ليس فى اللغة العربية مترادفات. كل مفردات اللغة العربية لها ما لها من دلائل وإشارات.
وفى اللغة الجهول أشد من جاهل.. وأخطر. والجهول هو من لا يعلم مع أنه مفترض فيه العلم، بينما الجاهل فى اللغة هو من لا يعلم.. والأصل فيه عدم العلم.
الطبيبة جهولة إن بغت بما لا تعلم.. فتشيع فى الناس جهلا. بغى الطبيبة فى هذه الحالة.. هو فى سوء استغلال ثقة الناس فى علمها.. بينما هى من طلاب التريند.
قاتل الله التريند.. وسُعَاة التريند.. واليوم الذي ضربنا فيه التريند.
والمحامية جهولة إن ألحنت. والإلحان فى اللغة، هو اللجوء لحجج فى نزاع، يبدو من ظاهرها ما ليس فى باطنها، استجداء لتعاطف أو تأسيسًا لباطل.. على أنه حق.
يروى أنه قد دخل اثنان من الأنصار على رسول الله فى نزاع، فكان أحدهما أشد حلاوة فى الكلام وطلاوة، فحذّر رسول الله من أن يأخذ أحدهما حقًا غير حقه.
قال النبى: «إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».
(1)
الفقه الإسلامى علل ونتائج. والعلة هى سبب الحكم، والنتيجة هى ما يترتب على العلة من حكم.
أساس الأحكام فى الفقه الإسلامى المصلحة. والفقه كليات لا جزئيات. انتقاء جزئيات الفقه ولىّ ذراع الكلام والأحكام، سعيًا للتريند، مقتًا وفاحشةً وساء سبيلًا.
الخطورة فى اتساع جمهور بعض نجوم الفضائيات وتعدد المشاهدين. فى نظريات الإعلام يسمون هؤلاء «المصادقين من المشاهير». والمصادقون من المشاهير هم من يدخل كلامهم من آذان العامة لقلوبهم.. ومن نظرة العين للعقول فورًا بلا فحص ولا نقد ولا حتى تروى.
وفى كلام الذين لا يعلمون سموم.. وفى كلام طالبى التريند.. وسعاة موضة حقوق المرأة بالبطال «أفاعى زاحفة».
أساس الفقه.. المصلحة. وأساس الكلام عن حقوق النساء فى المجتمع، هو إصلاح وضع للمرأة كان فى زمن ما مهينًا. الغرض كان استعادة المرأة كشريك فى المجتمع له مكانته ومكانه.
لم يكن الغرض من الكلام عن حقوق المرأة.. هضم حقوق الرجل، أو الاستهانة به، أو تشويه صورته.
ليس من القصد فى بيان حقوق المرأة هدم الأسرة، وقلب كيانها، وإنزال عاليها واطيها!
كان الغرض من الكلام عن حقوق المرأة دعم عنصرى الأسرة، راجل وست.. لمجتمع سليم. كان القصد أن استعادة المرأة مكانتها، يعدل الحال دعمًا لمجتمع أفضل.
بعضهم فهم خطأ. بعضهم تصور أن «الهوجة» تستدعى الإفراط. وصل الأمر إلى أن تبينّا أن المرأة ليست ملزمة فى منزل الزوجية بشىء فقهًا وقضاءً !
كلام غير سليم.. وغير صحيح.
النكتة أن أستاذًا كبيرًا فى الفقه الإسلامى بدأ تلك الهوجة. توالى على الهوجة نفسها كثيرون وكثيرات. تعالى التريند.. وكلما تعالى زادت أعداد المتكلمين فى حل الست من أى التزام فى منزل الزوجية.
أزمة وكارثة.. وسوء استخدام وسوء استعمال.. وسوء فهم.
تقوم العلاقات الزوجية على المودة والسلوك السليم. اتخذ الفقه الإسلامى معيار «أصحاب الذوق السليم» لبيان ما لدى الرجل عند زوجته، وما لدى الزوجة عند زوجها بالمعروف.
المعروف يعنى التسامى والتسامح.. والتفويت.. والاحتواء.
بالمناسبة لا يظهر الكلام فى الحقوق إلا فى حالات النزاع. والارتباط بالزواج الأصل فيه تراحم وتشارك. لو أظهرنا الكلام فى الحقوق، فنحن ندفع إلى النزاع دون أن ندرى.
نحن الذين ندفع إلى الخلاف والخصام والكلام فى «حقى وحقك» ثم نستدير ونجلس لنبكى على شكل العلاقات، وعلى أنواع القضايا أمام محاكم الأحوال الشخصية.. وتفاصيلها !
(2)
الغرض من الكلام عن استعادة الست مكانها ومكانتها داخل الأسرة كان المصلحة. وفى الفقة الإسلامى أنه حيثما توجد المصلحة.. فثمة شرع الله.
لذلك فإن الفقه استعرض المصلحة لما تكلم عن واجبات المرأة فى بيت الزوجية.
والمصلحة فى حسن العشرة ونماء العلاقة. للمرة الثانية.. لم يتدخل الفقه بالتشريع فى العلاقة إلا وقت نزاع. لكن الأصل فى العلاقة الزوجية أنه لا نزاع. لو نشب النزاع واستوجب الرجوع لقانون فالمعنى خلل فى العلاقة.
مرة ثانية وثالثة ورابعة: تقول إيه للتريند.. ورغبات ركوب التريند؟
الأسبوع الماضى، فسرت محامية مشهورة كلام الله على أساس التريند ليس على حسب ظروف التنزيل، ولا على أساس عموم المعتمد من التفسير !
تكلمت المحامية ابتغاء مرضاة التريند.. مرة سادسة وسابعة لعن الله التريند.
