الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

إنَّ حُسن استخدام وصياغة الكلمات المهذبة والراقية في المعنى ونبرات صوتية هادئة غير مرتفعة يُعدُّ من أهمِّ سمات إتيكيت التعامل مع الأشخاص، بالإضافة إلى البساطة والتواضع من أغلى صفات فن الإتيكيت لأنها أصل جمال الروح ومثالية العقل..

 

كما هو معروف لنا أن فن الإتيكيت هو آداب السلوك الفردي المهذب في مختلف المناسبات والأنشطة بحياتنا اليومية، والتي تعكس كاريزما وشخصية وثقافة وتربية الإنسان في المجتمع. والإتيكيت هو الفن الرفيع والذوق والمشاعر الرقيقة التي تُعبِّر عن أجمل ما في الروح وأحاسيس القلب وعقلانية العقل بالتصرفات المثالية التي تكون مرآة لشخصية الإنسان، سواء امرأة أو رجل.

والمدارس الدبلوماسية تؤكد كثيرًا على فن التعامل الأمثل مع الأشخاص، سواء (الرجال أم النساء) لأن هناك احتمالًا كبيرًا بأن نفقد أشخاصًا أعزاء وقريبين على قلوبنا بسبب سوء فهم مضمون الصداقة أو العلاقة الرسمية، وبالعكس ممكن أن تكسب أصدقاء قريبين عليك ويضحون لك بمجرد فهم مضمون الصداقة، وبالتالي فإنَّ عِلم النفس الاجتماعي يؤكد دائمًا على اختيار النية الصادقة وليس الكلمة أو تلميع الكلام التي قد تصدر بصورة غير مباشرة كحالة نفسية معينة أو ضغط عائلي أو اجتماعي، لذلك لا تعوِّل مدارس فرويد ونظرياته على الكلمة، وإنما تستند كثيرًا إلى مفهوم المضمون والأحاسيس والمشاعر الأصيلة، وهذا ما تأخذ به المدارس الدبلوماسية، فالعلاقة تُبنى على صدق ومضمون العلاقة بدون استغلال الطرف الآخر، سواء كانت شخصية أو رسمية.

وفن الإتيكيت يوضح لنا طريقة التعامل المهذب مع الآخرين، والذي يبدأ من العائلة وصولًا إلى هرم الدولة الذي يُعدُّ هو القدوة للمجتمع والناس الذي يقودهم. فعن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:(ألَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه)) متفق عليه)، وهذا الحديث يُعدُّ مدرسة قَيِّمة في فن التعامل مع الأشخاص من خلال الاهتمام بمهارات الاتصال والتواصل. وفي مجتمعنا العربي هناك حكمة تقول بأن (الناس معادن)، والمقصود فيها هو أكبر دليل على إتيكيت التعامل مع الأشخاص، والمعادن المقصود فيها هنا هو (الذهب والنحاس)، فالاثنان نفس اللون والهيئة، فالنحاس يذهب لونه وشكله بمجرد فركه أو تركه لفترة، وهو دلالة على أنه معدني وقتي رخيص الثمن مقابل الذهب وليس ذا أهمية كبيرة، وبنفس القياس يدلل على الأشخاص ذوي الوجهين، حيث يستغل طيبة ومنصب صديقه لإنجاز ما يحتاجه ولكنه بمجرد انتهاء مصلحته فهو يتركه بكل هدوء؛ لأنه انتهت غايته وحاجته منه؛ وهو ما يدلل على معدن النحاس الرخيص لكونه شخصية استغلالية ابتزازية فقط، وبالعكس فإنَّ معدن الذهب يبقى في كل الأوقات براقا وأصيلا دون تغير برغم جميع الظروف، وهو ما ينطبق على الأشخاص ذوي الأخلاق والأصالة العالية التي تعوِّل عليهم كثيرًا المدارس الدبلوماسية وإشغالهم المناصب العليا والمهمة في الدولة؛ لكونهم ذوي معدن أصيل، وهو ما يشابه الذهب؛ لكون هذا الشخص يضحي ويخدم صديقه دون مقابل؛ لأنه من معدن أصيل، وهذا هو السلوك المهذب والرقي الذي تركز عليه المدارس الأجنبية وكذلك العربية؛ لأنهم سوف يبدعون في أعمالهم، ويكونون الصفوة والقدوة للبقية.

إنَّ التعامل مع الأشخاص مهما تكن مناصبهم الرسمية والاجتماعية والعمرية في غاية الأهمية؛ لأن أي عدم فهم في مضمون الصداقة والاحترام والنية قد نفقد هؤلاء الأشخاص الذين هم على درجة في غاية الأهمية، وبالتالي فقدان هؤلاء الرجال قد يؤثر على الهدف الاقتصادي أو السياسي المخطط له، لذلك يركز فن الدبلوماسية على إتيكيت إدارة الحديث بكل جوانبه والحفاظ على الشخص وإن كان بعيدًا كل البُعد عن الصداقة والعلاقات الاجتماعية.

إنَّ حُسن استخدام وصياغة الكلمات المهذبة والراقية في المعنى ونبرات صوتية هادئة غير مرتفعة يُعدُّ من أهمِّ سمات إتيكيت التعامل مع الأشخاص، بالإضافة إلى البساطة والتواضع من أغلى صفات فن الإتيكيت لأنها أصل جمال الروح ومثالية العقل، لذلك علينا أن نتعامل مع الجميع بروح التعاون والوضوح والبساطة والمصداقية بعيدًا عن استغلال الأشخاص بسبب مكانتهم الاجتماعية والوظيفية وهي من السمات المنبوذة في المجتمع.

ومن أهم أولويات فن إتيكيت التعامل مع الأشخاص الابتعاد كل البُعد عن النفاق ونقل الكلام بين الأشخاص؛ لأنَّ ذلك سوف يشعل النار في الخشب لذلك على الشخص أن يتعامل مع الآخرين بكل معاني المحبة والشفافية والصدق ويبتعد عن استغلال مركزه الاجتماعي والوظيفي، ولا يكون سيفًا على رقابهم حين الضعف ويستغل طيبة قلبهم وتعاونه وخدمته له.

إنَّ السلوك المهذب وجمال الذوق في الكلمة وفن إدارة الحديث ولغة الجسد، ومصداقية مضمون العلاقة مهما كان نوعها، واحترام وفسح المجال للمقابل كي يتحدث بكل صراحة دون المساس بمشاعر الآخرين يُعدُّ من سمات فن التعامل مع الأشخاص.

وفي الختام فإنَّ أرقى معاني إتيكيت التعامل مع الأشخاص هو الصدق في التعامل والابتعاد عن استغلال الصديق للمصلحة الشخصية، والتحلِّي بأصالة الأخلاق الإسلامية الراقية بخدمة الصديق دون مقابل؛ لأن هذا هو المعدن الأصيل والذهب الصافي والوقوف معه في السراء والضراء واختار الصديق الصدوق الذي يتابع مفردات حياتك بكل تفاصيلها خوفًا عليك من الأقدار بدون مقابل وليس صديق المرحلة.

 

تم نسخ الرابط