ظللت طوال العرض المسرحي حلم جميل والذي يعرض الآن على المسرح العائم بالمنيل من إنتاج المسرح الكوميدي؛ معجبا للغاية بالفكر اللامعة التي تقوم عليها حبكة المسرحية، وهي تدور عن متشرد صعلوك يقع في غرام بائعة ورد شابة كانت قد فقدت بصرها وبينما كانت هي تعتقد أن ثريا من الأغنياء يحبها كل هذا الحب، كان المتشرد يكد ويعمل ليجمع لها تكاليف العملية التي أعادت إليها البصر بينما تعرض هو لمشكلة قانونية أودت به إلى سجن قصير أبعده عنها وعن الحياة اليومية.
وبينما كنت أراجع ذاكرتي من أين جاءت تلك الفكرة؟ أجابت ذاكرتي المجهدة من التفاصيل اللانهائية، بأنها من فيلم "أضواء المدينة" للعبقري الخالد متعدد المواهب شارلي شابلن، والذي تم إنتاجه، وتم عرضه الأول في نيويورك يناير 1931م.
والفيلم أحد أهم علامات شابلن وقد أنتج الفيلم بالسينما الصامتة، حتى بعد اختراع الأفلام الناطقة، وذلك لإيمانه الفني بأن السينما هي لغة الصورة ولا تحتاج لحوار درامي ناطق.
وهو من أكثر أفلامه اهتماماً بالجانب الرومانسي الحالم مفرط العاطفية، إلا أن إيقاعه الكوميدي وحسه العبثي في مناقشة الفجوات الحادة في النظام الرأسمالي التي تقع بين عالمي الفقراء والأغنياء. لم ينس شابلن أبدا أيامه الأولى في لندن مع الفقر المدقع وقسوة الحياة، وظلت تلك الأيام وخبراتها هي وقوده الإبداعي المتوهج رغم حصوله على ثروة طائلة وحياة مرفهة جناها من عمله المتصل الإبداعي المنتظم في عالم السينما.
وحقيقة الأمر أن فريق العمل قد أشار بأمانة في الملف الصحفي للمسرحية بأنها عن رائعة شارلي شابلن.
تأتي المسرحية من بطولة الفنان سامح حسين وسارة درزاوي ورشا فؤاد وعزت زين وجلال الهجرسي وناجح نعيم وطارق راغب وعدد من الفنانين وهي من إخراج إسلام إمام، والعمل قام بإعداده الكاتب طارق رمضان، وصنع مناظره حازم شبل، والملابس للراحلة العظيمة نعيمة عجمي، موسيقى هشام جبر، أشعار طارق علي.
وفي حقيقة الأمر يأتي المخرج إسلام إمام بنهج متكرر في أعماله، وهو العودة لمصادر عالمية تحمل طاقة إيجابية وتعمل على البهجة والحس الإنساني، هكذا فعل مع رواية فولتير في المتفائل من بطولة سامح حسين أيضا، ويفعل ذلك بالعودة لأصل إبداعي مهم من أصول النصف الأول من القرن العشرين.
وهو يضعهما حقا في قالب مصري بالغ المحلية، إلا أن مقاطع طويلة من الحوار الدرامي الذي ينتمي للثرثرة المسرحية يظلل الحوار، خصما من طاقة الفكرة الأصلية شديدة الرهافة في فيلم شارلي شابلن أضواء المدينة.
من الإضافات المحلية عالم المولد الشعبي الذي يصنعه العرض بطرافته، إلا أن استخدام حالة من حالات القدرات الخاصة في شخصية السجين في المسرحية تخرج بنا من الضحك المبهج إلى الشعور بالألم من الضعف الإنساني، وهو شعور مضاد في صناعة المبالغة عبر الضحك، فشرط الضحك أن يكون بعيدا عن هذا الألم، ولذلك فهو أيضا يخصم من رصيد الرهافة المتاح في العمل الفني.
حلم جميل طموح جميل لصناع العمل ولمدير المسرح الكوميدي أيمن عزب، إلا أن ملاحظات ضرورية يجب حدوثها لنجاح مثل هذه العروض، وهو الثراء الإنتاجي، وهو أمر حادث نسبيا في المناظر والملابس، وغائب تماما مع غياب الدعاية المحترفة للعرض.
يحتاج العرض للتخفف من كثرة الحوار مع توقف الحدث الدرامي ولضبط الإيقاع العام له، إلا أن طريقته بلا شك هي طريقة الفنان عندما يحاول الجمع بين البساطة الفنية للجمهور العام، وبين الحس الإنساني.
حلم جميل رغم أي ملاحظات حلم فني يسعى نحو جماليات فن المسرح.



