الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

عمارة الملح في واحة سيوة 

د. إسماعيل حامد اسماعيل
د. إسماعيل حامد اسماعيل

يجب أن نؤكد أن عمارة الملح، وكذلك وجود ما يقال لها "مدن الملح" لم تقتصر على منطقة غرب إفريقيا فحسب، ومن الواضح أن ذلك النمط من العمارة انتشر في العديد من مناطق الصحراء الكبرى الأخرى، وذلك كلما توافرت الملاحات، وسبخات الملح، ويرى البعض أنه لاحرج أن نأخذ نموذجًا من عمارة الملح الأخرى، أو إحدى مدن الملح، حتى لو كانت بعيدة عن النطاق الجغرافي الخاص بتلك الدراسة التي نحن بصددها، لأن هذا النموذج يقع في نهاية المطاف داخل نطاق الصحراء، وهي ذات البيئة التي تشكل بدورها المحور الرئيس لهذه الدراسة. 

ولعل الغاية من ذلك لمحاولة عمل مقارنة حول سمات عمارة الملح في غرب إفريقيا مع نظيراتها في أقاليم الصحراء الكبرى، وهي مقارنة أرى أنها مهمة بشكل كبير حتى يكون لدينا رؤية شاملة عن عمارة الملح في عموم الصحراء الكبرى في ذات الآن. 

 

ولعل من أبرز نماذج عمارة الملح في أحد أقاليم الصحراء الإفريقية مدينة شالي في واحة سيوة. وتعد سيوة واحة طبيعية داخل الصحراء، تقع داخل منخفض صحراوي، وهي تبعد قرابة 820 كيلومترا.

 

وتقع مدينة شالي القديمة في وسط واحة سيوة، وهي عبارة عن مدينة قلعة أثرية إسلامية كانت شيدت في حوالي القرن 6هـ/القرن 12م، وتلك المدينة تتميز بوجود طراز معماري فريد في مبانيها، حيث كانت شالي قد بنيت تقريبًا وبشكل يبدو كاملاً باستخدام حجارة الملح المحلي المعروف بالواحة التي تكثر بها مناطق الملاحات، وهو الحجر المعروف بحجارة "الكرشيف"، ويتكون الكرشيف من الملح الذي تتم معالجته مع خلطه مع كل من الرمل والطين، ثم يتم تجفيف كتل الكرشيف تحت أشعة الشمس.

 

وتبدو مدينة شالي القديمة مبنية فوق تل مرتفع، وهي تظهر من بعيد كأنها بناء واحد، أو قلعة حصينة، وتتميز مدينة الملح القديمة بأنها ليست لها فتحات، أو ممرات مطلقًا إلا ممر واحد، أما نوافـذها عبارة عن فتحات صغيرة مصنوعة بنظام هندسي علـى شـكل المثلثـات.

 

وتظهر مدينة الملح في شالي وبيوتها القديمة وكأنها قلعة حصينة، وفي طراز فريد يندر وجوده بهذا العمارة، وتم بناء تلك المدينة الملحية في هيئة طبقات، ويبلغ عددها 8 طبقات. ومن الواضح أن بناء قلعة شالي على هذا الطراز الحصين كان بهدف حماية سكان الواحة قديمًا من اعتداءات القبائل الرحل التي كانت تتنقل عبر الصحراء بالقرب من الواحة. 

 

وتلك الحجارة الملحية بهذا التكوين تجعل دراستنا لمدينة الملح في سيوة على قدر من الأهمية، لأن السكان المحليين في سيوة استخدموا نوعًا من الحجارة الملحية (أي الكرشيف)، وهو نوع يختلف عن ألواح الملح التي كان يستخدمها سكان غرب إفريقيا في بناء بيوتهم ومساجدهم التي تحدثنا عنها آنفًا. وهنا يبدو الاختلاف واضحًا بين قوالب ملح الكرشيف في سيوة، وكتل الملح في غرب إفريقيا التي هي عبارة عن كتلة كاملة من الملح. ولاريب أن مصدر هذا الملح المستخدم مع أحجار الكرشيف مأخوذة من البحيرات الملحية التي توجد بكثرة في سيوة، واستخدم الواحة مادة البناء هذه كمادة أساسية في بناء البيوت، مع استخدام الخشب وجذوع الأشجار لبناء أسقف البيوت، وغالبًا ما تكون من أشجار الزيتون، وجذوع النخيل.

 

وعلى هذا، فالعمارة في واحة سيوة كانت مأخوذة من البيئة المحيطة بشكل كامل، ولهذا فالمكون الأساسي لهذه القلعة الإسلامية هي الكتل الملحية المستخرجة من البحيرات المحلية المنتشرة في الواحة، وكانت تتم معالجة تلك الكتل الملحية ودمجها مع الطين لتشكيل الطوب ومن ثم استخدامه في البناء. ولاشك أن هذه التقنية وفرت الراحة للسكان على الرغم من الظروف المناخية القاسية، وأثبتت قدرة  سكان سيوة على استغلال الموارد المحلية، ويبدو في هذا أن هذا التعامل مع البيئة المحلية يهدف لتحقيق مفهوم الاستدامة، وهو ما يميز العمارة في سيوة. 

 

 

متخصص في التاريخ والتراث الإفريقي

 

تم نسخ الرابط