الإثنين 22 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

اكتشاف الذات والطريق قراءة في رواية «سبيل الغارق» للكاتبة د.ريم بسيوني

بوابة روز اليوسف

حصلت د.ريم بسيوني على جائزة الدولة للتفوق في الآداب لهذا العام بعد رحلة إبداعية لا تزال تعطى ثمارها فهي روائية من طراز فريد، تهتم بإبراز العالم الداخلي لشخصيات رواياتها وترصد التفاصيل المهمة والمؤثرة في حياة شخصياتها، وتعبر عنها ببساطة آسرة فتتجسد لقارئها على نحو مبدع أصدرت د.ريم بسيوني العديد من الروايات منها «بائع الفستق»، و«دكتورة هناء»، و«الحب على الطريقة العربية».

 

 

وفي أحدث رواياتها تهتم بكتابة الرواية التاريخية فكتبت روايات «أولاد الناس - ثلاثية المماليك، وسبيل الغارق والقطائع». ويميز رواياتها التاريخية محاولة جادة لإعادة كتابة بعض الأحداث والشخصياتى التي يعد تناولها إضافة روائية بما حملته كتاباتها من عناصر التخييل، واستلهام الأحداث التاريخية، والبحث عن الجوانب الإنسانية لأبطالها.

 

نماذج إنسانية

 

تختزل الكاتبة أحيانا حيوات في عبارات أو سطور ذات دلالة مثل قولها في وصف عاطفة بطلتها جليلة تجاه حسن: «كان لأنفاسها دوما رائحة حياته» لكنها في معظم الأحيان تسهب في رسم الملامح الداخلية والزوايا المجهولة في النفس الإنسانية فتتكشل نقاط الصراع الدرامى والاشتباك مع الأحداث والتفاعل مع الآخرين لتصل بشخصياتها إلى إدراك ذواتهم، بل وإحداث التغيير الضرورى لتطوير النفس في تفاعلها مع المجتمع، وتضفر الكاتبة في رواياتها الخاص مع العام في نسيج واحد متصل محكم، يتجلى في بناء روائى متماسك يعلن عن قدرة واعية في إدارة السرد بروح الفنان التي تسعى لتصوير نماذج إنسانية تموج عوالمها الثرية بالكثير من المعانى والقيم التي تسعى نحو تحقيق الذات الفردية ومعنى البطولة الكامن فيها خاصة إذا أسهمت هذه الشخصيات والنماذج الإنسانية بأعمال رائدة، وتميزت بحسها الوطني المخلص ورغبتها في التفاعل الإيجابى مع الأحداث الوطنية بل والمشاركة فيها.

 

طريق البحر

 

وتتجسد في رواية «سبيل الغارق» رؤية الكاتبة ومنهجها في التقاط أيقونتها الروائية التي تدير من حولها الأحداث في بساطة فذة، فتصَّور في روايتها شخصيات حائرة، تموج بالرغبة بالتطور والتغيير، فتلك هي الشخصية الرئيسية في روايتها: جليلة أحمد ثابت الفتاة التي اختارتها زوجة الخديوي لتكون أول فتاة مصرية تدرس في مدرسة لتعليم البنات، كانت التلميذات من الجواري - قبل انتهاء عهد الرقيق - فكانت هناك مائة من الجواري الشركسيات يدرسن في المدرسة التي أنشأها الخديوي في حي اليوسفية بالسيدة زينب، ووافقت أم جليلة وفرحت جليلة بما تهيأ لها من إدراك جديد للعالم فقد كانت تتمتع بروح متطلعة، ونفس وثابة، وعَيَّنَ لها أبوها خادما يصطحبها في ذهابها ورواحها هو «حسن» الخادم المخلص لوالديها، وهو ابن جارية أعتقها شادي بك التاجر الثرى، وأنجب منها «حسن»، وهى «تمرهان»، ورغم أن شادي أعتقها إلا أنه لم يعترف بحسن كابن له، لكنه اعتبره «ابن الجارية» الذي لابد أن يُعامل بقسوة حتى لا يرفع عينيه عن موضع قدميه، وأوصى أحمد ثابت بمعاملته بكل حزم وشدة، أما «حسن» فقد كان متمراً بطبعه على وضعه الاجتماعي، وتمرده الداخلي دفعه إلى التطلع لحب جليلة والارتباط بها لكنه كتم وجده ومشاعره تجاهها مؤمنا في دخيلة نفسه أنا ستكون زوجته وحبيبته يوماً ما.

