الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

تكلمت مصر فى القمة الأمريكية بصوت عال ومفردات واضحة. حشدت مصر كثيرًا من أدوات متاحة لديها بحكم الموقع والتاريخ.. وبحكم الحاضر والمكانة للمطالبة بدعم القارة السمراء.

احتفاء دوائر صنع القرار الأمريكى برئيس الدولة المصرية، تصب فى صالح مزيد من تعزيز العلاقات المصرية الأمريكية.. ومن ثم العلاقات الأمريكية الإفريقية. 

مكاسب مصرية كثيرة من المشاركة فى القمة الأخيرة. مكاسب على أصعدة مختلفة، سواء فى إطار العلاقة المصرية الأمريكية، أو على مستوى التقارب الأمريكى الإفريقى. 

مكاسب تنعكس بالضرورة على مصالحها بالإيجاب، إضافة إلى انعكاسات على القارة السمراء فى المستقبل. 

(1)

الظروف الدولية فى تلك المرحلة أكثر صعوبة. الأزمات والتحديات التي يمر بها العالم ليست معهودة.. لأسباب مختلفة، بدءًا من تداعيات فيروس كورونا، انتهاء بالأزمة الروسية الأوكرانية. 

زادت الأزمة الروسية من التأثيرات بالسلب الشديد على إمدادات الطاقة والغذاء، وأثرت على الاقتصاد.. وأثرت فى النهاية على كل مواطن فى كل دولة من دول العالم.

تتبنى مصر سياسة خارجية واضحة الملامح لا تتغير ولا تتبدل. اكتسبت مشاركة رئيس الدولة المصرية فى القمة أهمية من كون مصر تتبنى سياسات منفتحة على الجميع.

الأصل فى ثوابت السياسة المصرية هى الندية والمصالح المشتركة. 

تسعى مصر على سياقات مختلفة فى خريطة سياساتها الدولية على مصالح ورفاهية الشعوب بعد استقرارها. 

لا يمكن فى تلك الظروف التي يمر بها العالم إغفال التحديات التي تواجه أمن الإقليم والشرق الأوسط.. ودول العالم. تحديات كثيرة تهدد الأمن والاستقرار فى المنطقة.. وآثار تلك التهديدات لابد أنها تمس باقى دول العالم. 

المياه والغذاء هاجسان رئيسيان للعالم فى تلك المرحلة من تاريخ الكوكب. 

فى الولايات المتحدة الأمريكية، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي وجهة النظر المصرية فى الارتباط الوثيق بين الأمنين الغذائى والمائى. تنظر مصر لهذا الرابط باعتباره أمنًا قوميًا.

يحتم ذلك الرابط، كما ترى مصر لاستقرار الأمن، توافر الإرادة السياسية لصياغة أطر قانونية لضبط المسارات المشتركة وفق الحفاظ على مصالح الجميع. 

لا تقف مصر فى سبيل تنمية أحد، لا فى إفريقيا، ولا فى غير إفريقيا، لكن شرط مصر الذي لا يمكن التغاضى عنه هو التنمية دون ضرر.. أو دون تعسف. 

ترى مصر، وهذه حقيقة، أن مشاكل نقص الغذاء، مرتبطة بقضايا المناخ.

 الارتباط وثيق، وعلمى، وواقعى، لذلك أشار الرئيس السيسي إلى أهمية وفاء الدول المتقدمة بالتزاماتها السنوية لمواجهة تغيرات المناخ. لم يعد الوقت كافيًا، ولا متاحًا لمزيد من التسويف، لتفعيل صندوق الخسائر  والأضرار بعد هيكلته فى الطريق للاكتمال.

ما زالت فى الجهود الدولية مساحات لم تستغل لحلول قضايا الماء والغذاء. لذلك لفت الرئيس السيسي إلى أن الجهد المصري المبذول فى مؤتمر المناخ بشرم الشيخ، رغم أنه وصل إلى نتائج معتبرة لصالح مساعى مواجهة التغيرات المناخية، فإن العالم لابد أن يكون على ذلك القدر من التوافق لصالح حلول عاجلة للقضاء على الجوع.

(2)

تشير التقارير الدولية إلى تنامى معدلات الجوع السنوات الثلاث الماضية.

تقرير أخير للأمم المتحدة أشار إلى أن العالم يبعد أكثر فأكثر عن تحقيق معادلات تهدف إلى حلول لمشكلة الأمن الغذائى وانعدامه على نقاط وبقاع كثيرة على الخريطة الدولية. 

