

محمد هلال
ألعاب الصبيان عند المصريين والعرب
لا تخلو أمة من الأمم، إلا ولصبيانها ألعاب وأهازيج تناسب عصرهم الذين يعيشون فيه وطبيعة حياتهم، وهكذا مذ خلق الله الأطفال؛ وألهمهم فنون التسلية التي تناسب ثقافاتهم وحضاراتهم، والبيئة التي يعيشون فيها.
حتى قبل اكتشاف الكهرباء بزمن بعيد كانوا يمارسون تلك الألعاب للتسلية ليلًا في ضوء القمر، وقت اكتماله، وفي النهار بطبيعة الحال؛ إلا أنها تحلو ليلًا، فالليل له سحر عجيب في كل نشاطات الإنسان المشروعة وحتى غير المشروعة!
تتجلى الألعاب في الأعياد والمناسبات وأوقات الفراغ والتسلية.. حتى جاءت الاختراعات الحديثة ودخل التليفون المحمول كل جيب، فترى الكثيرين ملتصقين جسدًا متفرقين فكرًا، كل وجه يكتفي بوجه الشاشة، يتابع الألعاب التي تطرحها لهم المواقع الإلكترونية، منها المباح الذي يغذي التفكير والعقل، ومنها ما هو معين على الفساد والانحرافات.. ووراء كل ذلك شركات عملاقة تحقق أرباحًا طائلة حتى أصبحت الحياة بلا إنترنت لا طعم لها ولا لون.
نعود إلى اطلالة قديمة بعض الشيء، وتحديدًا ما قبل طغيان تكنولوجيا الإنترنت، ليتذكرها بالحنين من غادروها وجرت بهم سنوات العمر.. ونخبر عنها من لم يعشها، ليعلم كيف كان أطفال الماضي يقضون أوقات فراغهم.. ومن الكتب التي تذكرنا بذلك كتاب" أعياد مصرية"، تأليف إسماعيل عبد الفتاح، الصادر عن الهيئة المصرية.. وللرسول الكريم حديث في استحباب اللعب، وهذا يشمل الأسرة كلها وليس الأطفال فقط.. عن أنس رضي الله عنه قال: كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى.
نذكر أنه قبل دخول الكهرباء في الريف المصري كان لأطفال القرية ألعابهم المتميزة.. لن نتحدث بطبيعة الحال عن كرة القدم التي كانت اللعبة الأولى نهارًا وجعلت منها الكهرباء اللعبة الأولى ليلًا أيضًا.. وطغت مثل الإمبراطوريات الاستعمارية على كل شوارع العالم؛ ولكنه طغيان لطيف كله متعة ونشاط وصحة للأجسام والأخلاق ـ إذا صح التعبير ـ .
ولنا أن نعتز ونفخر نحن المصريين بأن يذَّكرنا المثقف العربي الكبير عز الدين ميهوبي وزير الإعلام والثقافة الجزائرى السابق.. بمقولة هيرودوت "أبو التاريخ" عن مصر والمصريين القدماء، قال: "عندما زرت مصر، وجدت هناك لعبة تسمى لعبة الكرة، يصنعها المصريون من جلد الماعز، ويحشونها بالقطن أو القش"، ويعقب عز الدين ميهوبي: "فقلت لماذا يكذب علينا الإنجليز، فيقولون إنهم موطن كرة القدم، لأنهم احترفوا "السرقة"، من سرقة الأوطان إلى سرقة التاريخ، حتى ينشأ الناس على كذبة، لفرط ترددها، تتحول إلى حقيقة".. جاءت تلك الشهادة الذهبية في مقدمة أكثر من رائعة؛ سخية المعلومات، طازجة الأسلوب، لكتاب "الركض بالكلمات..الرياضة في ملعب الأدب"، وهو الكتاب السابع في مضمار هذا الفن للكاتب الصحفي المتميز بمؤسسة الأهرام والمعلق الرياضي أشرف محمود.
والحق يقال هو كتاب رائد في مجاله غير مسبوق، يذكر فيه المؤلف ما قيل شعرًا ونثرًا عن الرياضة بكل أنواعها وليس كرة القدم فقط.. منذ شعراء وكتاب العصر الجاهلي وحتى الآن.. بذل فيه جهدًا كبيرًا شاقًا يستحق منا وقفة جليلة، تشجيعًا لمثل هذا التاريخ المتميز لنشاطات حياتنا مذ عرف الإنسان فنون الحياة الراقية، وحتى الآن.
