الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

بين الفلسطينيين النازحين إلى لبنان, كان رشاد البيبي, وصبحي أبو لغد, وصبحي أبو لبن... والعديد من الصحفيين والأدباء  الذين وجدوا في بيروت, التي لا تغلق أبوابها في وجه مستجير, المأوى والملاذ الآمن والاستقرار, وفوق ذلك كله الحرية, فمارس هؤلاء عملهم, كتبوا وعملوا في الإذاعة اللبنانية, ونشروا أفكارهم وكتبهم.

لما وصل سليم اللوزي إلى بيروت, تفاجأ بشلّة "إذاعة الشرق الأدنى", وكان يلتقي معظمهم في المقاهي والأندية والندوات.

 

 

ويقوم رشاد البيبي بتقديمه إلى سعيد فريحة, رئيس تحرير مجلة "الصياد", التي صدر عددها الأول في اليوم الأول لاستقلال لبنان سنة 1943, وكان حكى له عن تجربة سليم في "الشرق الأدنى", ثم في "روز اليوسف". وكان اللقاء بين الرجلين, و أنس فريحة من اللوزي, فعرض عليه أن يكون سكرتيراً  لتحرير "الصياد", وراتبا شهريا مقداره 400 ليرة لبنانية, وهو مبلغ في حسابات ذياك الزمن يُعد كبيراً.

 

 

نقل سليم اللوزي تجربته الصحفية, وكل ما كان اكتسبه في "روز اليوسف" إلى "الصياد", فطوّر أسلوب الكتابة وتقديم التحقيقات والمواضيع الثقافية والفنية, وبدأ ما سماه فيما بعد" صحافة المعلومات", وتميزت به وتفوقت مجلة "الحوادث", كما سيمر معنا.

 

 

بعد شعوره بالاستقرار المالي, راح سليم يبحث عن الاستقرار العائلي, فكان أن خطب حياة, شقيقة صديقه عبد الحميد الزين, وبعد أشهر معدودات, تزوجا, فأعطته بناته الثلاث وإبنه الوحيد ربيع.

 

 

إلا أن الاستقرار العائلي الذي راوده ورغب فيه لم يتحقق, وبدأ الخلاف بين الزوجين, وكان الطلاق.

 

 

في 23 من يوليو (تموز) سنة 1952 سمع من إذاعة القاهرة, صوتاً مألوفا,  يقرأ البيان رقم واحد, والصوت  كان صوت البكباشي أنور السادات, فكرج في ذاكرته شريط صور عن ليالي السهر والسمر على السطوح, وعن الأيام الذي أمضاها السادات مختبئاً في غرفته, هرباً من ملاحقة رجال الأمن, خصوصاً بعدما ورد إسمه في حادثة إغتيال أمين عثمان, وزير المالية. 

 

 

وعرض سليم اللوزي على سعيد فريحة أن يجري حديثاً مع اللواء محمد نجيب, رئيس مجلس قيادة الثورة وقتها, وفي ذهنه الإتكال على صديقة البكباشي أنور السادات في تأمين مقابلة اللواء.

 

 

وافق سعيد فريحة من دون تردد, فسافر سليم إلى مصر, فبعد قيام الثورة, سقط قرار الطرد.

 

 

وكان اللقاء مع أنور السادات, فطلب سليم منه تسهيل مقابلة محمد نجيب. وكان له ما أراد, فأجرى أول مقابلة صحافية مع الذي سيصبح أول رئيس للجمهورية المصرية.

 

 

واحتل محمد نجيب غلاف "الصياد", وبعد صدور العدد, أخذت وكالات الأنباء تتخاطف المقابلة, كما نقلها المراسلون الإذاعيون موجزة في رسائلهم, وأصبح إسم سليم اللوزي في كل فم بين فكيه يدور لسان.

 

 

وتكرر في "الصياد" ما حدث في "روز اليوسف", ويستبعد إسم سليم كسكرتير للتحرير, ثم راح يعاني من انزعاج سعيد فريحة من النجاح الذي حققه في مقابلته محمد نجيب.

 

 

وعض سليم اللوزي على الجرح, وانتظر فرصة, يستطيع فيها لملمة أوراقه, والتحرر من شبكة "الصياد".

