عاجل
الإثنين 5 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
"شهريار" القرن الواحد والعشرين (2)

"شهريار" القرن الواحد والعشرين (2)

بقلم : محمد عبد السلام

علي أنغام موسيقي هتافات الشعب الغاضب، راح شهريار يتحرك باضطراب ملحوظ داخل مخدعه ذهاباً وإياباً، بين الفينة والأخرى يقترب من الشرفة المطلة علي باحة قصره بحذر مرتاب، تنتابه هواجس مجرد التفكير فيها يفزعه، هل يجرؤون علي اقتحام قلعته، هل يقتصون منه عقاباً علي تجاهلهم، إنه لا يجرؤ حتي علي الخروج الي حديقة قصره، كيف له كحاكم للبلاد أن يتم وضعة تحت الإقامة الجبرية حفاظاً علي حياته، توقف فجأة عن الحركة بجوار الشرفة، قبل أن يقول صائحاً بصوت غاضب: "سأجعلكم تندمون علي فعلتكم تلك.. لن تهنئوا بعد اليوم.. أنا تفعلون معني هكذا.. أنا تحبسونني داخل مخدعي كالنساء".. ثم دلف إلي داخل مخدعه هاتفاً: "شهرزاد.. أين أنتِ".



لم تكد شهرزاد تسمع نداء زوجها شهريار حتي اقتحمت مخدعه دون استئذان، يبدوا عليها الإنهاك الشديد، كانت كأنما هرمت في ساعات قليلة، شحب وجهها كثيراً، انتفخ جفني عينيها المحمرتين، تهدلت وجنتيها المصفرتين، كانت كمن بات ليلته يبكي بلا توقف، أمام هيئتها تلك وقف زوجها بلا حراك لا يجرؤ علي الكلام، يدرك جيداً حجم ما يعتمل في صدر زوجته من آلام، أطرق برأسه خجلاً، يخالجه شعور بالمسئولية والعجز، مسئولية اهتياج الرعية، والعجز عن إصلاح أي شيء، دون أن يرفع عينيه لزوجته قال هامساً: "ألن تكملي لي حكاوي شعبنا يا زوجتي الحبيبة"، سمع تنهيده شهرزاد الهادئة، رفع رأسه متشجعاً قبل أن يقول وقد عاد إلي صوته العناد: "ولكنني أرفض تحمل مسئولية مقتل ذلك الصغير.. لقد قتله ذلك الأشعث.. فما ذنبي أنا".

كعادتها كلما ضاقت بما يقول شهريار وضعت شهرزاد كفيها علي رأسها، ثم أمسكت ببعض خصلات شعرها وكأنها تهم بنزعها، قبل أن تلتفت لتجلس علي أحد الأرائك المواجهة لشرفة المخدع، ثم أشارت إلي باحة القصر قائلة بصوت حانق: "كيف هذا يا مولاه.. هذا الأشعث كان أحدهم يوم ما.. لم يولد ليعيش إرهابيا ينسف نفسه في وجه الأطفال والنساء.. كان يمكن أن يكون إنساناً طبيعيا لولا ما تعرض له"، اقترب شهريار من زوجته، جلس كعادته بجوار قدميها قائلاً: ما أسم هذا الأشعث، فأجابته دون تردد: جمال، فزوي ما بين حاجبيه الرفيعين قائلاً: "أحكي لي كيف أصبح هذا الـ"جمال" إرهابياً.. ومن الذي دفعة لتفجير نفسه هكذا"، نزلت شهرزاد لتجلس بجوار زوجها علي الأرض قائله بطريقتها المعهودة: "اسمع يا مولاه.. بلغني أيها الملك السعيد، ذو الرأي الرشيد، أنه في احدي مساكن العشوائيات، عاش مدرس يدعي جمال له باع في رياضيات....

أشعث السجون:

كعادته فجر كل صباح، ما أن ينطلق رنين المنبه الصغير المجاور لفراشة حتي يهب واقفاً، يبدو حيويا تمتلئ نفسه نشاطاً عجيباً، رغم برودة شتاء ديسمبر، ورغم ما يعانيه من إحباط مازال يعتريه أمل أن ينصلح حاله، راح يتمطع نافضاً عنه كسل حنين العودة إلي السرير مرة أخري، اتجه إلي دولابه الصغير، تناول بعض الملابس النظيفة قائلاً بصوت مرح: "نلحق نغير القميص قبل ما يدوب.. يمكن حضرة الناظر يغير رأيه ويعاملني كمدرس رياضيات مش مجرد كشكول".

