراها ها هنا. قال فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه (أخرجه مسلم).
(تفسير ابن كثير ج3/ ص328)
أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟!
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت عن أنس عن بن مسعود، أن رسول الله قال: آخر من يدخل الجنة رجل؛ يمشي مرة، ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها. فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدًا من الأولين والآخرين، فتُرفع له شجرة فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها وأشرب من مائها؟ فيقول الله عز وجل: يا بن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها. فيقول: لا يا رب ويعاهده ألا يسأله غيرها وربه يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى. فيقول: أي رب أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظل بظلها لا أسألك غيرها، فيقول يا بن آدم ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها؟ فيقول لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها فيعاهده ألا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين فيقول أي رب أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها لا أسألك غيرها، فيقول يا بن آدم ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها، قال بلى يا رب هذه لا أسألك غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليها، فيدنيه منها فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة.. فيقول أي رب أدخلنيها فيقول يا بن آدم ما يصريني منك أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال يا رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فضحك ابن مسعود فقال ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله فقالوا مم تضحك يا رسول الله؟ قال: من ضحك رب العالمين حين قال أتستهزئ مني وأنت رب العالمين، فيقول إني لا أستهزئ منك ولكني على ما أشاء قادر.
صحيح مسلم ج1/ ص174
ابن الذبيحين
حدثني عبد الله بن سعيد، عن الصنابحي، قال كنا عند معاوية بن أبي سفيان فذكروا الذبيح إسماعيل أو إسحق فقال: على الخبير سقطتم كنا عند رسول الله فجاءه رجل فقال: يا رسول الله عد على مما أفاء الله عليك يا بن الذبيحين فضحك رسول الله.
فقيل له يا أمير المؤمنين وما الذبيحان فقال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله له أمرها عليه ليذبحن أحد ولده قال فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا افد ابنك بمائة من الإبل ففداه بمائة من الإبل والثاني إسماعيل.
(تفسير ابن كثير ج4/ ص19).
الخيط الأبيض من الخيط الأسود
حدثنا أبو كريب قال ثنا بن نمير وعبد الرحيم بن سليمان عن مجالد عن سعيد عن عامر عن عدي بن حاتم قال أتيت رسول الله فعلمني الإسلام ونعت لي الصلوات كيف أصلي كل صلاة لوقتها، ثم قال إذا جاء رمضان فكل واشرب حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم أتم الصيام إلى الليل ولم أدر ما هو ففتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرت فيهما عند الفجر، فرأيتهما سواء فأتيت رسول الله فقلت يا رسول الله كل شيء أوصيتني قد حفظت غير الخيط الأبيض من الخيط الأسود. قال وما منعك يا بن حاتم؟ وتبسم كأنه قد علم ما فعلت قلت فتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرت فيهما من الليل فوجدتهما سواء. فضحك رسول الله حتى رئي نواجذه ثم قال ألم أقل لك من الفجر إنما هو ضوء النهار وظلمة الليل.
(تفسير الطبري ج2/ ص172).