شهد العالم السنوات الأخيرة ارتفاعًا فى أعداد الذين يعانون الجوع فى العالم إلى ما يزيد على 828 مليون شخص العام الماضى. الزيادة حوالى 46 مليون شخص عن العام الذي قبله. الزيادة بتلك النسبة كانت واحدة من تداعيات وآثار انتشار فيروس كورونا. 

يعانى حوالى 2.3 مليار شخص فى العالم من انعدام الأمن الغذائى. وحول العالم كما أشار التقرير الأممى، عانى حوالى 45 مليون طفل أقل من 5 أعوام من الهزال بسبب سوء التغذية، مع زيادة خطر وفاة الأطفال إلى أكثر من 12 ضعفًا.

فى القمة الأمريكية الإفريقية.. لفت الرئيس السيسي إلى أن الإحصاءات الدولية تضع العالم أمام مسؤولياته. 

زادت أعداد الذين يعانون من ضعف الأمن الغذائى حول العالم إلى 800 مليون شخص العام الجارى. نبه الرئيس إلى أن قارة إفريقيا مصدر لما يزيد على ثلث هذا الرقم.

(3)

على خلفية القمة الأمريكية الإفريقية كانت بكين حاضرة. 

تكلمت الصحف الأمريكية عن تخوفات الإدارة الأمريكية من مزيد من التعاون الصينى فى القارة السمراء. 

على كل، يبقى صراع المكان مقصورا على واشنطن وبكين. مسألة الصراع ثنائية بحتة بين العاصمتين، لكن المؤكد أن القارة السمراء، لها من الإرادة، ولها من المصالح، كما أن لها من المطالب ما يضعها فى الخانات التي تريدها على الخريطة العالمية. 

مصر نقطة التوازن لإفريقيا، سواء فى العلاقات مع الصين أو فى العلاقات مع الولايات المتحدة.

تسعى الولايات المتحدة للعودة للقارة السمراء بعد سنوات من غض الطرف. هذه رغبة أمريكية وتظل أمريكية، لكن كل ما تتنتظره مصر ودول القارة هو ما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة من أطر تعاون.. وخطوات ملموسة على الأرض لدعم حلول لمشاكل القارة.

انعقدت القمة الأمريكية الإفريقية، بعد حوالى 8 سنوات من آخر قمة على هذا المستوى.

العالم اليوم غير عالم ما قبل 8 سنوات. الظروف المحيطة بالجميع غاية فى الدقة، وغاية فى التشابك، مع تزايد الأزمات وتعقدها.  أكدت إدارة الرئيس الأمريكى أن لديها رغبات حقيقية فى تطوير الشراكة بين إفريقيا والولايات المُتحدة الأمريكية. 

لدى القاهرة يقين بأن الولايات المتحدة فى حاجة إلى إفريقيا فى ظل تغيرات شديدة التعقيد.

من هذا المنطلق دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي الولايات المتحدة إلى استثمار الثقل الاقتصادى لواشنطن فى حلول لمشاكل أزمة الغذاء. طالب رئيس الدولة المصرية واشنطن أيضًا، باستثمار ذلك الثقل لتخفيف أعباء ديون الدول الأكثر تضررًا من الأزمات الأخيرة. 

لأكثر من سبب، جاء الوقت لإجراءات عاجلة، لإعفاء الدول النامية من نسب معتبرة من ديونها.. أو تحويل جزء منها إلى استثمارات.  طالب الرئيس عبدالفتاح السيسي.. بكل وضوح، بأن تتبنى القمة الرؤية المصرية، وتترجمها لمبادرات قابلة للتنفيذ. 

حملت الرؤية المصرية آمال وأحلام الأفارقة. 

لدى مصر تجارب ناجحة على محاور الأمن الغذائى وحسن إدارة المياه. طرحت مصر يدها برغبات التعاون لمشاركة الأفارقة تلك التجارب، على رأسها مبادرة المليون ونصف مليون فدان، والمشروع القومى للصوامع. 

أدى المشروع القومى الأخير إلى زيادة القدرة التخزينية للحبوب فى مصر إلى ما يزيد على الضعف.

لدى مصر تجاربها أيضًا فى كفاءة وحسن استغلال وإدارة مواردها المائية، وتطوير قدرات تحلية المياه. وصلت مصر على مستوى القوائم حاليًا إلى كونها واحدة من أكبر الدول نجاحًا فى عمليات التحلية.

لدى مصر شواغلها ولديها مصالحها التي تضع فى القلب منها مصالح القارة الإفريقية. 

تمد مصر يدها للجميع على أسس ثابتة. المرونة فى السياسة واردة، لكن الثبات على الندية.. والوضوح.. والمصالح المشتركة أسس لا تراوح السياسة المصرية.

تم نسخ الرابط