لم يشعر جمال مدرس الرياضيات ابن الثامنة والعشرين من عمرة بأمة العجوز التي تقف خلفة مُحملقة، تراقب إبنها الوحيد بعين مُشفقة، شيء ما جعلها لا تغمض العين منذ ودعته ليلة أمس، باتت ليلتها تصلي وتدعي له، كأن شيء ما سيصيب وليدها، اضطراب قلبها، ارتجافه جفنيها، تنبئانها بذلك، التفت جمال ليجد أمة تقف هكذا بلا صوت، فقال بصوت هادئ: "فيه إيه يا أمي.. إنتِ صحيتي بدري ليه"، تنهدت أمه قائله بصوت غلب علية التوتر: "أنا منمتش طول الليل.. قولت ألحقك قبل ما تنزل تصلي الفجر"، ألقي جمال ملابسة علي الفراش قبل أن يقترب من أمه قائلاً: "خيراً يا أمي"، وكأنها تستعد لإطلاق حمل جاثم علي صدرها تنهدت بصوت مسموع، ولكنها ترددت فلم تقل شيئاً، فقط ابتسامة حانية أطلت من عينيها، لا شيء يا بني.. فقط اعتني بنفسك، ثم التزمت الصمت.

لم يكن جمال ذلك الشاب الذي استيقظ منذ قليل يملؤه الأمل، أضحي وكأنه شخص أخر، تبدلت هيئته فجأه، انطفئ بريق عينيه، ارتعدت أوصاله، ودع أمه وكأنه يراها للمرة الأخيرة، خرج من منزلة المُطل علي تلك الحارة الضيقة يتساءل، لما يكذب علي نفسه هذا الصباح، إن قلبه يشعر بمثل ما يشعر قلب أمه، هناك خطب ما سيحدث، ما حدث لأخويه عادل ومنصور مازال ماثلاً أمام عينيه، يدرك أن دورة قد حان ليدفع ثمن ضعفه وقله حيلته، في تلك الأثناء ارتفع صوت المؤذن معلناً بدء صلاة الفجر، فأسرع الخطى منفضاً ما علق في رأسه من ذكريات أليمة.

أنهي جمال صلاته سريعاً، حاول كثيراً أن ينهض، لكن عقلة المُثقل بالهواجس آبى أن يطاوع إرادته، استسلم لتلك الحالة الرافضة لمغادرة المسجد، دون أن يشعر إقترب منه أحدهم، عظيم الجثة، عريض المنكبين، كث اللحية، أسمر البشرة، يغطي رأسه بشال أبيض، يرتدي جلباب رمادي قصير، أسفلة سروال من نفس اللون، وضع كفة الغليظ علي كتفيه قائلاً: تقبل الله يا أستاذ جمال، شاردا التفت إلية، وقبل أن يجيبه اقتحم المسجد بعض الرجال، انقضوا علي الجميع، قيدوهم، ألهبوا أجسادهم بالعصا، ثم حملوهم، وداخل سياراتهم وضعوهم، وفي مكان مجهول عذبوهم، ودون محاكمات ألقوا بهم في غياهب السجن.

سنوات طويلة مرت، وجمال داخل السجن، لا يعلم، أي ذنب ارتكب يستحق معه ذلك العقاب، ماتت أمة حسرة علية، ماتت دون أن تعلم أين هو، دون أن تراه، ومع مرور الأعوام، لم تُغلق أبواب الماضي، لم تُفتح أمامه أبواب الحاضر، ولم يدري كيف سيطرق أبواب المستقبل، أي حاضر ينتظر برئ تعرض لمثل هذا الظلم، وأي مستقبل يمكن أن يتعايش معه مجرم لم يرتكب جُرم، بيد انه وجد ضالته مع الأمير، شيخ عظيم، عده رسول، أنزله الله بالهدى، رأي فيه العدل الذي حُرم منه، رفع رايته، حمل سيفه، وأقسم أن يقتص من مُعذبيه، وأن يُطير رقاب ظالميه.