 

نضجت بذور التمرد في شخصية «جليلة» كما نضجت في شخصية «حسن» ومن هنا استطاعت الكاتبة أن تضع عناصر الصراع الداخلية في شخصيتهما متمثلة في آمال «جليلة»، ورغاب «حسن»، وعناصر الصراع الخارجية مع مجتمع لم يتقبل عمل جليلة بالتدريس ولا تطلع حسن للارتباط بها، وتغيير مصيره من خادم إلى تاجر ناجح وثرى.

 

كان طريقهما كالسائر في خضم أمواج البحر، يريد أن يعثر على طريقه.

 

وهنا يظهر الشيخ الزمرمى كدال على الطريق فهو هناك يسكن عند شجرة مريم في المطرية، عند سبيل الغارق، مسكونا بالإيمان بأن المعجزات موجودة، والفوز قادم فإن سأله حسن عن عذاباته يقول له الشيخ «لا تحاول محو العذاب بل استفد من وجوده لتبصر وتفهم، وفي الإدراك رضا وفوز ونجاة، لو خشيت الغرق فأنت غارق لا محالة، ولو سبحت سبعة بحور فلن تصل، أبحر إلى البحر الذي تجهله تصل فلا عبور إلى النجاة في السبل التي تألقها».

 

يشكو إلى الشيخ الزمزمى معاناة جليلة التي رماها الأطفال بالحجارة لأنها تدرس للجوارى واليتيمات والهاربات من بيع الهوى، فيقول الشيخ «الأفكار الشجاعة تحتاج إلى الوقت لتنتصر».

 

يسكن الشيخ الزمزمى «سبيل الغارق» الذي شهد حيرة الشاطر حسن الذي استمع إلى حديث يمامتين تلصصاً، وعرف أن من لحمهما لو أكلت بنت السلطان منه شفيت فذبحهما حتى يتزوجها، وكان فوزه مأساته فلم يتركه صوت اليمامتين أبدا فأصبح مجذوباً آوى إلى شجرة مريم وهناك أنشأ السبيل.

 

وهنا تستخدم الكاتبة عناصر التخييل والتماس المشابهة بين حسن الخادم المتطلع إلى الرفعة، والشاطر حسن، الحلم واحد وهو تحقيق الذات، الشاطر حسن لم يدرك أن سر الطريق مع «بلسم» ابنة السلطان فتركها ومضى تحت تأثير عذاباته، وذكرى اليمامتين لكن حسن عاشق جليلة أدرك أن السر معها، وأنه بجوارها يستطيع أن يحقق حلمه بإدراكه للمعنى العميق للحب، والارتباط بالأهداف، والسعى إلى تحقيقها يحميه من مصير الشاطر حسن الذي عاش حياته مجذوباً ومعذبا.

 

وتنسج الكاتبة لحظاتها الدرامية بين الخاص والعام فيظهر الشاطر حسن في روايتها مرتين، مرة عام 1509 في عهد السلطان الغورى، ومرة أخرى عام 1882.

 

وهما الزمنان اللذان يتقاطعان في لحظة، ويتماسان قدريا، والبطلان في الزمنين يبحثان عن الطريق. يقول الشيخ لحسن «قبل أن تبحث عن الطريق أشرع في السير في مسالك نفسك وبدون ذلك ستفقد كل الطرق، في سيرك تذكر أنك لا تعرف الصديق من العدو فأنت لم تحط خبرا بالغيب» ثم يقول له حكمته من خلال حكاية يسردها عليه: «سأل رجل صاحبه أتعرف الطريق؟ أجاب صاحبه:

 

أرى بحراً مجهولاً، وطريقا يابساً مألوفاً، هذا هو اليابس، وذاك هو البحر، اختار الرجل الطريق الآمن، ولم يختر البحر فغرق». حكاية من داخل حكاية يولدها السر فتبعث بعناصر التشويق في رحلة هذه الرواية وبحث أبطالها عن الطريق.