 

 

وكان له ما أراد, عرض عليه فريد أبو شهلا, وكان اشترى امتياز "الجمهور", أن يتولى إدارة تحرير المجلة مع كامل الصلاحيات, فاقترح سليم أن يضاف إلى الإسم كلمة "الجديد", فأصبح إسم المجلة "الجمهور الجديد", تعبيراً عن حِلتها الجديدة. وما لم يتمكن من تحقيقه في "الصياد", حققه في " الجمهور الجديد", ونجحت التجربة, ووثبت المجلة إلى الصفوف الأمامية, وحققت انتشاراً ملفتاً, إلا أن تعاونه مع فريد أبو شهلا لم يدُم طويلاً, كما اشتهي سليم, فقد بدأت اختلافات وجهات النظر تباعد بين الرجلين.

 

 

خلال عمله في "روز اليوسف", توثقت العلاقة بين سليم وكل من  إميل وشكري زيدان, وقد ورثا  "دار الهلال" التي أسسها والدهما جرجي زيدان. فوجد سليم, بعد تركه "الجمهور الجديد", ضالته عند صديقيه إميل وشكري زيدان, ففتحا له مكتب "دار الهلال" في بيروت, فأداره, ثم راح يوزع قلمه وحبره وإجاداته  على مطبوعات الدار: "المصور"و "الكواكب", و"الاثنين", و"الدنيا"... فانتشر إسمه واشتهر على مستوى العالم العربي. 

 

 

وصارت مقالات إبن "الحلونجي" تهز العرب, وقصور الملوك والرؤساء.

 

وعلت به السن, وبدأ يشعر بأنه لن يحقق طموحاته, إن بقي يتنقل وينقل قلمه في جرائد ومجلات لا حكم له فيها ولا قرار, ولا يستطيع أن يحقق على صفحاتها رؤيته وما كان يطمح إليه, وهو "صحافة المعلومات".

 

فبدأ يفكر جدياً في إمتلاك امتياز له, له وحده.

"الحوادث", يعرفها الطرابلسيون جيداً, جريدة أسبوعية تنقل أخبارهم, ونتقل إليهم أخبار الدنيا. كان لطف الله خلاط يرأس تحريرها, يعاونه لفيف من الصحفيين المبتدئين, الذين ما أن يتتلمذوا علي يديه, ويصلب عودهم, حتى يتركون الجريدة وطرابلس, إلى جرائد ومجلات بيروت.

 

 

ويتقدم العمر بالرجل, تثقل حركته ويرتجف القلم في يده, فاستعفى, وإبنه الوحيد غبريال يغرّد خارج سرب الصحافة في الأعمال والتجارة, فقرر الصحفي الشيخ عرض جريدته للبيع بستة آلاف ليرة لبنانية. 

 

 

وانتشر الخبر في طرابلس, فنقل سعدي الصوفي الخبر إلي سليم اللوزي, وكان صديق طفولته وصباه,  وطلب منه الحضور إلى طرابلس. 

 

 

فراح سليم اللوزي يلملم ما يملكه, ويجمع, ويطرح, ويضرب, وجداء حساباته أربعة آلاف ليرة .

 

 

ويتعرف سليم على "الرجل الطيب", كما نعت الصحفي الشيخ, وبكل ما أوتي من "كاريزما" وطلاقة لسان, أخذ يقنع لطف الله خلاط بأن يقبل منه الأربعة آلاف ليرة. 

 

 

فأعجب الرجل باندفاع سليم وحماسته, وأدرك أن إسم "الحوادث" سيكون مصاناً وحياً, فقبل مشترطاً أن يعده سليم بأن يكتب إسمه في مكان بارز, وبوضوح, أنه مؤسس "الحوادث".

 

 

وهكذا كان, وظل سليم اللوزي, وفياً باراً  بالوعد, وإسم لطف الله خلاط ظل في الصفحة الثالثة من كل عدد.

 

 

حمل  سليم اللوزي الامتياز من طرابلس إلى بيروت, و"الجريدة" صارت "مجلة" اسبوعية. فحقق  بها طموحه. 

 

 

فكانت "الحوادث" تعكس ما يعتمر في نفسه, ويظهر هو فيها على حقيقته, بكل ما عنده من موهبة وحس, وقدرة على الإبداع.

 

 

بها  إبن "الحلونجي" الطرابلسي الفقير, هَزَّ العرب.

 

 

أما كيف كانت بدايته في "الحوادث" حتى هجرته الى لندن... فتلك حكاية أخرى .

 

 

تم نسخ الرابط