داخل المخدع، جلست شهرزاد أمام فراش زوجها، تقول: وكانت تلك يا مولاي حكاية الأشعث جمال، عاش يحلم بحياة لم يهنأ بها، فمات بحثاً عن ما عاش يحلم به في الآخرة، صمتت شهرزاد برهةٌ، وعندما لم تتلقي جواب، التفتت إلي الملك شهريار، الذي تململ في الفراش ثم قال مهمهماً: وماذا بعد أكملي، فتبسمت شهرزاد وقالت متنهدةً، وبعد،، يجب أن تنام يا مولاه، فصاح شهريار بصوت عالٍ منادياً: مسرور، فدنت منه شهرزاد قائلةً: مولاه........ أطلق الديك صياحه معلناً ميلاد يوم جديد، وعندها أدركت شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح...............

اليوم الثالث

"كيف يجرؤون.. هل نسوا من أنا".. بدا شهريار ثائراً هذا اليوم، ملئ غرفة الإجتماع والمشورة صراخاً وضجيجاً، فما يقوله الوزير الأول لمُلكة لا يُصدقه عقل، الرعية ترفض الحوار، ولا ترضى عن رحيله بديل، اقتحمت الغرفة شهرزاد تستطلع الأسباب، فأتاها صوت زوجها يقول: سأدمرهم جميعاً، سأقضي عليهم، فزوت ما بين حاجبيها اعتراضاً، لا يا مولاه، ستقضي علي أخر خيط يُخلد ذكراك، ثم أشارت الي وزيرة قائلة: دع الحاكم ليسترح قليلاً وسيأتيك بالخبر اليقين.

خلت الغرفة، لم يبق سوي شهرزاد وزوجها، لم تنطق بكلمه واحدة، سكتت عن الكلام المباح، راحت تراقب شهريار بعين ملؤها الشفقة، تدرك ما يعتريه من هواجس هول الصدمة، ملكٌ كان يأمر فيُطاع، واليوم حُبس في قلعه لا يجرؤ علي الخروج، دون أن يلتفت إليها سمعته يهمس قائلاً: "أريتِ يا شهرزاد، رعيتي ترفض الإنصات، لا ترضي عن رحيلي بديل"، دنت شهرزاد منه، ربتت بيديها علي كتفة قائلة: "هون عليك مولاه، أنت تعلم شعبك سيدي، لا يوجد علي الأرض أرحم منه، فقط دعه يشعر أن له زعيم عادل يرعي مصالحه".

التفت شهريار فجأة الي زوجته، علت وجهة قسمات حادة، أطل الشرر لوهلة من عينين غائرتين، برزت أسنانه التي بدت صفراء لامعة، كحيوان مفترس أطلق زمجرة وحش كاسر، طفا الزبد ثغرات فمه الواسع، علا الفزع وجه شهرزاد، خُيل إليها أنها تقف أمام وحش يستعد للإفتراس، وحش فقد فجأة كبريائه، قرر أن ينتقم من الجميع، تراجعت إلي الوراء بهدوء حذر، حاولت أن تفهم ما يقول: "عن أي مصالح تتحدثين يا شهرزاد.. أنا لم ارتكب شيء علي الإطلاق.. استمعت إلي نصائحك وحاولت أن أسمع شكواهم.. ولكنك تلقين علي مسامعي اتهامات ما أنزل الله بها من سلطان.. كيف تربطين بين ذلك الأشعث جمال وما ارتكبه من إرهاب بظلم تعرض له، والأدهى أنك تلصقين ما تعرض من ظلم بي".

أيقنت شهرزاد أن مليكها ما عاد به قدرة علي الوعي، تدرك أن نفسه تأبى مزيد من الحكايا، وانه ما يستمع إليها إلا ليغسل يديه أمام الرعية، والأدهى أنه يتنصل من كل فعل مُشين، يتهمها بأنها تشارك في إلصاق الظلم به، هوت بجسدها علي أقرب أريكة منها، نظرت إلية بعينين ملؤها الإنكسار، ثم قالت: "ما اعرضه عليك لا يعفيك من المسئولية مولاي.. أنت من قال إنني ألدغ شعورك بما أعرضه عليك من ألوان الحياة والناس.. وأنني أتكلم عن الظلم أحياناً وكأنني لا أعني سواك".

