السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

شخصية المثقف وتحولات المجتمع في أدب الروائي الراحل علاء الديب

بوابة روز اليوسف

حصل الزميل عمر شهريار على درجة الماجستير في اللغة العربية بتقدير ممتاز من كلية الآداب بجامعة القاهرة، عن رسالته "التشكيل الجمالي لشخصية المثقف في روايات علاء الديب"، وتكونت لجنة المناقشة من د. حسين حمودة الأستاذ بآداب القاهرة مشرفًا، وعضوية كل من الناقدة والشاعرة د. فاطمة قنديل ود. أحمد عمار الأستاذ بآداب القاهرة.

ويقول عمر شهريار: إن الروائي الكبير الراحل علاء الديب (1939- 2016) يعتبر واحدا من أهم روائيي كتّاب الستينيات، وكان لشخصية المثقف، ابن الطبقة البرجوازية الصغيرة، حضور مركزي في أعماله الروائية كافة، بما انطوت عليه هذه الشخصية من آمال وطموحات شتى، ورغبات عارمة في تغيير العالم، ثم اصطدام هذه الآمال بالواقع السياسي والاجتماعي، ومن ثم تبرز في كل روايات الديب، تقريبا، شخصية المثقف المأزوم، التائه، المشوش، وذلك منذ روايته الأولى "القاهرة"، مرورا بروايتي "زهر الليمون" و"أيام وردية"، ووصولا إلى ثلاثيته "أطفال بلا دموع" و"قمر على المستنقع" و"عيون البنفسج".

وأضاف أن الرسالة تهدف إلى استكشاف طرائق التشكيل الجمالي لشخصية المثقف في روايات الروائي علاء الديب، حيث تعد شخصية محورية في كل أعماله الروائية، ودائما ما تكون شخصية المثقف في رواياته مأزومة ومقموعة ومستبعدة، ومن ثم يسعى البحث إلى محاولة استجلاء كيفية التشكيل الجمالي لهذه الشخصية المأزومة، سواء في بناء الشخصيات ذاتها، أو في علاقاتها بشخوص العالم الروائي من حولها، أو الفضاءات المكانية التي تتحرك فيها. 

وقال شهريار إنه حاول في رسالته الإجابة عن سؤال رئيس هو: كيف استطاع علاء الديب أن يعبر، جماليا، عن أزمات شخصية المثقف وانهزامه الداخلي؟ بوصف هذا السؤال هو المحدد الحقيقي لأدبية الأدب، أو- في مجال الدراسة- لروائية الرواية. فالسؤال الجمالي هو جوهر عملية الإبداع، ويتخذ مكانة أكثر أهمية عن غيره من الأسئلة السياسية أو الموضوعاتية، وإن كان لا ينفي حضورها، ووفقا لهذا السؤال المركزي للبحث، تتوالد عدة أسئلة جمالية أخرى.

وقسم الباحث رسالته إلى أربعة فصول، وهي: الفصل الأول بعنوان: المثقف المفهوم والدور، ويركز فيه، على استجلاء المفاهيم المتعددة للثقافة، ثم على علاقة ثقافة الفرد بثقافة المجتمع كبنية مهيمنة، ثم يسعى إلى استجلاء المفاهيم المختلفة للمثقف، ثم الوقوف على تصورات المنظرين حول دور المثقف ووظيفته، وفي الفصل الثاني وعنوانه: بناء الشخصية وصياغتها يستجلي أنماط شخصيات المثقف في روايات علاء الديب، ويتوقف عند عدد من الأنماط، هي: المثقف المتمرد فرديا، والمثقف المنسحب، والمثقف المبعد، والمثقف الخائن، والمثقف المستلب، والمثقف المسخ، والمثقف المقاوم، والمثقف المهاجر، ويركز الفصل الثالث وعنوانه: المثقف والجماعة على استجلاء آيات اغتراب مثقفي روايات الديب عن الجماعة والمجتمع من حوله، أما الفصل الرابع وعنوانه: أمكنة المثقف فيسعى إلى الوقوف على أمكنة المثقف وكيفية تشكيلها جماليا، وعلاقتها باغتراب المثقف.