وإذا كان الشيء بالشيء، يذكر فنعرف من كتاب"مثالب العرب" لابن هشام الكلبي، القرن الثالث الهجري.. إن العرب كان تعرف لعبة الكرة، وبهذا الاسم "كرة".. إلا أنهم كانوا يتلقفونها بينهم بالأيدي وليس الأرجل مثل كرة "الرجبي" الآن.. وكانوا يصنعونها من قماش ملفوف أو جلود الحيوانات مثل الماعز والأغنام والجمال.. حول زلطة مدورة كهيئة "الكرة الشراب" في الحواري القديمة.. ومن منا ينسي لعبة "البلي"، وهذه اللعبة مشتركة بين القرية والمدينة، وربما كانت تنتشر في شوارع وحارات المدن أكثر بكثير من القرى.. ومازال بعض منها على قيد اللعب..
ألعاب القرية القديمة
ومن ألعاب القرية القديمة، خصوصًا عندما يكتمل القمر فيما يسمى "الليالي البيض" الثالث والرابع والخامس عشر من كل شهر عربي لعبة اسمها "حبارة الضرب".
وهي عبارةعن فريقين من الصبيان، فريق يتحلق جالسًا تتلاصق ظهورهم بهدف الحماية، وآخر يدور حولهم، ويحاول كل فرد ممن يدورن ضرب من يمكنه من الجلوس القرفصاء على ظهره، فإذا تم الإمساك بمن حاول الضرب جلس فريقه كله.. وهكذا حتى يأخذهم الجهد فينصرفون لبيوتهم.
"لعبة شد الحبل"
وهذه اللعبة يشترك فيها الصبيان والشباب أيضًا، يأتون بحبل متين غليظ ويقوم كل فريق بجذب الآخر وشده بعنف، حتى يسقط على الأرض.. وهي لعبة رغم عنفها، إلا أنها تقوى العضلات وتبعث على النشاط.
الاستغماية
وتلك كانت لعبة قاصرة على الأطفال، بأن يختبئ أفراد الفريق في أماكن غير واضحة ويقوم واحد منهم بالبحث، ومن يعثر عليه وينجح في الإمساك به، يتولى مسألة البحث حتى يمسك بغيره، وتلك اللعبة كان يشترك الأطفال من الجنسين، فهي تناسب البنات أكثر والصغار من الذكور.
الحَجلة
وتلك اللعبة كانت مخصصة للفتيات الصغيرات فقط، وهي عبارة عن رسم مستطيل على الأرض بالطباشير الأبيض، وتقسيمه إلى ثلاث خانات، وتقوم الصغيرة بتحريك "طوية"، أو قطعة من الشُقاف، من مربع إلى آخر بقدم واحدة.. ولذا سميت الحجلة، لأن البنت الصغيرة تحجل على ساق واحدة.
النحلة
نادرًا ما تجد رجلًا كبيرًا الآن، لم يلعب النحلة عندما كان صغيرًا، وهى أيضًا لعبة مشتركة بين أطفال المدن وأطفال القري، ولها حِرفة ومهارة في لف خيط سميك حول قطعة خشبية مدورة مثل الهرم المقلوب وإطلاقها على الأرض لتدور حول نفسها بسرعة كبيرة تنطلق لها ضحكات طفولية أكبر.. الآن درست الصين السوق المصرية وألعاب الأطفال فظهرت النحلة الصيني ذات اللأوان المبهجة وفي شهر رمضان يتربع الفانوس الصيني الخاص بالأطفال على قائمة المشتريات.
لعبة صَلَّح
ومازالت هذه اللعبة يمارسها الصبيان بل وشباب المدارس والجامعات من الذكور والإناث، بأن يضع أحدهم كفه على صدغه مقلوبًا للخارج، وخلفه فريق.. يضربه على كفه.. فإذا صدق تخمينه وتصادف الضارب تبادلا الأدوار.