 

 سر السعادة والشقاء

 

«لا تسألنى قبل الوقت، وتيقن أنك لا تصل إلا بالسير»، كانت تلك نصيحة الشيخ الحكيم لحسن لكى يبدأ رحلته نحو اكتشاف الذات والطريق.

 

لقد أصبح الحكيم هاديًا لأبطال الرواية يشكون إليه قساوة الحياة فوالد جليلة يشكو له قلقه على زوجته وبناته وماله، وحياتهن من بعده، ورغبته في الزواج ثانية لإنجاب ولد يكون سندًا لهن فيقول له الحكيم: «السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه، والشقاوة كلها في أن تملكه نفسه»، لكن أحمد ثابت يتزوج مرتين فلا ينجب من الزوجة الثانية، ويتوفي ولده من الزوجة الثالثة، وتنجب له زوجته الأولى بنتين، ووجد أحمد ثابت حلا في أن يعهد بتركته لحسن الذي استشعر فيه الأمانة والصدق والإخلاص ليتحقق حلم حسن، ويدر أملاك وتجارة أحمد ثابت بعد استشهاده أثناء قصف الإنجليز للإسكندرية فتوفي هو وابنتاه.. ويترك هذا الحادث أثره الفادح في نفس جليلة التي كانت في ذلك الوقت مع حسن ترسل رسائل للضباط الذين يقاومون مع عرابي وتناصره، وكانت تفعل ذلك من مكتب البريد الإيطالي الذي دكه الإنجليز في قصفهم للإسكندرية فنجت بمعاونة حسن الذي نجح في حمايتها.

 

المدخل إلى الفوز

 

تتطور رحلة الوعى بالذات وبالآخر في نفس جليلة التي تدرك مع الوقت أنها تحب حسن كما يحبها، لكنها صارعت أفكارها حول منزلتها الاجتماعية ووضعه الاجتماعي، فقد كان يسير خلفها، ويحمل مظلتها ليقيها الحر، لكن هل يستطيع فهمها، وفهم رسالتها التي تشعر بأنها ولدت من أجلها، حلم التنوير والتعليم والدفاع عن حرية الوطن ضد غاصبيه، ولم تكن تدرك أن حسن نفسه ينضج معها، ووعيه يتطور مثلها، وأنه يحمل مثلها في جوانحه الرغبة في الكفاح والدفاع عن الوطن، وعندما أنقذها من القصف، ونقلها إلى مكان آمن انتقل ليجاهد مع المجاهدين قائلا: «ليس لرجل أن يبقى في بيته والغريب يدكها».

 

أدرك حسن أن شيئًا ما يجمعه بالشاطر حسن، لكنه لم يرد أن يصاب بالهزيمة مثله، فقرر البحث عن طريق الكفاح وأن يُعمل عقله فيما يحدث من حوله فأضاءت في ذهنه الأسئلة والتنويرات التي بينت له علامات الطريق، فقد بحث عن رجل إيطالى ظل في قلعة قايتباى تحت القصف وهو ألفونسو، ليسأله لماذا ظل يجلس أيامًا أمام القلعة تحت القصف؟! فأجابه ألفونسو بما يعزز إدراكه ومعارفه فيقول له: «كنت أنتظرك هنا حيث بنى المماليك آخر قلاعهم، المماليك كانت تبنى القلاع لتحمى طريقها، وعندما جاء البرتغاليون بنوا القلاع الصغيرة على أطراف الشواطئ ليهجموا منها على التجار والسفن فيثيروا الرعب ويسدوا مدخل الطريق.

 

وتشعل أسئلة ألفونسو في نفس حسن وهج أسئلة أخرى تكشف له رحلة البحث عن الذات والطريق فيقول له ألفونسو: «لم يضربت مدافع بريطانيا قلعة السلطان المملوكي قايتباى في الإسكندرية؟ لأنهمن يتذكرون وأنت تنسى ما أحزنك، تقابلنا من قبل يا حسن، لكن مُحيت ذاكرتك. ستعود، وعندما تعود سيمتد وجعك إلى ما بعد كل البحور، أنت حسن والمجذوب أتعرف هذا؟ هما الشخص نفسه، لكن حقيقتك لم تظهر لك وهذا أفضل، عرفتك من خطابات تاجر البندقية التي أحملها، كنت أعرف أن هناك أرواحًا على موعد بلقاء قصير يغيّر المصير ويكشف الضوء ولقاؤنا أحد هذه اللقاءات».

