

محمد نجم
حكمة الوزراء.. وصبر المواطنيـن!
بقلم : محمد نجم
* سلو بلادنا.. كده
- يعنى إيه ياشيخ؟
* بعض المسئولين بيحاولوا “يغلسوا” على الشعب والإضرار بالمصلحة العامة.
- يا راجل.. إزاى يعنى؟
* إيه.. أنتم مش متابعين ولا إيه؟ مسمعتوش عن مشكلة بطاقات الخبز وحكاية الكارت الذهبى، ومن قبله زيادة رسوم التأشيرات السياحية للأجانب، وأخيرًا مشكلة شراء الزبالة من المواطنين.
- كلها اجتهادات قد تصيب، وقد تخطئ.
* اجتهادات إيه؟ وهو ده وقته؟
هكذا بدأ الحوار بين مجموعة من المواطنين على أحد المقاهى المجاورة لمبنى دار المعارف العريق، وبالطبع لم أشارك فيه ولم أتابعه حتى نهايته.. وسارعت بالانسحاب لكتابة هذا المقال!
فقد بات واضحا أن بعض المسئولين ممثلى البيروقراطية العتيقة يغيب عنهم ما يسمى بالحس السياسى أو مبدأ الموائمة أو اختيار التوقيت المناسب للقرار السليم.
فالقرار المتسرع غير المدروس والذى لا يأخذ فى حساباته «ردود الأفعال» المتوقعة.. غالبًا ما يأتى بنتائج عكسية لما كان يرغبه مصدر القرار، وتلك من بديهيات العمل العام الذى قبل بعض مسئولينا التصدى له وتحمل أعبائه خاصة أن بعضهم ليس جديدًا فى موقعه وعلى علم أكيد بظروف البلاد والعباد.
والمعنى أن حسن النية وحده لا ينفع وفيما يتعلق بقضية «رغيف العيش» كلنا نعلم أن المجتمع عانى منها كثيرًا، حتى وفقنا الله لعمل «منظومة» جديدة أتاحت الحصول عليه بسهولة ويسر وبدون طوابير ومشاجرات ذهب ضحيتها عدد من المواطنين.
ثم اكتشفنا بعد حين أن الظاهر شىء والباطن شىء آخر وعلى رأى المثل المصرى «الحلو ما يكملش» حيث إن الهدوء الظاهر والتنفيذ الجيد للمنظومة يخفى وراءه فسادًا على فساد فى مجال توريد القمح البلدى أو استيراد القمح من الخارج ولم يكن هناك بد سوى تغيير الوزير المسئول عن ذلك، وجىء بوزير آخر أكثر انضباطًا ولكنه - وللأسف - لم يفلح مع المافيا المنظمة فى هذا القطاع الحيوى، وتحركت الأجهزة المعنية وقامت بالمتابعة والرصد واكتشفت تسرب المليارات من الجنيهات المخصصة لدعم رغيف العيش إلى جيوب حفنة قليلة من المستفيدين سواء كانوا من أصحاب الأفران أو التجار أو حتى المواطنين أنفسهم!
فطبقًا لمنظومة توزيع الخبز أتيح لكل مواطن أن يحصل على خمسة أرغفة يوميًا وبالسعر الرسمى، بشرط أن يسارع باستخراج البطاقة التموينية التى سيتعامل بها مع الفرن البلدى المجاور لمسكنه.
وتيسيرًا على المواطنين حتى يستكملوا بياناتهم أو يحولوا البطاقات الورقية إلى «كروت ذكية» تقرر أن يمنح كل صاحب فرن «كارت ذهبى» يتيح له صرف ثلاثة آلاف رغيف يوميًا لهؤلاء المواطنين.. لحين توفيق أوضاعهم مع منظومة التوزيع.
ونحن الآن فى عام 2017 والمنظومة طبقت فى عام 2014، وخلال تلك السنوات لايزال عندنا أكثر من 300 ألف بطاقة ورقية على مستوى الجمهورية!
وتفسير ذلك لا يخرج عن احتمالين: أولهما أن بعض إدارات التموين المعنية قصرت فى عملها ولم تنه تعاملات المواطنين ولم تستخرج لهم البطاقات المطلوبة.
