

محمد نجم
تلك آيـات الله
بقلم : محمد نجم
نعم.. تلك آيــات الله يتلوهــــــا على أنبيائــه وعبـــاده بالحـــق.. (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)..؟
فسبحـــانه الـذى خلـــــق فسوى، والذى قدر فهدى..
وهو القائل فى سورة النحل: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ).. فهذه مخلوقات الله سخرها لعباده لعلهم يتقون، وبعضها كان وما يزال من متاع الحياة الدنيا وبعضها كان «آية» للناس وعبرة.. والله على كل شىء قدير.
ومن تلك الآيات «حمار» العزير أحد أنبياء بنى إسرائيل من سلالة هارون شقيق سيدنا موسى، وقيل إنه كان أعلم وأحفظ معاصريه بالتوراه.
وفى أحـد الأيـام خرج عزير أو عزرا- كما ورد بالتوراه- راكبا حماره ليتفقد «بستان» كان يملكه، وحمل معه سلة فيها تين وأخرى بها عنب، وفى عودته إلى منزله دخل مكانًا مهجورًا (خرابة) ليستريح، وأخرج قصعة كانت معه واعتصر فيها بعض العنب، ثم أخرج خبزا يابسا ووضعه فى القصعة ومزجه بعصير العنب ليبتل فيأكله ثم استلقى على ظهره وأسند رجليه إلى الحائط ونظر فى سقف تلك الخـرابة وهى خاوية على عـروشـها، فتسـاءل: متى وكيف يحيى الله هذه بعد موتها؟
ولكنه كان رجلا صالحا ومن ثم لم يكن يشك فى قدرة الله على إحياء هذه الأماكن وما بها من عظام أهلها السابقين، ولكنه قالها تعجبا، فبعث الله إليه ملك الموت فقبض روحه، فأماته الله مائة عام.
وفى تلك الفترة تبدلت أحوال بنى إسرائيل وانتقلوا من بابل بالعراق حاليا إلى أرض الشام بعد أن فك أسرهم وتعهدوا بألا يعودوا للعصيان والآثام مرة أخرى.
وقد شاءت إرادة الله أن يعيد عزير للحياة ليكون «آية» لنفسه ولقومه، فاستيقظ على الحالة التى كان عليها عندما مات ولم يكن وقتها يتجاوز العشرين عاما تقريبا.
وجاءه الملك يسأله: كم لبثت؟.. فقال: يوما أو بعض يوم، ذلك لأنه رقد وقت الظهيرة، وعندما استيقظ كانت الشمس ساطعة لم تغرب بعد.
فقال له الملك: بل لبثت مائة عام، فدُهش وأخذ ينظر حوله وهو يتعجب.
فأمره الملك بأن ينظر إلى طعامه وشرابه- وهما سريعا العطب- فسوف يجدهما على حالهما لم يتغيرا، حيث مازال التين غضا طريا والعنب طازجا لم يتلف، وكذلك الخبز الممزوج بعصير العنب.
هذا.. بينما كان هناك شىء آخر معمرا إلى حد ما، ولكنه تحول إلى عظام بالية مبعثرة.. وهو الحمار.
يقول سبحانه وتعالى فى سورة البقرة: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ)!
هنا يريه الله كيف يحيى العظام وهى رميم، حيث يأمر الملك العظام بأن تتجمع وتكون الهيكل العظمى للحمار، ثم ألبسها العروق والأعصاب، ثم كساها لحما وأنبت عليها جلدا وشعرا، ثم نفخ فيه فعادت الروح إلى الحمار وارتفع نهيقه!
ويسارع عزير بالاستغفار والتسليم بقدرة الله عز وجل (وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)..
ليس ذلك فقط، فبعد أن أراه الله «آية» من آياته الكبرى.. أراد أن يجعل منه نفسه «آية أخرى»، حيث أعاده على الحالة التى أماته فيها أى فى سن الشباب، ولذلك عندما عاد إلى أهله وجد ابنه وبعض قومه يبلغون حوالى المائة عام من العمر، بينما هو جالس معهم وهو أكبر من بعضهم سنا، ولكنه فى هيئة الشباب الذى لا يتجاوز العشرين عاما!
وسبحان الله خلق فسوى وقدر فهدى..
qqq
أما الخيل.. فهى من الأشياء التى زُينت للناس وكانت ومازالت من متاع الحياة الدنيا، وقد ورد ذكرها فى الآيات بأكثر من مسمى.. مثل الصافنات الجياد، والعاديات ضبحا، وكذلك الموريات قدحا والمغيرات صبحا.
وهو ما يعنى أن الفرسان يمكن أن يباغتوا بها العدو فى الصباح الباكر، ويمكنها أن تهيج الغبار على الأعداء، مع قدرتها على إخراج النار من خلال صك حوافرها بالأحجار.
وقد قيل إن سيدنا إسماعيل هو أول من روض الخيول، حيث كان أول من ركب الخيول البرية التى وجدها فى الجزيرة العربية، وقد اشتهر الخيل العربى بالقوة والجمال والسرعة.. حتى قيل إنه يفترس الأرض كافتراس الأسد ومن ذلك سمى بالفرس! وقيل إنه سمى بالخيل لأنه يختال فى مشيته.. كالمعجب بنفسه.
ولعل أجمل وأوجز ما قيل فى وصف الفرس العربى، هى تلك الأبيات لامرئ القيس:
وقد اغتدى والطير فى وكناتها
بمنجرد قيد الأوابد هيكل
مكر مفر مقبل مدبر معا
كجلمود صخر حطه السيل من عل
حيث إنه كثيرا ما يخرج فى الصباح الباكر والطيور فى أوكارها بفرس قصير الشعر متين الجسد، تبدو الوحوش فى حضرته وكأنها مقيدة، وهو يجيد الكر والفر، حسن الإقبال فى السباق جيد الإدبار فى عدوه، وفى كل الأحوال.. يبدو كصخر أصم سقط من أعلى.
qqq
أما البغال.. فهى حيوانات مهجنة فنتيجة للتزاوج بين ذكر الحمار وأنثى الفرس، ولذلك تتميز بصبر الحمار وقوة الفرس.. ولكنها عقيمة ولا يمكنها التناسل.
ويذكر أنه فى الحروب القديمة لم يكن يخلو أى جيش من سرية جبلية للبغال، حيث كانت تحمل المؤن والأسلحة والذخائر.. وتسير فى الطرق الوعرة بعيدا عن أعين الجواسيس!
qqq
إنها كلها نعم الله على عباده.. ولنا فيها عِبر ولنا فيها منافع كثيرة.. ولكن من يعتبر ومن يتعظ؟!