 

وهنا أضاءت نقاط الإدراك والتذكر عند حسن واشتعلت نفسه شجاعة وحماسا، «ربما تعرف ما لا أعرفه، عندما انهار مكتب البريد، وانهالت مدافع الإنجليز على رؤوسنا.. انتابني شعور محيّر حينها كأن قلبي شق نصفين من الألم وكأنني مررت بالشىء نفسه من قبل، المدافع نفسها والإحساس نفسه بالغرق، تهاوت نفسى، لكنها لم تتهاوَ من الفزع، بل من المعرفة».

 

ويدرك حسن أن الإنجليز لن يخرجوا بعد شهر أو شهرين كما يقولون، وخاصة بعد هزيمة عرابى، فأوضح له أفونسو وجهة نظره قائلاً: «عرابي كان يسأل أين الطريق؟ ويتوقع أن يجده، لكنه لمر يدرك الطريق إلى النجاة الذي يقاتل الجميع من أجله، المدخل إلى الفوز ويخبره ألفونسو بأن طريق رأس الرجاء الصالح الذي التف البرتغاليون منه حول إفريقية ليتجنبوا مصر أصبح عقبة أمام مصر التي فقدت حينذاك الطريق إلى الهند وفقدت استقلالها، وعندما غارت دولة البرتغاليين سيطر الإنجليز على طريق رأس الرجاء الصالح، ثم جاء رجل فرنسي ليفكر في طريق جديد أقصر وأسرع يجعل كل الطرق دونه بلا قيمة.. هذا الطريق في مصر وعندما أدرك الإنجليز ذلك فكروا في احتلال مصر.

 

 

ونصحه ألفونسو بقراءة رسائل تاجر البندقية فرانشيسكو، وأن تكون معه جليلة وأن تقرأها له في سبيل الغارق، وتمضى أحداث الرواية ليخوض حسن صراعه الخاص ليرقى للمستوى الفكري لجليلة وهو الأمي حامل مظلتها السائر خلفها وهو يريد أن يقود سفينتها وأن يكون ربان السفينة فبعد استشهاد والدها، أقنعها حسن بالزواج منه حتى لا يرغمها عملها على الزواج من ابنه المتزوج، وتكتشف جليلة حبها له فتتزوجه ويكون هذا مثار جدل وخلافات في عائلتها، فتقف أختاها عفاف وعزمية وزوجاهما ضد هذه الزيجة لعدم التكافؤ، وعندما اكتشفوا أن تركة الأب أحمد ثابت قد آلت كلها لحسن وهو المتصرف فيها أدركوا حجم المشكلة التي يعانون منها، حاول العم البطش به وتدبير مقتله على يد أحد أصدقاء حسن، لكنه نجا واستطاع أن يعدل في توزيع المال على أخوات زوجته فهو يعطيهم نصيبهم من التجارة بالعدل كل شهر، وأعاد جليلة وأمها إلى بيتهما بعد أن طردهما العم منه، ثم تفرغ حسن للعناية بشؤون التجارة ليس فقط تصدير القطن الخام، بل تحدى الإنجليز، واستطاع بالتعاون مع تاجر يوناني مخضرم تصدير القطن إلى الخارج، وكان المصريون ممنوعين من ذلك أثناء الاحتلال الإنجليزي، لكن حسن نجح في تصدير القطن، وكان انتصاره في ذلك، وتحديه للإنجليز هما الفوز الذي كان يعيش به وله، وأوصى به ابنه من بعده، كان يستعيد رحلة الشاطر حسن في البحث عن الذات ويتجنب مواطن ضعفه ويأسه، ويستلهم إصرار تاجر البندقية الذي كان قد اقترح على السلطان الغوري حفر قناة بين البحر الأحمر ونهر النيل ليكون الطريق ممهدًا للسفن حتى البندقية فقال السلطان: لا أملك أموال قلاوون، وقوة قطز لحفر القناة.