بوجه منكسر إختفت منه معالم التوحش اقترب شهريار من مقعدها، كعادته جلس أسفل قدميها مطأطئ الرأس، أسدل ستائر جفنية ليحبس دمعة حاولت أن تفر، بصوت لاهث، دامع، قال: "قُلتِ لي يا مليكتي إنه عندما يكتشف الإنسان حقيقة نفسه بنفسه، فهيهات هيهات أن يضل السبيل.. وهأنذا لا أري يا مليكتي سوي أخطاء الآخرين"، رفع شهريار عينيه المبللتين بالدموع، ليذهل هذه المرة زوجته التي فغرت فاها معلنه عن دهشة ما تري، شهريار يبكي، وقبل أن تتفوه بكلمه، وضع يديه علي شفتيها قائلاً: "أثناء حديثك عن الأشعث جمال ذكرتِ أخوية عادل ومنصور، ماذا أَّلم بهما، وهل لي علاقة بما أصابهما، لاح علي شفتي شهرزاد شبح ابتسامة، أدركت أنه مازال هناك أمل، أطلقت تنهيدتها المعتادة قبل أن تقول: "لكي تعرف الإجابة يا مولاي عليك أن تنصت إلي قصتهما.. وسأبدأ بعادل أولاً.. اسمع يا مولاه.. بلغني أيها الملك السعيد، ذو الرأي الرشيد، أنه في إحدي الجامعات، درس عادل الزراعة، وحلم أن يُعمر الصحراء..........

 

الموت العائم

"يا صحرا لمهندس جاي.. قال هيخلى ترابك أموال.. الحصوة تنباع بريال.. والحجر بريال وشوي".. مازال الوقت مبكراً، سكن كل شيء إلي عشه في تلك القرية الصغيرة، الناس في بيوتها، والحيوانات في جحورها، والطيور علي أعشاشها، لم يستيقظ أحد بعد، فالفجر لم يأذن، داخل إحدي المنازل البسيطة وقف ذاك الشاب أمام المرأة يعدل هندامه، فتي صغير، أنهي مؤخرا دراسة الزراعة، عاش سنوات عمرة يحلم باليوم الذي سيعمر فيه الصحراء، واليوم سيحقق ما حلم به، سينطلق الي تلك البقعة الجرداء ليطبق ما تعلمه علي الأرض البور، لذلك استيقظ مبكراً، وكعادته كلما انتابته الحماسة، يُثير تلك الضوضاء، وقف أمام المرأة يردد كلمات بيرم التونسي الخالدة، تلك التي لحنها منذ ستون عاماً أحمد صدقي، وتغني بها الفنان سيد إسماعيل.

وسط الجلبة التي يصنعها عادل، لم يلحظ جمال، أخيه الذي يشاركه تلك الغرفة الصغيرة، أيقظته تلك الضوضاء، لكنه لم يعلن عن ذلك، فقط، فتح عينيه صامتاً، يراقب شقيقه مشفقاً، يدرك ما يعتمل في قلبه من مشاعر صادقة، فتي حلم طويلاً، ظن أن أحلامه ستتحقق، ولكنه ظن من النوع الأثيم، هكذا دائماً ما كان يمازحه، فكان لا يلقي بالاً، ينظر إليه كأنه طفل صغير، بيد أن جمال رغم أنه يصغره بثلاثة أعوام، كان عين الحكمة التي تنقص شقيقيه، يدرك أن الأحلام لا نراها إلا في المنام.

مرت أيام، وأسابيع، وشهور، لم يعد عادل ذلك الفتي الذي تغني يوماً بالأمل، كان يظن أن حلمة قريب، سيصدق أخيراً شقيقه جمال، أنه من النوع الأثيم، هذا الصباح استيقظ كعادته عند الفجر، جلس أمام منزلة الصغير يحتسي الشاي، ينظر إلي الأرض البور التي حصل عليها ليُعمرها، جاء منذ بضعة أشهر يحدوه الأمل، من يري بريق عينيه طيلة رحلته الأولي، من يسمع خفقان قلبه لحظة أن وطأت قدميه تلك البقعة، سيدرك ما كان يأمله ذلك الفتي، يومها التقط حفنه من رمالها، وأقسم أن يزين صفرتها باللون الأخضر، وها هو اليوم لا يفعل شيء سوي الجلوس علي باب منزلة يحتسي الشاي، ويستمتع بالهواء النقي، وقد حنث بقسم لم يملك البر به لحظة.