التحطيب
أما إذا تذكرنا لعبة خاصة بالرجال ونراها كثيرًا في أفلام "الفتوات.. والنبابيت" قلنا إنها لعبة "التحطيب"، وكانت تتجلى في أيام الأعياد والأفراح ويتبارى فيها رجال مشهورين بها لحرفيتها الشديدة.. وقوة أعصاب من يلعبها ويتقنها.. يتحلق الكبير والصغير حول رجلين فقط، يتصارعان بالضرب على النبابيت.. ولها قواعدها وأصولها لكن الحَكم فيها رضوخ أحدهما وانهزامه. ربما تكون تلك اللعبة مما نوه عنها الحديث الشريف في يوم الفطر والأضحى.
ألعاب صبيان العرب
ولصبيان العرب في ذلك فنون عدة.. ففي كتاب لطيف المادة، لمؤلفه أحمد عيسى، نشرته مؤسسة هنداوى للتعليم والثقافة، والكتاب رغم صغر حجمه، أشبه بمعجم لتلك الألعاب. ومن الطريف أن نكتشف وجه شبه كبير، مع كثير من ألعاب زماننا، ويقع الاختلاف فقط فى اسم اللعبة، ليس للأطفال فقط بل للكبار أيضاً. ومنها على سبيل الدهشة ، لعبة "المِدْحَاة".. التي ربما كانت أساس أو الأصل للعبة "الجولف"، التي تعد لها الحدائق، والمساحات الخضراء الواسعة، التي تناسبها، وقد تقتصر على الأثرياء والمترفين، حيث تحفر، حفراً صغيرة تصلح لاستقرار كرة "الجولف" بها، بعد أن يضربها اللاعب الماهر، بعصاة الجولف التي تشبه فى اسفلها مغرفة الطعام.
المِدْحَاة
كان أطفال العرب، يحفرون فى رمال الصحراء المحيطة ببيوتهم ومضارب خيامهم حفرًا، تليق بتلك الكرة التي كانوا يتخذونها من الزلط او قطع الصخور بعد تهذيبها، ثم يقومون بضربها بيد من الخشب، فإذا استقرت فى الحفرة المتفق عليها، كان الفوز. وكان يسمى ذلك "الدَّحو".
ومن الطريف الجميل أن يذكرها النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ففى حديث أبى رافع، يقول: كنت أُلاعب الحسن والحسين بالمداحى.
وقد وصف المسدي المؤرخ المدحاة بقوله: هى أحجار أمثال القرصة، وقد حفروا، حفرة بقدر ذلك الحجر، فيتنحون قليلاً ثم يدحون "يقذفون" بتلك الأحجار، إلى تلك الحفرة فإن وقع فيها الحجر، فقد قَمِر أى غلب، وإلا فقد قُمِر.. والحفرة تسمى "أدْحِيَة".. وهي لعبة ربما تكون هي فكرة لعبة كرة الجولف التي يمارسها عليه القوم في ملاعبها الكبيرة بعد تطويرها من حفر الرمال في الصحراء إلى حفر الأرض في ملاعب الجولف.
الدٌّوَّامة
وهي لعبة لطيفة أشبه ماتكون بلعبة "النحلة"، التي لم يفلت من غوايتها أطفال القرية والمدينة على السواء، يقول: فلْكَة يرميها الصبى، بخيط فتُدَوِّم على الأرض، أي تدور، ودوامة الغلام تلف بسير أو خيط، ثم ترمى فتدور.
الأُورْجُوحة
وهى أيضاً تلك التي يلعبها الأطفال فى المصايف وخلافه، وهى خشبة تؤخذ ويوضع وسطها على تل، ثم يجلس صبى على أحد طرفيها، وصبى آخر على الطرف المقابل، فَتَرَجَّح الخشبة بهما، ويتحركان فيميل أحدهما بصاحبه. ولها اسم آخر وهو الطُّواحة.
التَّدْبيح
تدبيح الصبيان إذا لعبوا، وهو أن يُطَامِنَ أحدهم ظهره ،أشبه بشكل الركوع فى الصلاة، ليجىء الآخر يعدو من بعيد، ويركب ظهره، وتسمى عندنا فى ريف دلتا مصر "الحمارة الطويلة"، والتدبيح التَّطَأطؤ.