وتوصل الباحث عمر شهريار في رسالته عن الروائي الكبير علاء الديب إلى عدة نتائج؛ هي:

1- إن مفهوم كلمة المثقف في الثقافة العربية مفهوم غائم، وغير واضح بشكل محدد، لأنه يفتقد لـ"التأصيل"، كما أن تاريخ المثقف العربي ووضعيته في الواقع العربي يختلف عن نظيره في الواقع الغربي، وإن أجمع معظم المنظرين على أن المفهوم مرتبط بالدور الذي يمكن أن يؤدي الشخص ليكون جديرا بوصفه بهذا المصطلح.

2- تعددت أنماط شخصية المثقف في روايات الديب، فثمة المثقف الصدامي المتمرد فرديا ممثلا في شخصية فتحي في رواية "القاهرة"، والمثقف المنسحب ممثلا في شخصية عبد الخالق المسيري في رواية "زهر الليمون"، والمثقف المبعد ممثلا في شخصية "أمين الألفي" في رواية "أيام وردية"، والمثقف الخائن ممثلا في شخصية الدكتور منير عبد الحميد فكار" في رواية "أطفال بلا دموع"، والمثقف المستلب ممثلا في شخصية الدكتورة سناء فراج في رواية "قمر على المستنقع"، وشخصية المثقف المسخ ممثلا في شخصية "تامر منير فكار" في رواية "عيون البنفسج". وإضافة إلى ذلك كان هناك نماذج للمثقف المقاوم، والمثقف المهاجر إلى الغرب، والمثقف المهاجر إلى الخليج.

3- هذه الأنماط من شخصيات المثقفين تنوعت طرائق تقديمها سرديا، تارة عبر التقديم المباشر من خلال وجهة نظر الراوي، أو جهات نظر بقية الشخوص لها، أو وجهة نظر الشخصية المثقفة نفسها في ذاتها، وتارة أخرى تقديمها بطريق غير مباشر عبر وصف أفعال الشخصية ومواقفها وردات فعلها في المواقف المختلفة.

4- ثمة محطات فارقة في تحولات شخصية المثقف في روايات الديب، الأولى هزيمة 1967 التي تمثل تحولا مركزيا في شخصية المثقف المصري، وكانت بمثابة هزيمة له، كما كانت سببا في انسحابه من المشهد الاجتماعي والسياسي أو إبعاده وطرده. كما تمثل حقبة الانفتاح الاقتصادي محطة تحول ثانية عمقت إحساس المثقف بالهزيمة. وكانت المحطة الثالثة هي الهجرة الجماعية إلى دول الخليج العربي مع تدفقات النفط، بما مثلته هذه الهجرات من تغير الأنساق القيمية للمجتمع المصري، وشيوع ثقافة الاستهلاك وانتشار وهيمنة الأصولية الدينية على الوعي المصري، بما مثله ذلك من اعتراف المثقف بهزيمته تماما واستسلامه في مواجهة هذه التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

5- توصلت الدراسة إلى أن انهزام المثقف أمام ما شهده المجتمع من تحولات حادة أدى إلى إحساس المثقف في روايات علاء الديب بالاغتراب وعدم التآلف مع كل المحيطين به، وتعمق إحساسه بعدم قدرته على الاندماج مع المجتمع.

6- انتماء معظم مثقفي روايات علاء الديب للماضي، فكل منهم لديه شيء ماضوي يمثل له فردوسا مفقودا، سواء كان حكاية قديمة مثل "رقصة الديك" التي شهدها الدكتور منير فكار في طفولته، أو شجرة الليمون العتيقة التي ارتبط بها عبد الخالق المسيري في رواية "زهر الليمون"، أو الشجرة العتيقة التي ارتبط بها أمين الألفي في "أيام وردية"، أو شوارع "مصر الجديدة" بالنسبة للدكتورة سناء فراج في رواية "قمر على المستنقع"، في حين كان تامر منير فكار بلا جذور وبلا ماض أصيل ينتمي له، ففقد ماضيه ومستقبله.

تم نسخ الرابط