أما الاحتمال الثانى فهو أن بعض هؤلاء من أصحاب البطاقات الورقية أو من ليس لديهم بطاقات تموينية «كسلوا» ولم يقوموا بواجبهم فى استكمال البيانات أو تقديم المستندات المطلوبة لاستخراج الكروت الذكية، هذا فى الوقت الذى يحاسب أصحاب الأفران وزارة التموين على فروق الدعم لإجمالى ما ينتجوه من خبز بما فيها وما يتيحه «الكارت الذهبى».. وبحسبة بسيطة يتضح للجميع حجم الهدر الضخم والتسريب المزمن لأموال الدعم، حيث هناك 19 مليون بطاقة تموينية تصرف الخبز المدعم، ولو حسبنا متوسط الأسرة المصرية خمسة أفراد، فمعنى ذلك أن عدد المستفيدين من الدعم 85 مليون مواطن وإذا كان تعداد السكان فى مصر حاليًا حوالى 93 مليون فمعنى ذلك أن 95 % من السكان يستفيدون من الدعم وهذا غير صحيح على أرض الواقع، فهناك طبقة فى المجتمع لا تأكل العيش البلدى.. وقد تكون لا تراه أصلًا!
هذا فى الوقت الذى بلغ فيه حجم الدعم السنوى حوالى 24 مليار جنيه، وإذا كان لدينا 25 ألف مخبز على مستوى الجمهورية وكل مخبز لديه كارت ذهبى بثلاثة آلاف رغيف يومى، فمعنى ذلك أن هناك 75 مليون رغيف يوميًا تتيحها هذه الكروت، هذا من إجمالى ما يتم إنتاجه والبالغ 360 مليون رغيف، أى أن هذه الكروت الذهبية حوالى 25 % من إجمالى ما ينتج من خبز يوميًا.. إذن هناك خلل.. وهناك تقصير.. ولابد من المعالجة.. فكان قرار الوزير بتخفيض حصة الكارت الذهبى من ثلاثة آلاف إلى 500 رغيف يوميًا فقط.
هنا.. دخل الوزير الأسبق الذى عاد إلى منصبه عش الدبابير وسيرت المظاهرات بشكل متزامن فى خمس محافظات مرة واحدة.. فلجأ إلى الهدنة المؤقتة.. ومنح مرءوسيه فى إدارات التموين المختلفة وقتًا إضافيًا لإتمام المطلوب واستخراج البطاقات المعطلة!
طيب يا سيادة الوزير والنائب السابق وأنت رجل سياسى.. لماذا لم تمنح إداراتك تلك المهلة قبل إصدار القرار؟ أو لماذا لم تتيح تلك الكروت الذهبية لأفران القطاع العام والشرطة والقوات المسلحة؟! وكلها تعمل بالمال العام ومن السهل - من خلالها - ضبط المنظومة لحين توفيق الأوضاع فى الأفران الخاصة؟
هى دى المشكلة!!
لا رأى يعلو فوق رأى الوزراء، فقد امتلكوا الحكمة وعلى الشعب الصبر والسلوان.
الغريب أن هذا ما حدث تمامًا فيما يتعلق بموضوع زيادة التأشيرة للوفود السياحية الخارجية والتى زيدت بنسبة 200% فى وقت تعانى فيه السياحة المصرية من عجز رهيب بسبب
ألاعيب السياسة والضغوط الخارجية على القرار المصرى الوطنى والمستقل.
فقد أصدر وزير السياحة قراره دون الرجوع إلى الاتحاد أو الغرف أو الشركات العاملة فى القطاع.. ولم يكن هناك بد سوى تدخل القيادة السياسية لإرجاء التنفيذ إلى حين!
ثم فاجأنا محافظ القاهرة بالإعلان عن إقامة أكشاك لاستلام الزبالة من المواطنين بمقابل مادى وحسب أنواعها المختلفة دون استشارة المسئولين فى نقابة العاملين فى جمع القمامة من المنازل والشوارع.
ومفاد القرار المتعجل أن يحول المواطن منزله إلى «ساحة» لفرز الزبالة وتحويش كل نوع منها على حدة، ثم تعبئتها فى أكياس والنزول بها إلى الشارع والبحث عن أكشاك الشراء لبيعهاَ
- طيب والإخوة جامعو القمامة هيعملوا إيه؟
معاهم ربنا
والمعنى أن السيد المحافظ وبقرار متعجل حول شوارع مصر إلى مقالب زبالة، ومنع جامعى القمامة من ممارسة عملهم.. بس خلاص!
يا جماعة ارحمونا.. والنبى تتأنوا شوية.. وبلاش تجربوا فينا أفكاركم الغريبة.. نعم قد تكونوا حسنى النية ولكن المشكلة أننا لا نفتش فى الضمائر وإنما نعانى من النتائج.
مرة أخرى.. ورجاء حار.. تأنوا وادرسوا واخرجوا أفكاركم للرأى العام.. ثم اتخذوا قراراتكم فى الوقت الملائم.
حفظ الله مصر.. وألهم مسئوليها الرشد والصواب.