خَراج
وخريج وتخريج، لعبة للصبيان، بأن يخبىء أحدهم شيئاً فى يده، ويقول: خمنوا وأخرجوا ما فى يدي.. وهى تعتمد على قوة وصلابة يد من يلعبها.
الحِكَّة
وهى لعبة قاسية إنسانياً ولكنهم صبيان الصحراء أصحاب القلوب الصخرية، وربما نصادفها الآن ـ ربماـ بين الأطفال سكان المقابر.. وهى لُعبة يتخذون عظمة من هيكل بشرى قديم، يحكونها حتى تبيض، ثم يرمونه بعيداً، فمن سبق وأخذها فهو الغالب.. وفى حديث ابن عمر، أنه مرَّ بصبيان يلعبون الحِكة، فنهاهم ودفن العظام.
الجُمَّاح
الجُمَّاح تمرة تجعل فى رأس خشبة، وقيل سهم صغير بلا نصل، مدور الرأس، يتعلم به الصبيان فنون الرمى، يجعلون على رأسه تمرة أو طيناً لئلاَّ يعقر، أى يصيبب بأذى، يُرمى به الطائر فيلقيه ولا يقتله، حتى يأخذه راميه.. ويقول أبو حنيفة: الجماح سهم الصبى يجعل فى طرفه تمراً معلوكاً، أى ممضوغ، أملس وليس له ريش، ليكون أهدى له.. أى مناسباً للطفل.. وهى أشبه بصيد العصافير واليمام ببنادق الصيد "الرش".
جَبَّى جُعَل
قالت الأعراب: لنا لعبة يلعب بها الصبيان نسميها، جَبَّى جُعَل، يضع الصبى رأسه على الأرض، ثم ينقلب على الظهر.
وهى كما رأينا لعبة مازال الأطفال فى الحوارى والقرى، يلعبونها.. وقد نراها أيضاً فى ألعاب "الجمباز" أو الرقص الإيقاعى فى المسرح الحديث أو التجريبى.
الجِعِرَّي
ولصبيان الأعراب أيضاً لعبة قديمة، نراها اليوم فى شوارعنا الشعبية والفرق المسرحية، وهى الجِعِرَّى . وذلك بأن يُحمل الصبى، بين اثنين وقد تشابكت أيديهما، وكأنها مقعد . وتسمى "كرسى السلطان".
البُوصاء
وهى لعبة ليلية اكثر ماتكون نهارية، حيث يأخذ الصبيان عوداً فى رأسه نار ، فيديرونه على رؤسهم.
سَفد اللِّقَاح
لعبة تذكرنا بطوابير الجمعية أو الخبز أو طوابير الصباح فى المدارس، وهى انتظام الصبيان أثرهم فى إثر بعض، كل واحد آخذ بحُجْزة صاحبه من خلفه.
الطَّرِيدَة
وأطرد المسابق صاحبه، يقول له: إذا سبقتنى فلك علىَّ كذا، وإن سبقتك فلى عليك كذا.
ومثل ذلك نرى اليوم المسابقات الرياضية على مستوى الساحات الشعبية وكذا دول العالم. ويعد الفائز بطلاً قومياً تفخر به بلاده.
المُفَايلة
والفِيال لعبة يخبِّئون الشىءَ فى التراب، ثم يقسمون التراب نصفين، ويقول الخابئ لصاحبه: فى أى القسمين هو؟ فإذا أخطأ يقول له: فَال َ رأيٌك.
وهى كما نرى لعبة غير غريبة على صبياننا، وخاصة فى القرى والنجوع.
المِهْزَام
وهى لعبة يُغطى فيها رأس أحدهم، ثم يُلطم، أى يُضرب، من الخلف، وفى رواية تُضرب استه، ويقال له: من لطمك؟
وهذه اللعبة بهيئتها، مازال الصبيان يمارسونها، تسمى فى المدينة "شلَّح" وفى الريف " صَلَّح"، كما أسلفنا.
وهكذا تتواصل الأجيال فى افكارها وطرق تسليتها البريئة وغيرها، فلا تخلو الأزمنة القديمة من ألعاب "القمار "مثل التي نراها فى الموالد الشعبية، فهناك لعبة عربية اسمها الكُجَّة، يتقامرون بها تشبه الثلاث ورقات بالمفهوم العصري، يتخذون فيها خرقة، فيدورونها وكأنها كرة.