لا شك أن حماية حقوق المؤلف في تشريعات الملكية الفكرية تتطلب ضرورة توافر شروط معينة، أهمها الابتكار، أي أن تكون هناك بصمة للمؤلف في المصنف تعبر عن شخصيته الفكرية، وأنه قد أضاف جديدًا في المصنف مما يميزه عن غيره من المصنفات، فقد يكون المحتوى العلمي لمصنف معين هو ذات المحتوى العلمي لمصنف آخر، ولكن تتم حماية مؤلفي المصنفين طالما لكل واحد منهما بصمته المختلفة عن الآخر!
ولذلك إذا جلس بعض الفنانين بجوار بعضهم البعض، لرسم مشهد نهر النيل لحظة الغروب، نجد أن الحماية القانونية بقانون الملكية الفكرية تكون مقررة لهم جميعًا، لأن كل فنان يرسم المشهد بطريقته التي تعبر عن شخصيته، فكل رسام يمسك ريشته ليخرج كل إبداعاته في لوحته، ورغم قيام الجميع برسم نفس المنظر، لكن يتم حماية كل واحد، لأن لمسته تختلف عن لمسة الآخر، ويستطيع الرواد لمعرض فني يتم فيه عرض اللوحات الخاصة بهذا المنظر، أن يدركوا مدى الجمال والإبداع الموجود في كل لوحة عن الأخرى!
والسؤال الذي يمكن طرحه في هذا الصدد: هل يشترط أن يتوافر في المصنف الفكري طابعًا جماليًا، لحمايته بقانون الملكية الفكرية، أم يشترط ليس فقط وجود الطابع الجمالي، ولكن وجوب أن يكون لهذا الجمال قيمة معينة؟! وعلى سبيل المثال، إذا قام طالب موهوب، مازال يدرس في مرحلة التعليم الأساسي، بتأليف رواية معينة، يوجد بها قدر من الجمال، هل يمكننا التسليم بأن القيمة الجمالية ونسبة الجمال الموجودة في هذه الرواية، تعادل أو حتى تقترب من قيمة الجمال في إحدى روايات نجيب محفوظ، أو غيره من عباقرة الأدب، ومن ثم يتعين حماية هذا الطالب؟!
أعتقد أن الإجابة واضحة، ولا يمكن التسليم بأن قيمة الجمال الموجودة في رواية طالب الإعدادي تساوي قيمة الجمال الموجودة في روايات نجيب محفوظ أو كبار الأدباء، وهذا لا يمنع بالطبع وجود مجموعة من شباب الأدباء يمتلكون الموهبة الأدبية، ويجيدون الكتابة بصور جمالية مبهرة، قد تفوق صور الجمال التي رسمها كبار الأدباء في أعمالهم، ولكنني أتحدث هنا إجمالًا، ووفقًا للطبيعي من الأمور في مجال عالم الأدب والأدباء، حيث لا يمكن القول بتساوي القيمة الجمالية في عمل أدبي معين وعمل آخر، فمن المؤكد أن هذه القيمة تتفاوت بين مبدع وآخر!
ولكن تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أمر في غاية الأهمية، وهو أن الحماية القانونية بقانون الملكية الفكرية، تكون مقررة بغض النظر عن القيمة الجمالية في المصنف، وكل ما يهمنا فقط هو وجود الطابع الجمالي في هذا المصنف، فلا يهمنا درجة الجمال وقيمته ونسبته في أي عمل أدبي أو فني أو علمي، لإقرار حمايته، ولذلك يتم حماية طالب الإعدادي الذي ألف رواية معينة، مثله تمامًا مثل الأديب العالمي نجيب محفوظ أو عميد الأدب العربي أو غيرهما من كبار الأدباء، وذلك لتوافر الطابع الجمالي في مصنفه!
فليس شرطًا لإقرار الحماية لمصنف ما بقانون الملكية الفكرية، أن تتوافر فيه قيمة جمالية معينة، ولكن يجب أن يتوافر في المصنف طابع جمالي، يشتمل على بعض الصور الجمالية، أيًا كان عدد ونسبة وقيمة هذه الصور.
أستاذ القانون ونائب رئيس جامعة أسيوط السابق