أسست رأيها فى عدم لزوم الزوجة رضاعة أولادها إلا بأجر على آية شريفة نظمت العلاقة بين الزوجين بعد الطلاق أو بعد الانفصال لا خلال الحياة الزوجية ووجود الزوجة فى بيت زوجها.
طيب ده كلام؟
قال تعالى: «وإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى».
الآية كما يبدو تنظم قواعد الاتفاق على إرضاع الطفل بعد الانفصال. هل ترضعه الأم بأجر اتفاقًا؟ أو أن ترضعه مرضعة بديلًا؟
أجر الرضاعة فى الآية للأم حال طلاقها لا خلال زواجها.
ليس فى القرآن الكريم ما ينهى الزوجة عن رضاعة أولادها إلا بأجر. ليس فى القرآن ما ينهى الزوجة عن خدمة زوجها، ولا ما ينهى زوجًا عن صون عشرة زوجته.
لاحظ أن كل ما فى قواعد العلاقة بين الزوجين من تفاصيل آراء فقهاء. تدخل آراء الفقه ( مرة رابعة ) فى حالات الخلاف. وآراء الفقه فيما بين الزوجين فى الوقت نفسه تخضع للظرف والزمان والمكان.. والحالة.. والعرف السائد فى البلد.
وإن كان على تنظيم الفقه، فهناك ما لا يمكن تصوره أو العمل به فى المجتمعات الحديثة لأنه لا يمكن للمرأة احتماله.
خد عندك: استقر أهل الفقه (الجمهور) أنه لا تخرج المرأة من بيت زوجها إلا بإذنه. وإذن الزوج واجب، ونهيه سارٍ حتى وإن كانت الزوجة فى بيت أبويها.
واتفق الجمهور أن «على المرأة المدخول بها الخضوع لأمر زوجها فى الخروج من بيتها من عدمه ولو كانت فى بيت أبويها».
فى تحفة المحتاج على الفقه الشافعى قال: «وخروج المرأة من المحل الذي رضى زوجها بإقامتها فيه ولو لعبادة لا يجوز.. وإن كان غائبًا وخرجت بلا إذن منه.. ولا مظنة رضاه فهذا عصيان ونشوز.. لأن لزوجها على زوجته حق حبسها (أو منعها من الخروج) َ!
وقال رسول الله ﷺ : «لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ، مَسَاجِدَ اللَّهِ».. وقال الباجى فى شرح الموطأ: «قَوْلُهُ: لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ لَا خُرُوجَ لَهُنَّ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ ذَلِكَ؛ لَخُوطِبَ النِّسَاءُ بِالْخُرُوجِ، وَلَمْ يُخَاطَبْ الرِّجَالُ بِالْمَنْعِ».
لو خرجت زوجة من بيتها دون إذن زوجها، نشزت فى الدين، وفى القضاء سقط ما لها من نفقات وحقوق!
وإذا كان على الحقوق.. خد عندك مثالًا آخر: «ذهب جمهور العلماء أنه لا يجب على الزوج علاج امرأته سواء كان مرضها بجنون أوغيره ولا يدخل ثمن علاجها ضمن النفقة الواجبة».
أى أن الزوج غير ملزم فى أقوال المذاهب الأربعة بعلاج زوجته إذا مرضت. قال الحصكفى الحنفي: لا يلزمه مداواتها. وقال ابن عابدين فى حاشيته: «لا يلزم الزوج إتيانه لها بدواء المرض ولا أجرة الطبيب ولا فصد ولا حجامة».
وقال العدوى: «لا يلزمه الدواء لمرضها، ولا المعالجة فى المرض».
(3)
الزواج سكن ومودة ورحمة. لو دخلنا دوائر «حقى وحقك».. واللى لك واللى عليك على طريقة التريند سوف نخسر كثيرًا.
مرة أخرى لا يتدخل القانون بين زوجين إلا فى نزاع. ولا يتدخل الفقه فى العلاقة إلا فى حالة خلاف.
الكلام فيما يلزم وما لا يلزم يهدم البيوت.. ويوغر الصدور.. ويقلب الدنيا والأسرة على رأس المجتمع.
حتى الفقه مدارس ومذاهب، وكلها تقتضى المصلحة. هناك من يعدل عن أحكام إلى أحكامٍ أخرى بغرض المصلحة وطلبًا للإصلاح. هناك من الحنفية من خالفوا الحنفية.. ومن الشافعية من كرهوا آراء بعض الشافعية.
ما قاله الشافعى غير ما قاله تلاميذه، وما قاله الشافعى فى العراق غير ما قال به فى مصر. العرف تغير من مصر للعراق، لأن المجتمع تغير والزمن تغير، فتغيرت المصالح.
قال الإمام الليث بن سعد ما خالفه فيه بعض تلاميذه فيما بعد لما تغيرت طبيعة المجتمع وتفاصيله وطريقة حياته. يقال إن اختلاف أهل الفقه رحمة، لأن اختلافهم فى تعدد الآراء وتعدد الأحكام فرصة لاختيار ما يناسب العصر ويسرى مع المستجدات.
الفقه سند مش خراب بيوت. وفقه الأحوال الشخصية من أكثر أنواع الفقه اختلافًا فى الآراء واختلافًا فى الأحكام. السبب أن آراء أهل هذه النوعية من الفقه أقاموا الحجة وفقًا للبيئة.. ووفقًا للعرف فى مجتمعاتهم.
لو استغرقت فى فقه الأحوال الشخصية شوية هتلاقى اللى يمَوّت من الضحك، أو يمَوّت من الحزن.
النكتة أن يجىء مصادقون من المشاهير يقولك النهاردة: «ملزمة وغير ملزمة».



