"رب أخ لك لم تلده أمك" مقولة تعكس مدى الترابط بين شخصين ، تتسم العلاقة بينهما بالشهامة في الكثير من المواقف و المناسبات ، بالإضافة إلى صدق المشاعر و شدة التقارب فيما بينهما حتى صاروا كالأخوة.
( الصداقة ) الحقيقية هى بمثابة هدية و رزق من الله ، برغم أن كلمة الصداقة صغيرة في حجمها قليلة في عدد حروفها ، إلّا أنها تحمل معاني وصفات أعمق وأعظم من اي كلمات أخرى، الصداقة لا تقاس بالفترة أو الوقت بين الأصدقاء، بل إنها تقاس بمقدار الوفاء والإخلاص والعطاء خلال سنين العشرة .
( الصداقة ) كلمة اشتقت معناها من كلمة الصدق، الصداقة علاقة تخلو من الأنانية، تظهر في كلمة طيبة، أو دعاء من القلب، أو ابتسامة حب من القلب، أو دمعة و يد ممدودة في وقت الشدة أو الحزن .
( الصديق ) الحق هو من يقف بجانب صديقه في المحن والأزمات، وتجده دائم الزيارة لصديقه عند مرضه وداعما له ماديا ومعنويا، الصديق هو السند الحقيقي في جميع مراحل الحياة المختلفة.
ما أجمل أن تجد صديق يقرئك دون حروف! يفهمك دون كلام، يحبك ويتمنى لك الخير دون مقابل .
هناك الكثير من الحكم تجسد وتعكس مفهوم كلمة الصديق و منها: "اختر الصديق قبل الطريق، والصديق مرآة لصديقه، الصديق وقت الضيق ..." وغيرها من الأقوال المأثورة.
رغم أن الحياة أكبر مدرسة للقصص الإنسانية التي تجسد قيمة ودور الصديق على أرض الواقع، ومن خلالها نتعرف قيمة الصديق الوفي الذي تجده سند وعون في الأفراح والأحزان .
إلّا أن في العصر الحالي تحولت تلك المعاني السامية للصداقة، من أحاسيس ومشاعر إنسانية متبادلة بين الأصدقاء إلى جمود وجفاء، ويرجع ذلك إلى استبدال طرق التواصل الإنسانية بطرق تواصل إلكترونية.
( الصداقة ) ليست قبول طلب صداقة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو محادثة علي الخاص يتخللها أدق تفاصيلك، أو متابعة الأخبار على صفحاتك الإلكترونية، أو دعاء بالشفاء في صورة "كومنت" على بوست لصديق مريض، أو الإشارة عند نشر صورة جديدة لصديق "لايك" ، أو المشاركة" شير" لخبر سار، وغيرها من أساليب التواصل عن بعد بين الأصدقاء . كل ما يحدث هذا أسفر عن اختفاء الحب والمودة وإصابة الأصدقاء بفتور وبلادة في المشاعر والأحاسيس، وتباعد كبير ظهر خلال المعاملات الشخصية والحياتية بشكل عام .
الغريب في الموضوع أن هناك من اتخذ جهاز المحمول صديق لا يفارقه طوال اليوم حتى على سرير نومه، وهناك من جعل جهاز اللاب توب صديق له يلازمه في كافة معاملاته، نماذج كثيرة مشابهة استكفت بتلك الأجهزة الإلكترونية لإشباع رغباتها التي أبعدتهم عن الرفيق الحقيقي.
مما لا شك فيه أن التكنولوجيا جعلتنا نعيش في قرية صغيرة إلّا أنها باعدت بيننا، أصبحنا لا نتقابل مع بعضنا البعض، و ذلك نظرا لاستسلامنا لأدوات التكنولوجيا، وموافقتنا بكامل إرادتنا على أن تتوغل في حياتنا الخاصة دون استئذان، الأمر الذي جعلنا نتحول من مجرد مستخدمين لها إلى آلات انتزعت منها الإنسانية.
هل سأل أحدنا نفسه يوم ما :
أين هو من مقومات الصداقة؟
متى قمنا بزيارة صديقنا المريض؟
متى سألنا عن أسرة صديقنا المتوفي؟
هل صديقنا المحتاج له نصيب من زكاتنا و صدقاتنا؟
لماذا تركنا أنفسنا آلة في يد التكنولوجيا ؟
أسئلة كثيرة وعلامات استفهام وتعجب أكثر حول ما وصلنا إليه عندما تحولت الصداقة الإنسانية إلى صداقة إلكترونية" عن بعد واستطاعت أن تعزلنا عن الحياة .



