الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

كان زوار العاصمة البريطانية لندن من المثقفين العرب يحرصون- أثناء سفرهم إليها- على شراء مجموعة من الكتب العربية النادرة، أو الممنوعة في بلدانهم، وهو ما شجع على تأسيس عدة مكتبات عربية في لندن، تركز بعضها في نقاط حركة السياح العرب. 

ادجوار رود، الملقب عن جدارة بـ«شارع العرب»، ونايستبريدج، وكوينز واي، وفي شارع ويستبورن غروف، همرسميث غرب لندن. إذا تجولت داخلها يبدو الاختلاف باديًا بين زبائنها من المثقفين العرب، والإعلاميين، والطلاب، والسياح الأثرياء، والطبقات العربية الوسطى. ومعظمهم يبحث عن الكتب الممنوعة في بعض البلدان العربية.

 

 

مهارة باعة الكتب العربية تجلت في استغلال سلاح خبرتهم وفراستهم، فبمجرد دخول الزائر إلى مكتبة، ومن خلال النظر إلى تقاسيم وجهه أو مظهره وملبسه تأتي الاقتراحات تباعًا. إذ يتعرف البائع على جنسيته، فيوجهه إلى كتب المعارضة في بلده، أو الكتب الممنوعة فيها، أو قد يوجهه للكتب التي يحرص أبناء جلدته على طلبها، في ظل انتشار موضة القوائم والتوصيات الثقافية، التي صارت تسبق زيارة المكتبات.

 

 

استمرت الصحافة المهاجرة "أو بعضها" في الصدور على الرغم من المصادرة والمنع، مجلة الحوادث وجدت الحل في طباعة إصدارين رغم التكلفة العالية والجهد المضاعف الذي عانينا منه كشركة تجهيزات طباعية، وجهاز تحرير ضاعف جهده. نجح سليم اللوزي وفشلت مطبوعات أخرى في المقاومة، فاستسلمت وأغلقت أبوابها. وآخرون باعوا أنفسهم للدعارة السياسية، وقبلوا بتمويل تحول إلى قيد وتوجيه للوجهة التي يريدها الممول. وأشخاص عاشوا متنقلين من مناظرة فقهية إلى مناظرة تاريخية، ومن معركة ثقافية إلى معركة سياسية حتى فاضت أرواحهم.

 

 

وضعتني الأقدار، وربما الصدفة، برابطة مع شعب السودان منذ الصغر. ثم تعرفت على شخصيات سودانية في الكبر منذ البداية، في مسقط رأسي بمدينة الشمس. 

 

 

لقد نشأت في الحي التاريخي ضاحية عين شمس أو مدينة الشمس، وهي أون الفرعونية التي ذُكرت في التوراة والتي تُعد من أهم المناطق الأثرية الفرعونية المدفونة وتحتوي على معبد الشمس مقر عبادة أون، وتعتبر من أقدم العواصم في العالم. واكتسبت أهمية كبرى عبر تاريخها القديم لدورها المؤثر في الحياة الروحية لمصر القديمة. وهي المحرك الأول لأقدم تقويم شمسي. وأُطلق اسم "عين شمس" على ثالث أقدم جامعة مصرية، "جامعة عين شمس"، ومرت بها العائلة المقدسة قبل أن تستظل تحت شجرة في "المطرية" تُعرف اليوم بشجرة مريم. 

 

 

حي كان مليئًا بالقصور، وبه قصر الأمير يوسف كمال، مؤسس مدرسة الفنون الجميلة وجمعية محبي الفنون الجميلة.

 

 

والحي مذكور في شعر أحمد شوقي الذي ألّفه أثناء نفيه في إسبانيا وألّف قصيدة عن الحنين لمصر، وحنينه لبيته في "عين شمس" الذي عاد اليه عند عودته من المنفي واقام فيه، ولكنه تركه بعد قطع شجرة كان يحبها في مدخل المنزل. وكذلك يوجد بها منزل الإمام المُجّدِد محمد عبده الذي أوصى بتحويله إلى مدرسة. المنطقة كان يحرسها جنود "الهجانة" وهم من أبناء السودان. فبحكم العلاقة التاريخية بين السودان ومصر، شكّل الخديو عباس حلمي الثاني لواء الهجانة ومعناها راكبي الجمال، من الضباط السودانيين لحماية الحدود. وشارك اللواء بقواته في إعادة فتح السودان. وكان أول قائد سوداني لقوات الهجانة بعد حصول السودان على الاستقلال عام 1956، هو البكباشي مأمون المُرْضّي. وارتبطت بذاكرتي شخوص الجنود السودانيين برشاقتهم ولونهم الأسمر فرأيت فيهم أبناء السودان.

 

 

وصادف أن يكون أول أصدقائي من روزاليوسف رسام سوداني، كما أحاطني في غربتي الثانية إعلاميون سودانيون من هيئة الاذاعة البريطانية. فعندما التحقت بروزاليوسف، كان الرسام السوداني رؤوف عياد مرشدي ودليلي في المؤسسة العريقة، وربطتني به صداقة استمرت العمر. أخبرني رسّام الكاريكاتير السوداني الأصل رؤوف عياد، أنّه توقف عن رسم الشخصيات السودانية في الكاريكاتير بعد الهجوم العنيف الذي تعرض له أثناء عمله بمجلة “الوادي”. قال إنه اختار شخصية سودانية وحاول تمييزها كاريكاتوريًا بأنف أفطس وشفاه غليظة، فلقي ذلك الهجوم، خاصة أن الكثيرين لا يعلمون أنه سُوداني الأصل. وأشار إلى أنّه عمل عشرات السنين بمجلة “روزاليوسف” وتفنن في رسم الشخصيات المصرية بطريقة ساخرة ولم يغضب منه أحدٌ. وفي روزاليوسف أيضا التقيت الشقيقين سودانيي الأصل حسن حاكم الأب الروحي لكثير من فناني الكاريكاتير وأخيه محمد حاكم نجم الكاريكاتير، وأعمالهما المعبرة عن واقع ووجدان مصر. 

 

 

في لندن اقتربت أكثر من أبناء السودان. أحاط بي إخوة سودانيين أجلاء عن طريق المدرسة الإعلامية الكبرى "هيئة الإذاعة البريطانية" وفيها التقيت عددًا منهم أمثال الأديب الطيب صالح، صلاح أحمد، حسن عباس، أيوب صديق، إسماعيل طه، والإعلامي محمد خير البدوي الذي تعاون معي كمترجم ضليع في العديد من الترجمات بأسلوبه المميز لدار النشر. البدوي قدّمه لي الصديق جميل الطباع، دمث الخلق د. منصور خالد طيّب الله ثراه، الذي وصفه رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك عندما نعاه (د. منصور خالد ظل طوال حياته مشغولًا بالبذل والعطاء العملي والنظري، فشغل مواقع سياسية ودبلوماسية في السودان والمنظمات الدولية، كما قدم إنتاجا فكريًا سيظل من أرق وأعظم ما كُتب إنتاجا فكريًا، سيظل من أرق وأعظم ما كُتب في التاريخ السياسي).

 

 

 

تم نسخ الرابط