 

 

فقال له التاجر إن أهل البندقية مهرة في صنع السفن، من الممكن أن يأتوا بالأخشاب من البندقية ويصنعوا السفن في الإسكندرية وينقلوها إلى البحر الأحمر، كان تاجر البندقية يحاول إنقاذ تجارة بلاده بعد الطريق الجديد الذي اكتشفه البرتغاليون، وبعد هجوم قراصنتهم على البحر الأحمر «بحر القلزم» والبحر المتوسط.

 

 

وقد كانت معركة ديو البحرية عام 1509 من أهم المعارك البحرية على الإطلاق، وهي التي دارت بين المماليك المصرية بالتحالف مع جمهورية البندقية حينها، وملوك الهند، وبعض الجنود العثمانية، وقادها الأمير المملوكي حسين الكردي، وكانت المعركة آخر محاولة من المماليك للدفاع عن سيطرتهم وسيطرة مصر على الطريق من آسيا إلى أوروبا التي دامت على مدى قرنين ونصف أو يزيد، فقد كانوا يسيطرون على كل الموانئ العربية وباب المندب، وبانهزام المماليك بدأت السيطرة الغربية على البحر والطريق. كان حسن وجليلة يعرفان كل هذه التواريخ وكانا يقرآن معًا في سبيل الغارق ملامح الطريق وأدركا أن الإنجليز أرادوا السيطرة على البحر، لقد عرفا من رسائل تاجر البندقية التاريخ القديم لاقتراح أول قناة تربط بين البحر الأحمر والنيل في عهد الغوري إلى أن فكر الفرنسي ديليسبس في طريق أقصر وأسرع، وعندما أدرك الإنجليز أن الطريق من مصر، من قناة السويس، فكروا في احتلال مصر ليسيطروا على الطريق، فبدأوا بقصف الإسكندرية، استشهد والد جليلة وأختاها، ولذا آمن حسن دائمًا بأن القناة هي الطريق ولما قاله له باسيلى: هذه القناة ليست ملكك.

 

 

قال حسن: «الطريق دومًا لي، وتحت سيطرتي، كان كذلك في الماضي، وسيصبح في المستقبل». كان مؤمنًا برؤية مؤداها «أن فقدان الذاكرة هو بداية الهلاك، وتشويه التاريخ يؤدى إلى الهزيمة».

 

 

تطور وعى حسن، واقتنع بعودة جليلة للتدريس في مدرسة البنات، بل كتبت مقالاتها في مجلة «الفتاة» التي أصدرتها هند نوفل، وسعى حسن لشراء أربعة أسهم من أسهم قناة السويس، وكانت الوثيقة مكتوبا عليها أنهم «رعية عثمانية»، فقال لهم حسن: «بل مصری».

 

لا تستسلموا لهزيمة أبدية، لهذا المكان استطاع حسن تصدير النسيج، وليس فقط بيع القطن الخام، وعندما تعرضت تجارته للخطر بعد أن غرقت سفينته واضطر لدفع مستحقات باسيلى والتجار، خوّفه ابنه من الاستمرار في التصدير فقال حسن: «ليس للإنجليزي أن يسمح أو يمنع في بيت غير بيته، وبحر غير بحره».

 

وأوصاه بأنه إذا تو في ألا يكف ابنه عن تحدى الإنجليز وتصدير القطن حتى يُفتح الباب للمصريين فيسيروا في طريق البحر، قال له ابنه: ولو دخلت السجن؟!

 

 

قال حسن: «لو خفت لن تجازف، ولو لم تجازف تغرق».

 

ويتذكر حسن ما قاله له الشيخ الزمزمى دائمًا: «الإبقاء على الذاكرة يحتاج إلى السعي، والإنسان يكره السعي ويخشى الذاكرة، يريد الطرق الآمنة والمألوفة دومًا فالمجهول يزعجه، ويخرج هلعه، والذاكرة كلها مفاجآت، وعند نهاية الطريق لابد من المجازفة، ولو طفت الهزيمة على سطح الماء فالغوص في الأعماق نجاة».

 

وظلت رسائل تاجر البندقية في مكانها تحت شجرة مريم لتؤكد أن المعجزات موجودة والفوز لابد قادم لكل باحث عن الذاكرة والطريق، وكيف يصنع المرء أسطورته فيحقق حلمه ومجد بلاده.

تم نسخ الرابط