"لِساك بتحلم يا صاحبي".. علي صوت زميلة عيسي انتفض عادل، ظن أنه لا أحد غيرة قد استيقظ مبكراً، وعلية الأن أن يعتاد ذلك، فذاك ظن من النوع الأثيم، فاعتدل مبتسماً، ويحك يا فتي، لقد أفزعتني، بمرحة الصعيدي خفيف الظل اقترب عيسي، شاب اسمر ككل أهل النوبة، جاء حالماً، لم يختلف حلمة عن ما كان يحلم به جارة عادل، جاء قبله بأسابيع قليلة، حاول كثيراً أن يهون عليه، تظاهر أمامه بالمرح واللامبالاة، وما أن يأوي إلي فراشة حتي تدمع عينيه، لم يكن هذا ما رأه في أحلامه، ولا حتي في أحلك كوابيسه، تساءل كثيراً، هل أخطأ لأنه في ليلة راوده حلم، جلس بجوار عادل، تناول من يديه كوب الشاي، ارتشف رشفتين سريعتين، قبل أن يقول ساخراً، كيف لرجل مثلك عاشر العقارب والثعابين ليال طول يفزع هكذا يا فتي.

بدى سؤال عيسي عجيباً علي أذني عادل، لم يدرك إجابة له، ولكنه منحه سؤلا جد أعمق، ما الأكثر رعباً هنا، العقارب والثعابين، أم اغتيال حلم عشناه سنين، لم يدرك أن سؤاله هذا سيعبر سجن فيه، فتسربت من بين شفتيه همهمة، فهمها الفتي النوبي، فأسرع يجيبه مهوناً، الأحلام لا تموت يا صديقي، أطلق عادل ضحكة ساخطة، الأحلام لا تموت، وأجساد الحالمين أكلها دود الجيف، ثم التفت إليه قائلا: يا عيسي أجسادنا ماتت قبل أحلامنا، نحن لا نفعل أي شيء، لماذا جاءوا بنا الي هنا، الأرض البور تفتقر لكل شيء، لا ماء، لا كهرباء، لا طرق ممهده، مزارعنا الصغيرة لم تري اللون الأخضر الذي حلمنا به، منحوا الكبار كل شيء، ونحن لم يمنحونا أي شيء، لا الكبار زرعوا أراضيهم، ولا الصغار رأوا اللون الأخضر بعد، وها نحن ننتظر مكافأتنا، السجن، وكأننا مذنبون.

كشريط سينما مرت الأيام ثقيلة علي عادل، نفذت مدخراته، تراكمت ديونه، ومثله كل زملاءه، هجروا الصحراء، تركوها لهم بور، وعلي شاطئ البحر انتظروه، وقفوا وسط المئات من الفارين، وفي جُنح الظلام رأوه، الموت العائم، قارب صغير، مهترئ البنيان، لا يحتمل أكثر من نصفهم، كالأنعام حشروهم واحد تلو الأخر، لم يعلن القارب عن رفضه، حتي ظنوه يصرخ هل من مزيد.

بإصرار عجيب تحرك القارب ببطئ، علي متنه خيرة شباب الأمة، فارين، ليس لذنب جنوه، ولكن لحلم تمنوه، في عرض البحر، لم يعد لدي القارب قدرة علي التحمل، فناء بحملة يميناً ويساراً، بكي عادل كثيراً، لم يصرخ طلباً للنجدة، لم يهتف آملاً الغوث، صرخ كثيراً علي أرضة ولم يجد مُجيب، الأن يرجو الموت، عل قروش البحر أرحم من كروش البر، وعله يجد في الموت واحة لحلمة بعيداً عن أرض الفاسدين.

 

داخل المخدع، جلست شهرزاد أمام فراش زوجها، تقول:

وكانت تلك يا مولاي حكاية شقيق الأشعث، عادل، فتي لم يجد في أسمة نصيب، حلم يوماً أن يبني وطنه، ظن أنه قادر علي ذلك، لكنه تعلم أن هذا الظن من النوع الأثيم، تركوه يموت جسدا قبل أن يموت ما حلم به، صمتت شهرزاد برهةٌ، وعندما لم تتلقي جواب، التفتت إلي الملك شهريار، الذي تململ في الفراش ثم قال مهمهماً: وماذا بعد أكملي، فتبسمت شهرزاد وقالت متنهدةً، وبعد،، يجب أن تنام يا مولاه، فصاح شهريار بصوت عالٍ منادياً: مسرور، فدنت منه شهرزاد قائلةً: مولاه........ أطلق الديك صياحه معلناً ميلاد يوم جديد، وعندها أدركت شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح...

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز